* في مؤتمر الشباب الأخير أعاد الرئيس السيسي التذكير بأمانة الكلمة ..وهذه الأمانة لا تقتصر علي الصحفيين والكتاب وأصحاب الرأي فحسب بل تنسحب علي كل الدعاة والمفكرين والنخبة و الساسة والمعارضين وكل من يملك تأثيراً جماهيرياً حتي ولو علي مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها..الرأي أمانة أخلاقية والقلم رسالة قبل أن يكون وظيفة أو أكل عيش..وإذا كانت قدمك تترك أثراً علي الأرض كما يقول المثل فإن لسانك يترك أثراً في القلب والعقل والوجدان ..ورب كلمة ألقاها المرء ثم أحدثت تأثيراً لا حدود له . وحتي ندرك خطورة الكلمة فلا أقل من أن نستحضر ما دار من حوار بين رسول الله ومعاذ بن جبل حين قال الأخير: أو نحن مؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله فرد عليه صاحب الرسالة بقوله: " ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَي وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَي مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ " حصائد الألسنة والأقلام وما تسطره الأيادي وسيلة بناء أو هدم للمجتمعات ..وقد أكد كثير من الأبحاث التي أجراها غير مسلمين صدق ما جاءت به رسالة الإسلام فيما يخص خطورة الكلمة» حيث أمرنا الله أن نتخير كلماتنا حتي لا نؤذي بها الآخرين.. فقال تعالي " قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذي والله غني حليم" البقرة 263 ويقول أيضاً: "واجتنبوا قول الزور" (الحج:30)..وقد أمرنا الله أن ندفع بالتي هي أحسن. وأن ندعو الناس بالقول الطيب اللين. وأن نجادلهم بالحسني وأن نختار الكلمة التي تحدث فيهم أثرا إيجابياً طيباً في النفوس. وتعطي صورة صحيحة عن الإسلام ..يقول الله تعالي:"ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين" النحل 125 حتي فرعون مع عناده وتجبره أمر الله نبيه موسي وأخاه هارون بأن يلينا له الكلام..قال تعالي" اذهبا إلي فرعون إنه طغي فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشي" طه 43-44 * ما أوردناه من آيات ومواقف يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن للكلمة الطيبة تأثيراً لا يعادله تأثير ومن ثم فقد جعلها الله صدقة لقائلها ..قال رسول الله "الكلمة الطيبة صدقة" ..وفي خطابه لبني إسرائيل قدم الله الكلمة الطيبة علي الصلاة التي هي عماد الدين :" وقولوا للناس حسناً وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " البقرة 83 وما من كلمة يصدرها الإنسان إلا وتترك أثراً في دماغ المتلقي لا يزول بمرور الزمن لذلك وجب الحرص علي ترك الأثر الطيب في أدمغة الآخرين وقلوبهم فلا ندري فقد تكون كلمة طيبة سببا في دخولنا الجنة. الكلمة الطيبة قد تكون سبباً في شقاء إنسان أو سعادته.. والكلمة الخبيثة قد تكون سبباً في إيذاء الآخرين وأكثر إيلاما من العقاب البدني ولهذا قال الله تعالي " ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار" (إبراهيم: 24-26). أما ما قاله باحثون علي موقع الbbc من أن العصا والحجارة يمكن أن تكسر العظام بينما الكلمات لا تؤذي فهي مقولة غير صادقة» فالذكريات المؤلمة المرتبطة بالتجارب العاطفية مثلاً أكثر إيلاماً من تلك المتعلقة بالألم البدني ..وهذا ما أدركه الرئيس السيسي وطالب به الإعلام وأرباب الأقلام والمذيعين لخطورة ما يسطرونه من كلمات وأفكار تشكل وعي الناس ووجدانهم وتبصرهم بالحقائق ومنظومة القيم والأخلاق والمُثل العليا ..وبقدر ما يخلص هؤلاء في مخاطبة الناس بما يحتاجونه لا بما يحبونه. وبينهما فارق كبير. تأتي الثمار طيبة في صالح الشعوب والأوطان تقدماً وتطوراً ورخاءً ..