ما حدث من تدمير إرهابي للكمين الأمني المواجه لأحد المساجد بالهرم والذي راح ضحيته ضباط شرطة وجنود أبرياء. ثم ما تلاه من تفجير إرهابي استهدف الكنيسة البطرسية الملاصقة للكاتدرائية المرقسية بالعباسية.والذي أسفر عن وقوع عشرات الضحايا والمصابين لا يعني إلا أننا إزاء إرهاب أعمي لا يفرق بين مسجد وكنيسة ولا كمين أمني ولا أفراد مدنيين.. فالهدف هو الدمار وهدم الدولة وزعزعة استقرارها وتصدير صورة قاتمة للخارج بهدف ممارسة الابتزاز والضغوط السياسية ولي ذراع السلطة. وهو هدف اجتمعت له قوي وأطراف عديدة في الداخل والخارج. بالتمويل والتخطيط والإمداد بالمعلومات وهو الأمر الذي لا يبرئ تقصير المقصرين ولا تقاعس المتقاعسين أيًا ما كانوا. استهداف الأبرياء وإيقاع الضحايا في صفوف الشرطة والقوات المسلحة والمدنيين بقدر ما يترك أوجاعًا وآلامًا في النفس بقدر ما يزيدنا إصرارًا علي المواجهة في حرب وجود ليس لنا فيها خيار إلا النصر بجبهة داخلية متماسكة لا يتواني أعداؤنا عن استهدافها وتفكيكها ليسهل التهام مصر والزج بها في أتون الفوضي وهو ما لن يحدث بإذن الله. تفجير الكنيسة البطرسية توجع له قلب مصر كلها. بل توجعت له كل نفس سوية تأبي فطرتها إزهاق الأرواح بلا ذنب. وهو ما يجب أن نقف عنده بالمراجعة والفحص حتي نخرج بدروس أقلها مضاعفة درجات الحذر والانتباه لما يراد لنا. والالتفاف حول الدولة في محنتها ومصابها.. فالإرهاب أعمي وأضل سبيلاً فلا دين له ولا عقل ولا هدف إلا الانتقام الأعمي.. وإذا كانت الأجهزة الأمنية قد توصلت بسرعة ملحوظة إلي الجاني الذي فجر نفسه بالكنيسة فسوف يظل السؤال: كيف دخل هذا الإرهابي بحزامه الناسف إلي داخل الكنيسة. في تطور نوعي ينبغي أن ننزعج منه لأنه سيظل هاجسًا يؤرقنا حتي نأمن منه ونضيق الخناق عليه ونقي بلدنا من شروره وآثامه.. لكن السؤال الأكبر الذي لا مفر منه فهو إلي متي تستغرق الدولة وأجهزتها في الجهود الأمنية في حربها ضد الإرهابيين. وليس تغيير البيئة الفكرية والثقافية الحاضنة للإرهاب وشتان الفارق بينهما.. شتان الفارق بين معمل التفريج الذي ينبت في تربته كل يوم إرهابيون جدد وبين عناصر إرهابية غُرر بها أو آمنت بأفكار مغلوطة. وإذا قضوا جاء غيرهم ما دامت التربة الحاضنة هي هي لم تتغير.. الأمر الذي فطن له الرئيس جيدًا وألمح إليه في خطابه الأخير بمناسبة المولد النبوي حين طالب بتجديد الخطاب الديني ثم فوجئ بالقائمين علي شئون الخطابة والمساجد يتمخض فكرهم عن ¢ توحيد خطبة الجمعة ¢ علي مستوي الجمهورية. وهو الإجراء الذي لم يرض عنه الرئيس. فإذا كان وزير الأوقاف لم يتفهم مغزي ما طلبه الرئيس فلماذا الإبقاء عليه في منصبه.. وإذا كان جوهر المعركة مع الإرهاب علي أرض فكرية فهل من المجدي التركيز علي الجوانب الأمنية وحدها.. هل يجدي ذلك مع ما يعتقده هؤلاء الإرهابيون.. وهل يكفي لتحصين شباب الوطن ونشئه ضد رياح الفكر الإرهابي الذي يتخذ من الدين واجهة وستارًا وغاية يستحل من خلالها الأرواح والمقدرات..؟! سنبقي ندور في حلقة مفرغة إذا اقتصرت حربنا ضد الإرهاب علي تحجيم عناصر الشر وتغليظ عقوباتهم والتعجيل بتلك العقوبات علي أهمية تلك الإجراءات وضرورتها القصوي.. لكن ستبقي العلة ويبقي الداء. إذا كانت هناك محاولات دءوبة لضرب استقرار مصر وهدم نسيجها الوطني بالإيقاع بين عنصري الأمة واستنبات بذور الطائفية البغيضة لإشعال حرب أهلية كما أراد الإرهابيون من التفجير الإرهابي الأخير الذي واكب احتفال مصر بالمولد النبوي الشريف وأرادوا من خلاله كما قال الرئيس بث رسائل الخوف واليأس عبر ¢ضربة إحباط¢ تعكس فشل هؤلاء المجرمين وعجزهم عن النيل من مصر. لكن أبلغ رد علي تلك المحاولات الخسيسة ما قاله كاهن الكنيسة البطرسية عقب الحادث بأن العناصر الإرهابية أرادت بهذا الفعل الجبان ضرب مصر ولكن نحن ويقصد المسيحيين سوف نستمر نحب المسلمين. وهو الأمر ذاته الذي أكده البابا تواضروس عقب تشيع جثامين الضحايا الأبرياء.. بأن مثل هذه الحوادث لن تزيدنا إلا إصرارًا علي التكاتف والتوحد خلف راية الدولة في حربها ضد الإرهاب البغيض. نعود إلي ما قاله الرئيس السيسي في ذكري الولد النبوي الشريف حيث أكد أن أول التحديات التي نعاني منها منذ فترة طويلة هي انفصال خطابنا الديني عن جوهر الإسلام ذاته. وعن احتياجات عصرنا الحالي , وأن علماءنا ومفكرينا تحدثوا من قبل عن احتياجنا الملح لتحديث خطابنا الديني لتصويب ما تراكم داخله من مفاهيم خاطئة سواء بفعل مرور الزمن أو بفعل فاعلين أرادوا إخفاء نوايا الشر داخلهم وراء غطاء مقدس يبررون به إرهابهم للأبرياء. ويعطون لأنفسهم حصانة من العقاب. ومن ثم فلا مكان للإرهاب وجماعاته وأفكاره وممارساته داخل مصر وأن مواجهتنا له عسكريًا وأمنيًا ستستمر. ولكن لابد من تصويب الخطاب الديني وتحديثه. وهذا ليس ترفًا ولا رفاهية بل ضرورة حيث إننا بتصويب هذا الخطاب لا ندافع عن الدين الإسلامي الحنيف فقط بل عن جميع الأديان وجوهر أفكارها. الأمر الذي يجعل من تصويب الخطاب الديني أحد أهم القضايا علي الإطلاق. لقد أشار الرئيس إلي حاجتنا لتشكيل لجنة من كبار علماء الدين والاجتماع والنفس للتباحث في نقاط القوة والضعف التي يعاني منها المجتمع المصري لتقوم بتنقية النصوص وصياغة خارطة طريق تتضمن المناسبات الدينية المختلفة علي مدار العام. وتضع خطة محكمة تهدف إلي ترسيخ الفهم الديني الصحيح علي مستوي الجمهورية. مطالبًا الأزهر الشريف بأن يستمر في دوره كقلعة مستنيرة تسهم في إحياء صحيح الدين لاسيما في ضوء سعي البعض لترويع الناس بالدين وهدم الدولة من أجل أفكار هدامة تنفق في سبيلها أموال طائلة. وقد راهن هؤلاء علي ضياع مصر الشهر الماضي. لكن وكما قال الرئيس السيسي "إن الله معنا. فنحن لم نتآمر علي أحد ولم نقتل أحدًا وسنظل نبني ونعمر ونصلح..". هكذا وضع الرئيس السيسي يده علي أس البلاء وموطن الداء الذي لم تفعل للأسف مؤسساتنا الدينية حتي هذه اللحظة ما يدعونا للاطمئنان علي مستقبل هذا الوطن في ظل غياب فهم مستنير لدي البعض لهذا الدين الحنيف الذي هو برئ تماماً من كل إرهاب ومن الإرهابيين القتلة جميعًا. فلم تكد تمر ساعات علي خطاب الرئيس حتي وقعت الفاجعة لتضيف أحزانًا إلي مواجعنا التي ابتلينا بها من هذا التيار المتأسلم الشيطاني الذي شوه الصورة السمحة للدين. وخاصم الحضارة والعقل. وضرب أسوأ المثل لبشر تجردوا من الرحمة فقتلوا باسم الله وعاثوا في الأرض فسادًا تحت غطاء الدين الذي جردوه من فضائل الرحمة وألبسوه رداء القسوة والوحشية.. والدين منهم براء. ما فعله الدواعش وإضرابهم في هذا الدين يحتاج لجهد مضني حتي تعود له طلاوته ووجهه الحقيقي» فنبي الرحمة لم يبعث بالسيف كما يدعي هؤلاء القتلة ولكن كان رحمة مهداة. فكيف ينحر هؤلاء الإرهابيون بشرًا مثلهم وهم يرددون شعار "الله أكبر".. كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبًا.. فما بعد كلام الله قول ولا حكم وهو القائل "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين". لسنا في حاجة للقول إن ما نواجهه اليوم من مخاطر وتحديات هو أكبر بكثير مما واجهناه من قبل. وإن أبلغ رد علي هذا الإرهاب المتآمر أن تبقي جبهتنا الداخلية موحدة علي قلب رجل واحد خلف راية الدولة. فالخطر يزداد والتحديات تتفاقم في الأمن والاقتصاد. والجبهة الداخلية مستهدفة بقوة شاء من شاء وأبي من أبي.. فليس قتل مسلمين أمام مسجد يوم جمعة. وليس قتل مسيحيين في كنيستهم يوم أحد مجرد مصادفة. ومن ثم فليس هناك مجال للتعامي عنه أو الارتعاش في مقاومته بالقانون والفكر ووحدة الصف وليس بالارتخاء والتراخي والغفلة أو التشكيك والتراشق.. فذلك يطيل أمد الفوضي ويفاقم الأزمات صعوبة وتعقيدًا.. لكن أين العدالة الناجزة.. كيف يتحقق القصاص العادل بمحاكمة سريعة تتوفر فيها شروط التقاضي المنصف الناجز الرادع.. ماذا سيفعل البرلمان لإنجاز مثل هذه التشريعات المتوافقة مع الدستور. القادرة علي تحقيق الردع والعدالة وماذا ستفعل الحكومة لتطهير أجهزتها مما بقي من فلول الإخوان المعوقة.. ومتي ستتوقف أبواقهم الداعية لمصالحة خادعة لا يملك أحد إنجازها علي أشلاء الضحايا والدماء البريئة أو علي أسنة سلاح الإرهاب وابتزاز الدولة مع جماعة تقتل شعبها واختارت العنف سبيلاً لتحقيق غاياتها وابتزاز الحكومة والانقلاب علي إرادة الملايين التي خرجت في 30 يونيو ضد حكمهم المشئوم. الإرهاب خطر استثنائي تنبغي مواجهته بإجراءات استثنائية أيضًا علي ذات المستوي فلماذا ترتعش يد الحكومة في التصدي لمحاولات إشاعة الفوضي وهدم الوطن.. فكيف ننتقل للبناء وفينا من يصر علي الهدم. هل يمكن للدولة أن تحيا في سلام وأمن وعلي ظهرها شيطان يغرز سيفه في خاصرتها..؟! لا تزال بلادنا تنزف اقتصاديًا وتنزف دماء الشهداء والضحايا» الأمر الذي يضاعف بلادنا حاجتها إلي تعبئة وطنية مستنيرة لعبور هذه المرحلة المضطربة إقليميًا ودوليًا. وهو ما يضاعف حجم مسئوليات وأعباء الحكومة والمواطنين أيضًا» فالحكومة مطالبة بالخروج للناس وطمأنتهم علي المستقبل حتي تعيد إليهم الثقة. وتستعيد مصداقيتها التي جرحتها القرارات المتضاربة والتصريحات المتعارضة لبعض مسئوليها. الناس في حاجة لمعرفة متي سيتوقف ارتفاع الأسعار بلا مبرر.. متي تتراجع البطالة ومعدلات التضخم والفقر. متي تعود مصر لمكانتها التي يبذل الرئيس جهودًا مضينة لوضعها في مكانها المستحق. وهو ما يقابله للأسف تراخي وتخبط وفشل كبير لأجهزة الحكومة. وكافة قوي المجتمع وتياراته السياسية» فالمغالون في الأسعار. المتاجرون بأقوات الشعب. المتربحون بأزماته لا يقلون خطرًا عن الإرهاب.. والمواجهة ينبغي أن تكون مصر شاملة.. وإذا كان الله قد حفظ مصر فليس معني ذلك أن نفرط في أسباب الحماية والاستقرار.. والأخذ علي أيدي الظالمين وإلا نكون شركاءهم في الجرم.. ولن يرحم التاريخ من يفرط في أمن مصر واستقرارها.