عقب ثورة يناير 2011. غزت مجتمعنا العديد من المصطلحات التي أصبحت جزءاً من مفردات وقاموس حياتنا الصحفية والإعلامية.. لعل أشهرها مصطلح "الدولة العميقة" ويعني: الدولة التي تحكمها شبكة مصالح قوية تعوق أي عملية تغيير.. ثم "الدولة الفاشلة" ويعني: الدولة غير القادرة علي القيام ببعض أو كل أدوارها. حتي ولو كانت بها مظاهر للحياة الديمقراطية.. وضرب البعض نموذجا علي ذلك بالدولة اللبنانية. التي تشهد حريات سياسية وصحفية وإعلامية.. ولكنها ظلت عاجزة عن إدارة شئونها بالكفاءة المطلوبة. وأضيف إلي هذه التعبيرات مصطلح جديد أطلق عليه "الدولة المسكينة". وهي: الدولة غير القادرة علي الاستعانة بأفضل عناصرها.. إما لعدم قدرتها علي الوصول اليهم. أو لأنها تعرفهم ولكن لديها مشكلة في إدراك ماهية الطموح واستثماره. بما يصب في مصلحة الإطار العام للدولة. وربما تكون غير قادرة علي التمييز بين من لديه طموح تدعمه الخبرة والتاريخ والعطاء. وبين من يترك كرامته "علي باب الوزير" ليستجدي ما ليس حقه. تاريخياً عرفنا مفهوم "الدولة المسكينة" منذ زمن بعيد. فنجاح مجدي يعقوب وأحمد زويل وفاروق الباز وذهني فراج.. وغيرهم ممن تألقوا في الخارج بعد قصص من اليأس والإحباط في الداخل. يعد دليلا واضحاً علي ذلك. وحديثاً عندما يتعثر التشكيل الوزاري ويتأخر ويتم الإبقاء علي عدد من الوزراء الذين كان يجب تغييرهم لعدم القدرة علي توفير بدائل لهم في مجتمع يبلغ تعداد سكانه 100 مليون نسمة. وبه أكثر من 28 جامعة حكومية وعشرات المراكز البحثية. فان هذا مؤشر علي أنه مجتمع يفتقد آلية اكتشاف الكفاءات. والمجتمع لا يجب أن تكون لديه مشكلة مع قضية "الطموح".. ويعتبرها تزلفاً وتسلقاً ووقوف "علي باب الوزير".. الطموح ليس جريمة طالما كان مدعوماً بما يؤهله ويلتزم بالأطر والأدوات المشروعة.. ليس عيباً أن يستعين المجتمع بشخص طموح لإدارة ملف معين. فيسير طموحه الشخصي ورغبته في التميز في نفس مسار المصلحة العامة للدولة. بما ينعكس علي تطوير المرفق المسئول عنه.. الطموح الشخصي لا يتعارض مع الطموح العام للدولة. كلاهما يكمل الآخر ويعضده ويسانده. والواجب الوطني يحتم علي أولي الأمر التفرقة. بحكم الخبرة وما لديهم من معلومات موثقة. بين أصحاب الطموح المشروع والحماس. والإيمان بالدولة وخطوطها الاستراتيجية. وقيادتها السياسية. ورغبتهم في العطاء والإخلاص للبلد. وبين المنافقين الذين أكلوا علي كل الموائد وحملوا المباخر. ووقفوا "علي باب كل وزير". يجب التفرقة بين الوطنيين الذين لم يتلوثوا ويمتلكون تاريخاً ناصعاً حافلاً بالعطاء. وبين من أكل الدهر عليهم وشرب ونام وتمدد أيضاً. يجب التمييز بين من آمنوا بالوطن.. الوطن فقط.. وبين من لعبوا مع كل الأنظمة حتي نفد رصيدهم وانتهي عمرهم الافتراضي.. بدءاً بمبارك وأمانة سياسات نجله. مرورا بالإخوان وفترتهم السوداء. ثم قفزوا في مركب الناصرية. واليوم يعاودون الظهور ويتصدرون المشهد. رسالة إلي من يهمه الأمر: أكرر مرة أخري.. الطموح ليس جريمة.