أما إذا تجردوا من الفضيلة وتنازعتهم الأهواء وهيمنت عليهم المطامع الضيقة فإنهم يزيفون وعي الناس ويلبسون الحق بالباطل ويخلقون بلبلة تدفع المجتمع للتخبط والتشوش. وتجعله بيئة خصبة للشائعات والانقسام والوهن والتطرف ومسالك الشيطان مثلما حدث في السنوات الأخيرة حين أسهم بعض الساسة. ومن يسمون أنفسهم "نشطاء" وبعض الإعلاميين وحملة الأقلام في حرق الوطن وتعريضه للخطر والفتن لولا أن عناية الله سبقت وكلمة الله نفذت وجمع قلوب الناس علي ثورة 30 يونيو التي صححت المسار واستعادت الدولة من براثن اليأس والفوضي والحرب الأهلية التي كان يبغيها ويدبر لها أعداء مصر في الداخل والخارج وجماعة الإخوان الإرهابية. للكلمة كما للقلم قداسة ومكانة عالية وليس أدل علي ذلك من اختيار الله سورة القلم ليزكي فيها أخلاق نبيه الكريم بقوله "وإنك لعلي خلق عظيم" وهو ما يضاعف المسئولية الأخلاقية لأصحاب الكلمة مكتوبة أو مسموعة..يستوي في ذلك الكتاب والمفكرون والمسئولون والمعارضون وهؤلاء علي خطر عظيم في دنياهم وأخراهم لو كانوا يعلمون ..فالله تعالي أقسم بما يسطرون لخطورة ما يطرحونه من أفكار وآراء وما يثيرونه من قضايا وما يعالجونه من هموم وشواغل تهم المواطنين والوطن ..فهم بهذا المعني ضمير الأمة وعقلها وبوصلتها إلي الحقائق» فما يسلطون عليه الضوء ينجلي ويسطع وما يسكتون أو يعرضون عنه يظلم أو يعتم ويتلاشي..يتقدم بهم المجتمع نحو غايته المنشودة وأهدافه المرجوة إذا ما أحسنوا مخاطبة الناس بواجبات الوقت وأولوياته القصوي ..ويغرق في السطحية وتوافه الأمور والجدل والسفسطة و الشطط إذا ما انشغلوا بتوافه الأمور ..وهنا لا يُرجي منه خيرى ولا يتوقع منه نجاح. لا شك أن منزلة أصحاب القلم والرأي رفيعة رفعة القلم الذي أقسم الله عليه ..لكن أي الأقلام تستحق تلك الدرجة الرفيعة وهذا التكريم السامي..وهل يستوي الأخيار والأشرار ..هل يستوي المنصفون المخلصون والمغرضون الأفاكون..هل يستوي المعتصمون بالحق الثابتون علي المباديء ومن يروجون للباطل ويدعون للزيف والبهتان ..هل يستوي من يتحري الصدق والموضوعية والأمانة والمهنية ويتثبت من كل معلومة يسجلها مهما يكلفه ذلك من مشقة وتعب ..ومن يلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون..وينتهكون الميثاق ويشيعون الكذب ويطلقون الشائعات..من يؤدون أمانة الكلمة ويوفون بعهدهم وقسمهم ويدفعون ضريبة الثبات علي الحق ..ومن يستسهلون التضليل والخداع والنفاق ويهادنون الفساد رغباً ورهباً ..هل يستوي من يهدون الناس إلي سواء السبيل ومن يضلونهم ويشغلونهم بالغيبة والنميمة ونهش الأعراض والتجريح واغتيال السمعة والفتن..من يرسمون للوطن طريقه للمستقبل ويضعون له أولوياته العاجلة؟! أصحاب الأقلام الشريفة ومن يدركون أمانة الكلمة ومسئوليتها هم قلة للأسف ورغم ذلك فلم ينالوا حقهم في التكريم والإشادة لا في المناسبات المختلفة ولا حتي بتخليد ذكراهم بعد رحيلهم وهو ما يجعلهم عرضة للنسيان بعد رحيلهم. يتساقطون من ذاكرة الأجيال الحاضرة والقادمة خلافاً لما يلقاه أهل الفن والطرب والرقص ونجوم الكرة الذين شبعوا شهرة وتكريما وجوائز بمناسبة ودون مناسبة ..وتلك من المضحكات المبكيات في زماننا » فنادراً ما يعرف التكريم طريقه للمفكرين وحملة الأقلام وأصحاب الرأي المستنير والساسة المستقيمين الذين يملكون تأثيراً قوياً في وجدان المجتمع بأفكارهم وآرائهم ومواقفهم التي يدفعون ضريبتها غالية. تارة من الفاسدين وانتقامهم وتارة ثانية من السلطة وغضبها وتارة ثالثة من المجتمع ذاته حين يرفضون بعض عاداته وسلوكياته التي تجافي الحق وتخاصم المنطق وتزهق روح العدل ..وما أكثر تلك الموبقات في زماننا. ناهيك عن انخراطهم في حرب ضروس ضد الإرهاب وأفكاره وانحرافاته. وغالباً ما يكونون ضحايا لاستهداف منظم من جانب أنصار هذا الفكر الضال وأتباعه الذين تصل بهم النزعة الانتقامية حداً يصل للتصفية الجسدية والقتل ..ومن هنا يثور سؤال : أفلا يستحق حملة الأقلام والرسالات والآراء. الصادقون في كلامهم ورسالتهم أن يكرموا بعد كل هذه المتاعب وأن ينالوا من الجوائز والإشادة ما يستحقون حتي تحتفظ بهم ذاكرة الوطن ووجدان الأجيال القادمة. الكلمة أمانة كما قال الرئيس السيسي.. وللقلم مكانة مقدسة بنص القرآن الكريم الأمر الذي يفرض علينا وعلي كل صاحب قلم ورأي أن نحسن ما نقول وأن نتحري الصدق والموضوعية في كل ما نقول لو أردنا صلاحاً لمجتمعنا ودنيانا وآخرتنا.. فكل ما يلفظ به الإنسان محسوب عليه ومكتوب في صحيفة أعماله.. يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم.