أخبار مصر اليوم| وزير الصحة يؤكد التزام مصر بتنفيذ «نداء القاهرة» لمكافحة سرطان الثدي.. وزير الخارجية يبحث هاتفيا مع رئيس الوزراء الفلسطيني ترتيبات مؤتمر إعادة إعمار غزة    على هامش قمة عالمية في الصين.. رئيسة القومي للمرأة تلتقي نائبة الأمين العام للأمم المتحدة    حماس: سنسلم الليلة جثة أسير إسرائيلي تم استخراجها    كندا تبحث مع الصين حل الخلافات التجارية وتحسين العلاقات الثنائية    أمريكا تعتقل ناجين بعد غارة على سفينة يشتبه في نقلها مخدرات بالبحر الكاريبي    السوبر الأفريقي.. قائمة بيراميدز في مواجهة نهضة بركان    مانشيني يقترب من العودة إلى البريميرليج ضمن قائمة المرشحين لتدريب مانشستر يونايتد    راشفورد: أستطيع بلوغ كامل إمكانياتي مع برشلونة    ريال مدريد يحسم مصير نيكو باز ويغلق الباب أمام عروض إنجلترا    أب يقتل ابنته بسبب تبولها لا إراديًا في أطفيح    مرشح يتقدم بطعن بعد استبعاده من الكشوف الانتخابية بالقليوبية    إلهام شاهين: بنوتي الحلوة منة شلبي مبروك تكريمك في مهرجان الجونة    مصر العظيمة.. أول مدير مصرى وعربى لمنظمة اليونسكو.. خالد العنانى يسعى إلى إطلاق "ميثاق مالى جديد ومتنوع وشفاف ومبتكر" يرتكز على مبدأ بدون موارد.. لا يمكن تشغيل الآلة!    انطلاق مهرجان تعامد الشمس بأسوان بمشاركة 8 فرق شعبية وحضور فودة وكمال    استمرار أعمال التطوير بمستشفى دار الولادة بالإسكندرية    محافظ الدقهلية: افتتاح مخبز المحافظة قريبًا لإنتاج الخبز المدعم و"الفينو" لتخفيف الأعباء عن المواطنين    عاجل- وكيل جهاز المخابرات العامة المصرية السابق: حاولنا ربط الإفراج عن شاليط بمروان البرغوثي ولكن إسرائيل رفضت رفضا قاطعا    الدويري: لم يكن هناك طلبا لحماس لدى إسرائيل إلا وأكد الوفد المصري عليه    اللواء بحرى أركان حرب أيمن عادل الدالى: هدفنا إعداد مقاتلين قادرين على حماية الوطن بثقة وكفاءة    في ذكرى ميلاده.. سُليمان عيد صانع البهجة والإبداع    من 15 حلقة فقط.. جومانا مراد: بقدم شخصية جديدة ومختلفة في مسلسل 'خلايا رمادية'    الإثنين، آخر مهلة لسداد اشتراكات المحامين حاملي كارنيه 2022    مصطفى بكري عن سد النهضة: مصر لن تسمح بأي تهديد لمصالحها الوطنية    «الوطنية للانتخابات»: قاعدة بيانات محدثة للناخبين لتيسير عملية التصويت    مقتل 8 مسلحين في عملية أمنية بإقليم خيبر بختونخوا الباكستاني    توفير وظائف للشباب وذوي الهمم .. حصاد «العمل» في إسبوع    الأرصاد الجوية: توقعات سقوط أمطار على بعض المناطق خلال الساعات القادمة    ينافس نفسه.. على نور المرشح الوحيد بدائرة حلايب وشلاتين    شبكة عالمية: محمد صلاح ضمن أفضل 5 صفقات في تاريخ الدوري الإنجليزي    ريم أحمد تكشف عن تحديات الأمومة في ستات ستات: ابنتي أقوى مني    وكيل المخابرات العامة المصرية السابق: حاولنا ربط الإفراج عن شاليط بمروان البرغوثى    وزارة النقل تناشد المواطنين للمشاركة في توعية ركاب السكة الحديد من السلوكيات السلبية    قبرص: تعزيز التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومصر والجهات الإقليمية الفاعلة أساسي لتعزيز السلام والأمن الإقليميين    بنزيما يقود تشكيل الاتحاد ضد الفيحاء في الدوري السعودي    تعاون بين الآثاريين العرب والسياحة.. رؤية جديدة لإحياء الإنسان والحجر    انتخابات مجلس النواب 2025.. خطوات الاستعلام عن اللجنة الانتخابية ورقم الناخب    طريقة طاجن السبانخ باللحمة.. أكلة مصرية بطعم الدفا مع اقتراب أجواء الشتاء (المكونات بالتفصيل)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17-10-2025 في محافظة الأقصر    أهم أخبار السعودية اليوم الجمعة 17 أكتوبر 2025.. منصة "نت زيرو" توقع مذكرة تفاهم مع الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة    ضبط دجال يروّج للشعوذة على السوشيال ميديا في الإسكندرية    الخطيب: مشروع الاستاد حلم يقترب من التحقق.. ومؤسسة الأهلي للتنمية المجتمعية هدفها خدمة الوطن    لمدة 14 ساعة.. ضعف وانقطاع المياه غدًا السبت عن 3 مناطق بالإسكندرية    الصحة تنظم ورشة عمل تدريب مدربين لمسئولي التثقيف الصحي    الإسكندرية تبدأ توسعة طريق الحرية.. مشاريع لتحسين الحركة المرورية لمدة شهر كامل    عالِم أزهري: «ادفع بالتي هي أحسن» قانون إلهي في تربية النفوس ونشر الخير    شركة حدائق: تحويل حديقتي الحيوان والأورمان إلى نموذج عالمي للحدائق الذكية    منتخب مصر يتقدم والمغرب تتراجع.. «فيفا» يكشف التصنيف العالمي للمنتخبات    الأقصر أرض التاريخ المصرى القديم تستضيف 100 مغامر أجنبى من 15 دولة بفعاليات رياضية الباراموتور.. بهجة وفرحة بين الأجانب بالتحليق المظلى فوق معابد ومقابر الملوك وشريط نهر النيل.. ومغامر فلسطينى يشيد بسحر المشهد    الصحة: رؤية إنسانية جديدة في المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية    كيف تكتشفين أن طفلك متأخر لغويًا من الشهور الأولى؟.. أخصائية تخاطب توضح    اليوم.. إقامة صلاة الاستسقاء بجميع مساجد الإمارات    وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي تلتقي رئيسة بنك الاستثمار الأوروبي خلال فعاليات الاجتماعات السنوية للبنك الدولي بواشنطن    العلماء يؤكدون: أحاديث فضل سورة الكهف يوم الجمعة منها الصحيح ومنها الضعيف    أحكام وآداب يوم الجمعة في الإسلام... يوم الطهارة والعبادة والتقوى    ننشر أسماء ضحايا ومصابي الحادث المروع بطريق شبرا بنها الحر    أسعار الكتاكيت والبط اليوم الجمعة في بورصة الدواجن    «الطفولة والأمومة» ينعي ضحايا حادث أسيوط ويؤكد متابعة الواقعة واتخاذ الإجراءات القانونية    دوري أبطال إفريقيا| الأهلي يخوض المران الختامي اليوم استعدادًا لمباراة «إيجل نوار»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الوفد» ترصد الإجابة من أول نقطة للعبور
نشر في الوفد يوم 09 - 10 - 2017


روح النصر.. مرّت من هنا
مصر حققت معجزة حربية وسياسية بعد 6 سنوات من النكسة
مقاتل من حرب أكتوبر: كنا ندافع عن شرف الوطن.. والآن نعيش تراجعًا أخلاقيًا
خبراء: نعيش مؤامرة منذ منتصف السبعينيات
كيف حول شاويش نوبى شفرة الجيش؟ ولماذا طلبه السادات مقيدًا بالكلابشات؟
لم يحدث على مدار التاريخ البشرى كله، أن انهزم جيش هزيمة ثقيلة دمرت معداته، ثم عاد ذات الجيش خلال 6 سنوات فقط، ليخوض حربًا جديدة وينتصر فيها.
