إقبال كبير على الدورة التدريبية لإطلاق مسار العائلة المقدسة أمام السياحة الدولية    لخريجي الجامعات.. التخصصات المطلوبة لكلية الشرطة 2025/2026 | مستند    مدبولي: لولا الإرادة السياسية ما تم العمل بمشروع إنشاء المحطة النووية بالضبعة    وزير قطاع الأعمال يرأس الجمعية العامة العادية وغير العادية ل "القابضة للصناعات المعدنية"    استمرار إعفاء 70% من غرامات التأخير بوحدات صندوق المساكن    فيديو.. صحفي من غزة: تناولت الطعام آخر مرة أمس.. ولم نعد نقوى على الوقوف أمام الكاميرات    وزيران سوريان يزوران مهجرين وجرحى إثر مواجهات السويداء    الشحات ينتظم في تدريبات الأهلي الجماعية    ضبط 1306 مخالفات في المترو والقطارات خلال 24 ساعة    تفاصيل الدورة ال 41 ل مهرجان الإسكندرية السينمائي.. تحمل اسم ليلى علوي    محمد ناصف مستشارًا للشؤون الفنية والثقافية بقصور الثقافة    البحيرة.. أنشطة متنوعة للأطفال في ختام المسرح المتنقل للثقافة بأبو المطامير    ما كيفية إتمام الصفوف في صلاة الجماعة؟    تيدي أوكو يثير الجدل برسالة غامضة وسط أنباء فشل انتقاله للزمالك    تقرير تونسي يكشف موعد انضمام علي معلول للصفاقسي    فخر أبو ظبي الجديد.. إبراهيم عادل حديث صحف الإمارات بعد انضمامه للجزيرة    الحكومة: لا تحديات تعيق افتتاح المتحف المصرى الكبير والإعلان عن الموعد قريبا    حزب الحرية: ثورة 23 يوليو خلدها التاريخ وأرست مبادئ العدالة والكرامة    الصحة: النسخة ال 3 لحملة حملة "100 يوم صحة" تستهدف مواجهة التوحد والإدمان    وفاة شخصين متأثرين بإصابتهما في حادث تصادم سيارتين بقنا    تعليم قنا تنظم ندوة تعريفية عن نظام «البكالوريا الجديدة»    أسرة مريم الخامس أدبي تستقبل نتيجتها بالزغاريد في دمياط    ضبط 3695 قضية سرقة كهرباء خلال 24 ساعة    ضبط 9 طن دقيق مدعم خلال 24 ساعة في حملة بالقاهرة    الاستعانة بمركز بحثي متخصص لإعداد دراسة فنية لتطوير كورنيش طنطا في الغربية    الكنيسة الأرثوذكسية: ثورة 23 يوليو مَكَّنَتْ المصريين من أن يحكموا أنفسهَم بأنفسهِم    تباين أداء مؤشرات البورصة في منتصف تعاملات اليوم    الكرملين: محادثات صعبة مع كييف في إسطنبول اليوم.. ومذكرات التفاهم "متناقضة"    6 أساتذة يفوزون بجوائز الدولة للرواد والتشجيعية والمرأة من جامعة القاهرة    تكتفي بالمراقبة أكثر من الكلام.. 5 أبراج يفضلون الصمت    فيريرا يركز على الجوانب الفنية في مران الزمالك الصباحي    محفظ قرآن بقنا يهدي طالبة ثانوية عامة رحلة عمرة    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر والأصل أن تعود للخاطب عند فسخ الخطبة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : كم نتمنى ان نكون مثلكم ?!    ارتفاع حصيلة الشهداء الصحفيين بغزة إلى 231    علامة "غريبة" ظهرت على شابة كشفت إصابتها بسرطان العظام- لن تتوقعها    بعد إعلان نتيجة الثانوية العامة 2025.. 8 نصائح لطلاب الدور الثاني للتغلب على التوتر وزيادة التركيز    على طريقة عربي.. مصطفى غريب يوجه رسالة طريفة لطلاب الثانوية العامة    جامعة الإسكندرية الأهلية تفتح أبوابها لطلاب الثانوية العامة 2025    محافظ الفيوم يهنئ وزير الدفاع ورئيس الأركان بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو    بالفيديو.. الأرصاد: موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد حتى منتصف الأسبوع المقبل    طريقة عمل المكرونة بالبشاميل، بطريقة المحلات وطعم مميز    رئيس هيئة الرقابة الصحية من مطروح: تحقيق جودة الخدمات يعتمد بالأساس على تأهيل الكوادر البشرية (تفاصيل)    البنك الزراعي المصري يبحث تعزيز التعاون مع اتحاد نقابات جنوب إفريقيا    مرتضى منصور لحسن شحاتة: للأسف أنا مسافر ومنعزل عن العالم    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الأربعاء    السيسي: مصر أبت أن يعيش مواطنوها في العشوائيات