اتسمت العلاقة بين مصر وكلي من البنك الدولي للإنشاء والتعمير.. وصندوق النقد الدولي بحساسية "واعية" من جانبنا.. نظرا للاتهامات الموجهة إليهما من قبل الخبراء الاقتصاديين العالميين.. ونظرا أيضا لمواقفهما السابقة منا علي مدي حقبات تاريخية عديدة. كل هذا أدي إلي"فتور"العلاقة بيننا وبين الاثنين لا سيما صندوق النقد الذي يصفه البعض بأنه أداة في يد الأمريكان الذين يتحكمون في سياساته والذين بيدهم الموافقة علي إعطاء القروض أم لا.. ليس هذا فحسب.. بل الخشية دائما من "روشتاته" الصارمة التي لا تقيم وزنا للاعتبارات الاجتماعية والإنسانية. لكن الأمر اختلف عندما تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي زمام القيادة.. واتخذ قرارا جريئا وشجاعا بإجراء إصلاحات اقتصادية رغم أنها بالغة الصعوبة لكن تعتبر الحل الأمثل لمشاكل مصر المزمنة والتي استمرت وتعقدت علي ما يقرب من أربعين عاما من الزمان..! *** من هنا ليس غريبا.. أن تستشيط قوي "معينة" غضبا عندما وجدت العلاقة بيننا وبين الصندوق تتحسن.. بل تسير في مجريات طبيعية لم تكن متوقعة من قبل.. وصاحب هذه المجريات اعتراف من الصندوق بأن مصر لا تسير علي خطي واعدة فقط.. بل تحقق نجاحا مشهودا في إصلاحها الاقتصادي.. وذلك ما عبر عنه "جيم كيم" رئيس مجموعة البنك الدولي فيما تسمي باجتماعات الربيع الذي قال إن الرئيس السيسي استطاع بشجاعة أن يقضي علي التحديات التي تواجه التنمية ووضع خططا ساهمت في النجاح الاقتصادي لمصر. طبعا.. صدور مثل هذه الشهادة الواضحة.. والمحددة المعاني والكلمات لا يأتي إلا بعد إيمان ويقين من جانب الصندوق ومتابعته علي أرض الواقع لما يجري.. وما يتم إنجازه يوما بعد يوم. لذا.. فنحن نسير وفقا للسياسات التي وضعناها.. ونحن مطمئنون إلي أننا سنجني الثمار إن آجلا أو عاجلا.. فالمشروعات القومية العملاقة تنتشر في ربوع الوطن من الصعيد حتي سيناء.. وحتي حلايب وشلاتين وحتي السلوم يعني لا تقتصر أيادي التعمير والبناء علي منطقة دون أخري تحت سماء الوطن.. كل ذلك بينما الاقتصاد ينمو والحمد لله.. وينتقل من حالة البطء والجمود التي عانيناها علي مدي سنوات عدة إلي مرحلة النشاط والحركة وهكذا يمكن القول إن العجلة دارت بنجاح وأخذت الغالبية العظمي من الناس تشارك في المشروعات العامة والخاصة.. وتدخل باطمئنان بالغ في أعمال البيع والشراء.. وإنشاء المصانع.. والقري السياحية فضلا عن المشروعات الإنتاجية الصغيرة في المدن الجديدة والقديمة علي حد سواء..! *** إذن والحال هكذا.. لم يكن مستغربا من قوي الشر خصوصا وأن هذه التقارير الإيجابية الموثقة لم تأت من البنك الدولي فقط بل شاركته معظم المؤسسات العالمية الاقتصادية.. أقول لم يكن مستغربا من قوي الشر أن تواصل تدبير مكائدها التي تعودنا عليها.. والتي لا تعتمد إلا علي الفبركة.. واللجوء إلي وسائل وأساليب قديمة عفا عليها الزمن..! مثلا.. نحن نعلم جيدا خلفيات هذا التقرير الأخير الذي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية ونعرف من هم الذين وراء ظهوره للنور في هذا التوقيت بالذات..! الأمريكان.. كما قلت هم الذين يسيطرون ويتحكمون في صندوق النقد.. وبالتالي لا يريحهم أبدا أن تكون العلاقة بين الصندوق ومصر لا تشوبها شائبة كما يزعجهم كثيرا اعتراف