فخلال نكسة 1967 فقدت مصر 80% من معداتها العسكرية، وفقدت عشرات الآلاف من الجنود، وخسرت ما يوازى 25 مليار دولار بسبب ما فعلته بها النكسة.
وقطع الصهاينة من جسدها جزءًا كبيرًا (سيناء)، واستولوا عليه، وكان طبيعيًا أن تظل مصر منكسرة تنزف دمًا ودموعًا لسنين طويلة..
لكن مصر التى تخيل أعداؤها أنها على وشك الموت، انتفضت بعد 6 سنوات فقط من الهزيمة، وحققت النصر، ومن هنا كان انتصارها فى أكتوبر أسطوريًا.. انتصارًا تسكن المعجزة كل تفاصيله.. من أول نقطة حبر خطت أول حرف فى خطة الحرب، وحتى آخر طلقة رصاص أطلقها الجنود فى تلك المعركة..
والمصريون الذين حققوا هذا النصر الأسطورى، يحاولون الآن تكرار إنجاز مماثل انتفضوا من أجله مرتين في عامى 2011 و2013 وأسقطوا نظامين فاسدين فى عامين.
والسؤال: «هل ينجح المصريون فى تكرار إنجاز يضاهى نصر أكتوبر»؟
إجابة السؤال تتضح بمقارنة ما كان عليه المصريون يوم النصر وما هم عليه حاليًا.. ومن أجل مقارنة أكثر دقة، اخترنا أول منطقة عبر منها المصريون خط بارليف ورفعوا العلم المصرى فوق سيناء، وهى منطقة المعدية نمرة 6 بمحافظة الإسماعيلية.
الصور والفيديوهات التى ترصد عملية العبور، سجلت التفاصيل الكاملة لمنطقة «المعدية نمرة 6»، وقت الحرب، ولم يكن بالمنطقة سوى رمال ممتدة «على مدد الشوف»، ومدافع تصوب نيرانها باتجاه العدو فى سيناء، وجنود تتدفق على القناة حاملة سلاحها ومراكب العبور المطاطية، ومهندسون عسكريون يشيدون كبارى العبور التى ستزحف منها الدبابات المصرية، إلى أرض سيناء لتطهرها من دنس الصهاينة.
هكذا كان حال جبهة القتال.. أما الأهالى القريبون من منطقة العبور، عند «المعدية نمرة 6»، وكانوا يقيمون عند الأطراف البعيدة لمنطقة البلاح على بعد أكثر من كيلو متر من الشاطئ فشكلوا- بحسب المهندس نادر محمد عبيد (55 سنة) صاحب شركة خاصة - مقاومة شعبية استعدت للتعامل مع أى جندى إسرائيلى تسول له نفسه التسلل إلى داخل الإسماعيلية، ولكن إسرائيل لم تفكر فى بداية المعركة سوى فى رد الهجوم المصرى الكاسح، وحاولت أن تقصف المنطقة القريبة من القناة بالطيران.. ويقول «عبيد» كان الطيران الإسرائيلى يحاول قصف الإسماعيلية، وعندها كان الأهالى يحملون أطفال المنطقة إلى داخل مخبأ تحت الأرض خوفًا عليهم من غارات الإسرائيليين، وظل هذا المخبأ لسنوات طويلة بعد الحرب، حتى تم بناء مسجد العباسى فوقه.
منى رشاد أحمد - ربة منزل ( 66 سنة) كانت تقيم مع أسرتها فى منطقة سرابيوم بالسويس.. وتقول: «قبل الحرب بساعة أو أقل فوجئنا بعدد كبير من الجنود يتدفقون إلى طلمبة مياه أمام بيتنا، وأخذوا يملأون جراكن مياه من الطلمبة، ولما سألتهم والدتى: فيه حاجة يا ولاد؟.. فرد عليها أحدهم: ادعيلنا يا حاجة.. وبعد دقائق فوجئنا بالطائرات المصرية تعبر القناة وبعدها بدأت المدافع تطلق نيرانها.. وعلمنا أن الحرب بدأت».
وتضيف: «كانت إسرائيل تطلق علينا بطائراتها بودرة سوداء تجعلنا نتنفس بصعوبة ولهذا طلبوا منا أن نغادر المنطقة حفاظًا على حياتنا، فتركنا كل شىء وتوجهنا إلى الشرقية وأقمنا فى التل الكبير لمدة 6 شهور ثم عدنا بعدما انتهت الحرب».
إبراهيم محمد على -تاجر فاكهة- (62 سنة) رفض أن يغادر الإسماعيلية واشترك هو والده مع المقاومة الشعبية، ويقول: «كنا نقضى الليل حاملين سلاحنا ومستعدين لقتل أى إسرائيلى يتسلل إلى الإسماعيلية، وفى أحد الأيام اكتشفنا أن 4 دبابات إسرائيلية تسللت إلى الإسماعيلية.
ورغم أنها كانت تحمل العلم المصرى، والجنود الذين عليها يتكلمون باللهجة المصرية، إلا أن المقاومة اكتشفتهم وتعاملت معهم وأسرنا من فيها عندما وصلت إلى عزبة أبو عطوة، ومنعتهم من الوصول إلى معسكر الجلاء الذى كان نقطة تمركز الجنود المصريين».
ولا تزال الدبابات الإسرائيلية فى منطقة أبو عطوة حتى الآن تحكى واحدة من بطولات المصريين خلال حرب أكتوبر.
هكذا كانت الأحوال فى الإسماعيلية وتحديدًا فى المنطقة القريبة من «المعدية نمرة 6» التى شهدت رفع أول علم مصرى فوق سيناء فى حرب أكتوبر.. قبل 44 عامًا، أما الآن فتغيرت الأحوال بشكل كبير.
فالمنطقة التى كانت صحراوية، يكسوها لون الرمال الأصفر، اكتست حاليًا باللون الأخضر، وغطتها المساحات الخضراء والأشجار المعمرة، وتحول المكان كله إلى حيين سكنيين كبيرين هما حى الجامعة وحى الإسراء.
يضم الحيان مئات العمارات، و جامعة قناة السويس، وعيادات هيئة الشرطة، ومرفق علاج الأمراض الفيروسية، وحتى الشوارع نفسها، احتضنت داخلها ميدانين.. فى وسط أحدهما تمثال للفريق عبدالمنعم رياض الذى استشهد فى مارس 1969، وفى الميدان الثانى صورة كبيرة لعندليب الشعر الراحل عبدالرحمن الأبنودى.
والحقيقة أن التغيير لم يتوقف عند تغير طبوغرافية أول منطقة عبر منها المصريون فى حرب أكتوبر، فهناك تغييرات كبيرة طرأت على البشر أنفسهم.
هذه التغيرات يرصدها محمد فوزى (72 سنة) أقدم مصرى يعيش فى منطقة البلاح الملاصقة للمعدية «نمرة 6» فيقول: « فى زمن الحرب كنت أعمل بهيئة قناة السويس وكنت أنقل للجنود المعدات والأدوية وعندما كنا ندخل منطقة العمليات وقت الحرب كنا نجد الجنود، يعيشون حالة تحدٍ لكل الظروف المحيطة بهم وكان لديهم إصرار كامل على النصر، مهما كانت التضحيات.. ولما انتهت الحرب، عرضت هيئة قناة السويس مساحات شاسعة من الأراضى حول القناة للبيع، فكونت جمعية أطلقت عليها اسم البلاح واشترت الجمعية مليونًا و270 ألف متر مربع من الهيئة مقابل 82 ألفًا و200 جنيه، وتم تشييد مئات العمارات فى المنطقة فتحولت المنطقة الملاصقة للمعدية نمرة 6 من منطقة صحراوية إلى منطقة سكنية».
سألت محمد فوزى رئيس مجلس إدارة جمعية الجامعة القديمة للتنمية: «ما الذى تغير فى المصريين منذ زمن الحرب حتى الآن»؟
فأجاب بأسى: «حدث تغير كبير، وأكثر التغيرات خطورة هو استحلال البعض أخذ ما ليس من حقه، «مدللًا على ذلك بما يجرى فى مجمع الزهراء للأعمال الخيرية الكائن بمنطقة البلاح، وأشار إلى أن مجلس إدارة المجمع يهدر مال الجمعية، وينفقها فى غير أوجهها وأغلق مصنع تريكو تابعًا للمجمع، كان سيدر أموالًا وفيرة للغلابة، ولكن مجلس إدارة الجمعية أغلق المصنع.
المقاتل محمد عواد الذى شارك فى حرب أكتوبر بمنطقة جنيفة، يرى أن التغير الكبير الذى طرأ على المصريين منذ حرب أكتوبر وحتى الآن هو التراجع الأخلاقى والميل للكسل والسلبية.. ويقول: «فى حرب أكتوبر كنت ضمن سرية مدفعية بمنطقة جنيفة، ولما بدأت الحرب كدنا نطير من الفرح وقال لنا قائد السرية «قاتلوا عن شرف مصر».
وهذه الجملة أشعلت حماسنا، وظللنا نطلق دانات مدفعيتنا لمدة 13 يومًا متصلة، دون أن نتوقف لحظة، ولما حدثت الثغرة، وفوجئنا بالاسرائيليين يطلقون علينا نيرانهم من الخلف، هتف فينا القائد: كل واحد يحمى رقبته.. ثم طلب منا أن نتقهقر إلى داخل السويس، ووقتها أصبت بشظية فى ساقى، وتورمت قدماى، ورغم ذلك ظللت أسير حاملًا سلاحى لمسافة 35 كيلو مترًا، ولما وصلت للمكان المخصص لسريتنا، تم تحويلى للمستشفى لاستخراج الشظية، وعلاج ساقى المتورمة، واستمر العلاج لمدة ساعتين، وبعدها عدت للقتال مرة أخرى، ولمدة 5 أيام شاركت فى دفن ضحايا الغارات الإسرائيلية على السويس، ولما توقف القتال تم تكليفى بحماية العلم المصرى فى منطقة المثلث بالسويس، وظللت على هذه الحال حتى تم وقف إطلاق النار».
شفرة الحرب التى اتبعت إسرائيل كانت من بنات أفكار البطل النوبى «أحمد إدريس» الذى التحق بالجيش مجندًا بقوات حرس الحدود، وقبيل حرب 1967 كان على الحدود مع إسرائيل، ولما صدرت الأوامر للجيش المصرى بالانسحاب من سيناء تمكن هو ووحدته من قوات حرس الحدود من الانسحاب والعودة عبر الطرق الجانبية فيما كان الطيران الإسرائيلى يقصف بعنف جميع القوات المنسحبة عبر الطرق الرئيسية فى سيناء، ولهذا كانت خسائر تلك القوات 80% بينما خسائر حرس الحدود 12.5% فقط.
وبعد النكسة صدرت قرارات بتوزيع قوات حرس الحدود على الأسلحة المختلفة، فالتحق «أحمد إدريس» باللواء 15 مدرعات وكان متمركزًا فى أبو صوير.. ويروى «إدريس» ما حدث معه قبيل الحرب فيقول: «فى أحد الأيام سمعت قائد اللواء يشكو من أن إسرائيل تخترق جميع الشفرات المصرية، وساعتها قلت: يا افندم فيه حل، فقال لى وما هو قلت نستخدم اللغة النوبية فى الشفرات، فقال: وإيه هى اللغة النوبية دى، فقلت دى لغة بيتكلم بها أهل النوبة وهى لغة تنطق ولا تكتب فقال: طيب اسكت ومتقولش لحد دلوقتى».
وأضاف: «عرض قائد اللواء الفكرة على قائد الجيش وبدوره عرضها على الرئيس السادات فقال: «مين صاحب الفكرة دى، فرد قائد الجيش: صاحب الفكرة شاويش فى الفرقة 15 مدرعات، فقال السادات هاتولى الشاويش ده مقيدًا بالكلابشات فى إيديه».
ويواصل: «وبالفعل جاء إلى وحدتى ضابط برتبة نقيب ووضع الكلابشات فى يدى، وقال لى إنت مطلوب بالكلابشات فى قيادة الجيش فى القاهرة. وعندها كنت سأسقط من طولى، ومش عارف أنا عملت إيه علشان يعملوا معايا كده، وجابونى على رئاسة الجمهورية، ثم نقلونى إلى منزل الرئيس السادات، وفكوا الكلابشات من يدى، وتركونى جالسًا، وعندها ازدادت دهشتى، وبعد ساعة من الانتظار جاءنى الرئيس السادات، وسألنى: إيه حكاية الشفرة النوبية.. وعندها فقط بدأت أسترد روحى، وشرحت الفكرة للرئيس السادات فقال: أنت قلت الكلام ده لحد؟ فقلت: لقائد اللواء بتاعى: فصمت الرئيس لمدة 10 دقائق، لم يفعل خلالها شيئًا سوى تدخين البايب والنظر إلىّ، وبعدها قال: شوف أنا هأنفذ فكرتك، ولكن لو قلتها لحد، عقابى هيكون عسيرًا. فقلت: مستحيل أقولها لحد يا سيادة الرئيس، فرد الرئيس السادات متقلش حتى لمراتك فقلت حاضر».
ويواصل المقاتل أحمد إدريس قائلًا: «ظللت محتفظًا بالسر ولم أحدث به أحدًا حتى عام 2010، ووقتها فقط قلته لأولادى».
وأشار إدريس إلى أنه تم تدريب 245 نوبيًا على أجهزة الشفرة لمدة 10 أيام، حتى أجادوا استخدامها إذا ما أصابها عطل. وتم توزيعهم على مناطق متفرقة.. ويقول: «كنت ممن انتقلوا إلى عمق سيناء وكنت أنقل بالشفرة عدد وأنواع القوات والأسلحة الإسرائيلية فى سيناء وكنت أقضى النهار متخفيًا فى بئر مياه، وكان السيناويون يمدوننى بالطعام كل يوم، وظللت على هذه الحال حتى تم النصر».
استخدام المياه فى قهر خط بارليف المنيع كانت له حكاية مماثلة لما حدث فى شفرة الحرب.. ولكن البطل هذه المرة هو اللواء باقى زكى يوسف الذى التحق بالقوات المسلحة فور حصوله على بكالوريوس الهندسة من جامعة عين شمس عام 1954، وبعدها تم إلحاقه بالعمل فى السد العالى، حتى وقعت نكسة 1967 فعاد إلى القاهرة وتم إلحاقه بالمجموعة 19 على خط القناة.