والأماكن الخطرة    البث العبرية: واشنطن تهدد حماس بسحب الضمانات بشأن اتفاق غزة    وزير الخارجية يتوجه إلى النيجر في المحطة الثالثة من جولته بغرب إفريقيا    ترامب: الفلبين ستدفع رسوما جمركية بنسبة 19% بموجب اتفاق مع الرئيس ماركوس    دار الإفتاء المصرية توضح حكم تشريح جثة الميت    وفاة 4 أشخاص بطلقات نارية إثر مشاجرة مسلحة بين عائلتين بقنا    أسعار الفراخ في البورصة اليوم الأربعاء 23 يوليو    خريطة حفلات مهرجان العلمين الجديدة بعد الافتتاح بصوت أنغام (مواعيد وأسعار التذاكر)    أسعار البيض اليوم الأربعاء 23 يوليو 2025    الوداد يتحرك لضم يحيى عطية الله من سوتشي الروسي    بعد 7 سنوات من الصمت.. أوباما في مواجهة عاصفة ترامب    درس حصوله على الجنسية المصرية.. شوبير يكشف مفاجأة بشأن وسام أبو علي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ميلاد المسيح.. وجروح الأقباط


بقلم : د. عايدة نصيف
من الأمور المفرحة والعجيبة ميلاد المسيح الذي يعد بمثابة نقطة مضيئة في تاريخ الخلاص وتاريخ البشرية، ميلاده من الروح القدس ومن عذراء لم تعرف رجلاً في تصوير إبداعي من السماء في شخص السيدة العذراء التي ولدت ابنًا للحياة وهو الحياة ذاتها أتي من السماء وعاد اليها لا ينتابه الفساد أو التغيير هو الحياة الجديدة للإنسان.
ومن الأمور المحزنة ان نري في مثل هذه الأيام المليئة باحتفالات عيد الميلاد، ميلاد بؤر جديدة للإرهاب والتعصب وجماعات تنطق باسم الله للتخريب في نفوس، وقتل أبرياء يحبون الله من كل القلب .تمثل هذا المشهد من الحزن في أحداث هجمات الاعتداء والتفجير علي كنيسة القديسين بالاسكندرية في يوم احتفالات الكنيسة برأس السنة الميلادية. لتبث روح الطائفية تحت دوافع غير صحيحة هادفة إلي تكوين مسلكا سلبيا في علاقات المسيحي بالمسلم، ليصير كل منهما عدوانيا تجاه الآخر يهاجم ويصادم لينتهي بهما المطاف إلي صراع نفسي وصراع علي مستوي الوطن؛ ومن ثم بث روح الانعزالية والاغتراب لدي الأقلية تجاه الأغلبية وترسيخ الطائفية والتعصب، وهنا جاء ميلاد المسيح ليهدم هذه المفاهيم السلبية ويلغيها، سواء كانت حقيقة أم وهمًا إذ يقول" أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم، صلوا من أجل الذين يسيئون إليكم ويطردوكم" متي «45 - 44:5».
فميلاد المسيح الذي نبدأ به عامنا بل نبدأ به الحياة، هذا الميلاد الذي بدأ بسيطًا في بيت لحم.. بهذا الميلاد اصبح المسيح يقربنا من الله ولم يعد بعيدًا عنا، فقد أعطي الله للإنسان الحب وهبة الاتضاع والسلام في المسيح متجسدًا ملموسًا، بدأ في بيت لحم كحب خالص ملفوفًا باتضاع مدهش، ليعطي للبشرية انشودة حب لا نهائية وليس انشودة قتل ودمار في كنيسة القديسين بالاسكندرية، اعطي لنا حبًا كبيرًا متضعًا نحن موضوع ذلك الحب، وطبيعة الإنسان بما هو إنسان وسيلة هذا الاتضاع وهذا الحب اللانهائي وليس عبوات ناسفة يمسك بها الإنسان لأخيه في الإنسانية؛ ليدمر بها حياته، ومستقبل وطنه، واستقرار التعايش المشترك بين المختلفين عقائديا.
في يوم يبدأ فيه المصري يومه وعامه الجديد و كله أمل ليكون أفضل مناجيا ربه في ذلك. في هذا اليوم الذي أدمي قلوبنا جميعًا وقلوب كنيستنا المصرية . تعيد الكنيسة عيدها البكر الذي ولد فيه المسيح وصار الوعد بكنيسة الابرار ميلاد ابن الله بالجسد اعطي للإنسان حق الميلاد من خلال الروح، من خلال الكنيسة التي تستمد اسمها وحقيقتها من ميلاد المسيح، إذ يعلن الإنسان من خلالها تسبيح معبرًا عن الخبر السار كرد فعل لبشارة الميلاد، وليس معلنا عن الخبر المحزن والمُوجع لقلوب الاقباط بل وقلوب من يحبون الله ومصر، الخبر الذي حمل في طياته اشلاء اجساد وضحايا ليس لهم اي ذنب في اي توجهات سواء سياسية أو اقتصادية أو تعصبية أو عنصرية علي يد جماعة إرهابية سواء داخلية أو خارجية تريد ان تعيث في الارض فسادًا وتريد نشر وباء في الكنيسة اسمه الاضطهاد في صورة الدفاع عن الدين.