الصندوق بنجاح مصر في تحقيق إصلاح اقتصادي متميز.. ومقبول شعبيا.. ومعروف بديهيا.. أن مثل هذه التقارير تقدم إلي الكونجرس الذي يضم أعضاء تقطر قلوبهم حقدا تجاه مصر ليس من الآن.. ولكن منذ زمن طويل..! هؤلاء الأعضاء ليس في جعبتهم شيء سوي ترديد الإسطوانات المشروخة إياها بوقف المعونة العسكرية أو تخفيضها.. أو.. أو.. وها نحن نقولها من الآن: اشبعوا بها ولا نريدها.. لأننا شعب أبي يرفض الخضوع أو الاستكانة تحت وطأة أي ظرف من الظروف. أما محتوي التقرير"المستفز".. فلا يعنينا في شيء لأنه يتحدث عن وقائع "مفبركة".. ويسوق ادعاءات ما أنزل الله بها من سلطان.. ولعلم السادة الأمريكان.. أن شعب مصر عن بكرة أبيه يعرف مصلحته جيدا.. ويرفض التدخل في شئونه من جانب الكبير قبل الصغير.. والبعيد قبل القريب..! حقوق الإنسان التي يتحدثون عنها.. نحن المحافظون عليها.. قبل غيرنا.. وأحكام القضاء لها أسانيدها القانونية وحيثياتها المنضبطة انضباطا كاملا..! وإذا كان الأمريكان مازالوا مصرين علي الانحياز للإخوان المسلمين والدفاع عنهم وعدم اعتبارهم "إرهابيين" شكلا وموضوعا.. فذلك أيضا شأنهم..! أما نحن.. فسنظل نواجههم بكل ما أوتينا من قوة بعد ما ارتكبوه من جرائم في حق أبنائنا وبناتنا.. وشيوخنا ونسائنا..! وأنا شخصيا أتصور أن واشنطن إذا كانت قد وافقت علي عقد مؤتمر للمعارضة القطرية.. فذلك ذرا للرماد في العيون.. وأحسب أن العامل المادي هو الأساس في عقد هذا المؤتمر الذي لابد وأن أمريكا ستحصل من ورائه علي الكثير..! *** أيضا.. أجد نفسي مضطرا لضم منظمة اليونسكو إلي قائمة الشر والعدوان.. فهذه المنظمة تكشف كل يوم عن وجهها المتحيز والذميم رغم أنه مفترض فيها العكس تماما.. فهي منظمة حسب اسمها - العلوم والثقافة.. والعلم لا يعرف التحزب أو العنصرية.. أو الجري وراء من يدفع أكثر في سبيل الإضرار بالشعوب..! لقد سبق أن عبرت اليونسكو عن موقفها تجاه مصر أيام ترشح الوزير السابق فاروق حسني لإدارة المنظمة.. والذي تآمرت ضده إسرائيل وقطر.. وذيولهما.. مما أدي إلي خروجه من الانتخابات "المشبوهة".. ثم تكرر الحال مع السفيرة مشيرة خطاب التي لم يحالفها التوفيق هي الأخري عندما رشحت نفسها لذات المنصب..! الآن تلك المنظمة المشبوهة ترشح "إرهابيا" ارتكب جرائم قتل وإحراق ممتلكات عامة وخاصة.. وسرقات "عيني عينك"..! يرشحونه لجائزة دولية في حرية الصحافة..! بالله عليهم.. هل هناك"سفه" أكثر من ذلك.. وهل تلك هي المنظمة التي يفترض أنها تقوم علي مبادئ الحق والعدل وسيادة القانون..! إن من ترشحونه.. يا سادة.. ضرب بكل المعايير والأخلاقيات الصحفية عرض الحائط وسار في طريق البغي والإثم والعدوان.. فهل بعد ذلك يستحق جائزة من جوائزكم..؟! سبحان الله العظيم..! علي أي حال.. صدقوني.. نحن شعب نؤمن بالله سبحانه وتعالي وواثق من نفسه ومن قيادته.. يحترم ما تربي عليه من عادات وتقاليد وقيم يندر أن تكون لدي شعب آخر. هذا الشعب لديه يقين.. بأن كل تلك التقارير الزائفة.. والمواقف المغرضة.. والمؤتمرات الخسيسة سوف ترتد إلي نحور صانعيها.. والأيام بيننا..! *** علي الجانب المقابل.. فإن السؤال الذي يفرض نفسه بالعقل والمنطق: ماذا نريده من بعضنا البعض خلال المرحلة القادمة؟ وقبل الإجابة عن السؤال لابد من الإشارة إلي أنه مع نجاحنا الاقتصادي " المشهود" فقد بدأنا في تحقيق الحلم الذي طال انتظاره.. وأعني به تطوير التعليم والصحة. ها هي مؤشرات الإصلاح التعليمي والصحي تبدو في الأفق حسب تصريحات المسئولين الحكوميين.. وهكذا نكون قد أعددنا العدة لاقتحام أكبر عقبتين كنا نواجههما علي مدي سنوات عدة..! وأنا حينما أقول الحلم.. فهو بالفعل حلم.. ويا ليت يا ليت تكتمل فصوله علي خير.. ووفقا.. لما نتمناه ونصبو إليه..! ثم..ثم نعود إلي السؤال: ماذا نريده من بعضنا البعض..؟! بصراحة شديدة وبوضوح ما بعده وضوح.. نريد تكاتفا أزيد.. وتلاحما متينا وقويا مما يخلق بصفة دائمة ومستمرة صفوفا متراصة من بني الوطن بما يجعلهم قادرين علي مواجهة التحديات وعلي التصدي لكل من تسول له نفسه الاقتراب من أرضهم ومالهم وعرضهم. نعم.. ليس هناك ما يمنع من وجود خلافات في الرأي أو تباينات في المواقف.. فتلك طبيعة الحياة.. لكن ما نرجوه ألا تؤدي الخلافات أو التباينات إلي قطيعة أو إلي مبارزات عنيفة سواء بالقول أو الفعل.. أو تصادمات من أي شكل أو نوع. خلافات - يفترض - أنها تقود إلي الأفضل وإلي الأحسن سواء في النظريات أو التطبيقات العملية. يعني.. ماذا يضير أيا منا.. أن تنشأ أحزاب قوية.. قادرة.. كوادرها فاهمون وواعون.. يختلفون تارة ويتفقون تارة أخري مع الحكم طالما أن الهدف تداول السلطة.. فهذا التداول لا يأتي إلا بتفاعل العقول مع بعضها البعض.. وتشابك الأفكار سلبا وإيجابا. علي الجانب المقابل.. وفي ضوء الصراحة والوضوح.. نريد فرص عمل أزيد.. فأزمة البطالة إذا كانت تتراجع.. فهي تتراجع علي استحياء إذ أن طوابير العاطلين مازالت تتكدس بالملايين أمام منافذ الأمل.. الأمر الذي يحتم إيجاد حلول سريعة وناجعة. *** أما بالنسبة لمعدلات التضخم.. فإذا كانت هي الأخري تتراجع.. فإنه تراجع محدود.. إذ أن الأسعار مازالت ملتهبة سواء بالنسبة للسلع الاستهلاكية أو غير الاستهلاكية مما يحتم علي الحكومة ضرورة وضع آليات جادة وصارمة لمراقبة الأسعار مع العمل علي توفير كافة السلع بأسعار متهاودة وضرب الاحتكار وهذا ما أكد عليه الرئيس السيسي بالأمس.. بل وقبل ذلك مرات ومرات. وطالما أننا متفقون علي ضرورة جني ثمار الإصلاح الاقتصادي.. فلابد من وضع معادلة جديدة توازن بين الأجور والأسعار..! وضمانا لكي لا تجور واحدة علي الأخري.. فإن الذين يحتاجون بحق إلي زيادة دخولهم هم أصحاب المعاشات الذين يعتبرون أحوج ما يكونون إلي العلاج والدواء اللذين ارتفعت تكاليفهما ارتفاعا باهظا.. والذين يحتاجون إلي الحصول علي المأكل والمشرب بما يفوق طاقاتهم المحدودة "والواهنة"..! *** في النهاية تبقي كلمة: إن مجتمعا.. بهذا القدر من التكافل.. والقدرة والقوة والصراحة.. والإصرار علي البناء والتعمير.. ومواجهة الحياة المعيشية بالعمل والمثابرة والإنتاج..! أقول مجتمعا بهذا القدر.. لابد وأن يكون السؤدد والتوفيق في انتظار أبنائه في منتصف الطريق وليس آخره.. ودعوني أختم المقال بتلك الأبيات من قصيدة مصر تتحدث عن نفسها للشاعر حافظ إبراهيم: أنا تاج العلاء في مفرق الدهر ودراته فرائد عقدي أنا إن قدر الإله مماتي لا تري الشرق يرفع الرأس بعدي ما رماني رام وراح سليما من قديم عناية الله جندي كم بغت دولة علي وجارت ثم زالت وتلك عقب التحدي *** .. و.. و.. وشكرا