وميلاد فكرة المياه كانت قبل الحرب ب 4 سنوات كاملة، ففى 19 أكتوبر 1969.. صدرت للمجموعة 19 قتال، أوامر بعبور قناة السويس، فاجتمع قائد المجموعة اللواء سعد زغلول عبدالكريم بقادة الأسلحة المختلفة لوضع خطة العبور.. ويقول اللواء باقى ذكى يوسف: «كنت واحدًا ممن حضروا الاجتماع بصفتى مسئولًا عن مركبات المجموعة، وكانت الخطة فى مجملها تعتمد على اقتحام الساتر الترابى باستخدام المفرقعات والمتفجرات ثم قذائف المدفعية الثقيلة، وتم تقدير الوقت اللازم لعمل ثغرة فى الساتر الترابى بما يتراوح بين 12 و15 ساعة وقدرت الخسائر المتوقعة بما يتراوح بين 20% و25 % من القوات المشاركة فى العبور، وبعد طرح الخطة والخسائر التقديرية، فتح قائد المجموعة باب المناقشة، وتحدث كل قادة الأسلحة فى المجموعة وكنت آخر المتحدثين. فبدأت أسرد ما تضمنته خطة العبور من مهام، وبينما أنا أتحدث جاءتنى فكرة استخدام المياه فى المعركة، فقلت إن هناك قوة خطيرة يجب أن نستغلها فى العبور واجتياح الساتر الترابى وهى مياه قناة السويس، وبمجرد أن قلت هذا الكلام ساد صمت لعدة دقائق، فتابعت كلامى؛ وقلت: إننا فى السد نقلنا باستخدام المياه جبالًا تزيد عشرات المرات عن الساتر الترابى.. وقلت موجهًا كلامى لقائد المجموعة يا أفندم الإسرائيليين أقاموا مانعًا ضخمًا أمامنا وهو الساتر الترابى، ولكن الله جعل لنا الحل بجوار ذات المانع وهى مياه قناة السويس.. وكل ما نحتاجه هو استخدام مضخات مياه وضرب الساتر الترابى من أسفل بهذه المياه وسيتسبب ارتفاعه الذى يصل إلى 20 مترًا وميله بزاوية 80 درجة إلى سرعة تجريف رمال الساتر انهياره بما فيه فى مياه قناة السويس».
ويواصل اللواء باقى زكى يوسف فيقول: «لاقت الفكرة استحسان الجميع خصوصًا وأن بدائلها كانت شديدة الخطورة وكبيرة الخسائر، وبسرعة تم عرض الفكرة على قائد الجيش الثالث الذى طلب أن أناقشها مع مدير سلاح المهندسين العسكريين بالجيش الثالث، فاقتنع هو الآخر بالفكرة، فتم عرضها على الرئيس جمال عبدالناصر الذى أبدى اهتمامًا كبيرًا بها وطلب دراستها بشكل أكبر وتجربتها، وهو ما تم بالفعل، وأظهرت التجارب أن المياه قادرة على إحداث ثغرة فى الساتر الترابى خلال 4 ساعات فقط، وهنا اعتمد الرئيس عبدالناصر فكرة استخدام المياه فى الحرب، وتم تدريب الجنود عليها، وأجريت 300 تجربة، كان آخرها فى منطقة الملاحات داخل قناة السويس نفسها وكان الساتر الترابى المستخدم فى تلك التجربة مشابهة تمامًا للساتر الترابى الذى أقامته إسرائيل على شاطئ القناة، وفى يوم العبور تمكنا من عمل 85 ثغرة فى الساتر الترابى خلال 6 ساعات فقط وأزاحت المياه المستخدمة 90 ألف متر مكعب من الرمال لتعبر باقى تشكيلات القوات المسلحة إلى سيناء فى زمن قياسى وبخسائر لا تكاد تذكر».
وبمثل هذه الروح حقق المصريون انتصارًا أسطوريًا فى حرب أكتوبر، ويحاولون الآن السير بروح أكتوبر رغم كيد الأعداء وحقد قوى الشر، ويجب علينا جميعًا حمايتها من الأفول الذى حذر منه أحمد زايد مؤسس مجموعة 73 مؤرخين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.