هؤلاء هم من اكثر المتعصبين ومن ابعد الناس عن الحق وهم من يفهمون الدين بصورة خاطئة وليس صورة قيم الحب والسلام التي بُثت في جميع الاديان السماوية هذه القيم التي تجسدت في الاسلام والمسيحية.. تجسدت في الميلاد الذي ليس مجرد كلمات ينطقها الفم بالتسبيح وانما بقلوب طاهرة نقية تحب الله وتحب الإنسانية، فميلاد المسيح هو ميلاد الإنسان وخلقته الجديدة الروحية التي تستطيع ان تعبر كل آلام هذا الزمان من جراء أحداث الكشح ودير ابو فانا وشهداء نجع حمادي وغيرها واخيرًا كنيسة القديسين، تعبر أنَّات وآهات القلوب يوم احتفالها برب المجد والسنة الميلادية الجديدة.
هؤلاء الذين فقدوا ذويهم في يوم العيد اقول لهم لنجعل ميلاد المسيح يعبر بنا هذه الآلامات والضيقات، ميلادًا للإنسان يجعله محبا للاخر مهما كان؛ كرد فعل لمحبته لله متواصلا مع المختلفين كما كان المسيح متواصلا ومحبا للقريب والبعيد، للعدو والغريب، فذلك هو الميلاد الحقيقي للإنسان الذي ياخذ من ميلاد المسيح المحب للسلام وللبشرية بأكملها، ميلاد يمنح القداسة والبر وتحمل فقدان الحبيب والعزيز فقدان الآباء والأبناء والأخوة والأقارب، لعبور مخاض آلام الشعب القبطي بما حدث له في كنيسة القديسين.
فالكنيسة لا تقر بالشغب بل تدعو إلي السلام وترفض الاعتداء بأية وسيلة مهما كانت؛ لان ذلك هو منهجها من المسيح، والكنيسة لا تعترف بالجهاد المادي ولكنها لا تستطيع ان تتجاهل هذه الأحداث المخربة لشعبها، فعلي الدولة الوقوف امام هذه الهجمات العدائية التي تُفتت جزءًا لا يتجزأ من شعب مصر وأن تسد كل الثغرات الماضية التي عاني منها الاقباط كي لا تكون بابًا مواربًا لهجمات إرهابية كما حدث في كنيسة القديسين بالاسكندرية وكي لا يحدث هجمات جديدة، وما تفعله الكنيسة الان هو الدعوة إلي السلام والصلاة من اجل هذه الأحداث لتكون بيتًا هادئًا لراحة كل النفوس المتألمة فالإنسان بحد ذاته ضعيف مهما بلغ من السلطان والقوة؛ ولكن القوة الحقيقية هي قوة الله في داخل الإنسان وحينما يؤمن بذلك يعي ذاته ويدرك ان كل اعتماد علي قوة إنسانية هي زائفة فالقوة الحقيقية هي القوة المستمدة من المصدر الالهي لا قوة السلاح ولا قوة العبوات الناسفة ولا قوة الشر المتمثلة في تخريب الكنائس ووحدة الوطن، فالكنائس جزء لا يتجزأ من التاريخ المصري والوطن العزيز.
وعيد الميلاد الذي يحتفل به ليس الاقباط فقط وانما مصر بمسلميها ومسيحييها، يتمثل فيه الوصايا الالهية التي لايجب ان تكون مجرد نصائح وأوامر حدودها مجرد السماع دون تنفيذ بل يجب ان تحرك القلوب بقوة الروح قوة المحبة والسلام والاتضاع ليحيا الإنسان حياة بها فاعلية داخلية للاقتراب من الله.
فالمسيح بالميلاد جعل الإنسان علاقته بالله تزيد من خلال عاملين هما السلام والمحبة لا كأنهما مفاهيم وفضائل وانما ممارسة من قِبل المسيح. فيها بذل وانكار للذات يأخذها الإنسان مثالا صالحا في القيم الإنسانية التي لا يختلف عليها اي دين سماويا، فأي محاولة لبث روح الاحساس الطائفي أو التعصب تعمل ضد قيم الاديان السماوية تعمل علي تهديد النفس بالنسبة للفرد أو الجماعة مثلما حدث يوم الميلاد في كنيسة القديسين بحدث تقطر له العيون بل والقلوب دمًا وتجعله سلاحًا لإثارة الطائفية وزعزعة أمن الوطن وبث مشروعية الاضطهاد، فالحدث ليس بهين وما يهون علينا ان المسيحية وميلاد المسيح اعطت تعاليم ليست مصطنعة بل شعورا يزداد في قلب الإنسان بوجود الله، وايمانًا يجعله يتحمل المصائب والتجارب.
والتاريخ يشهد علي ذلك فعلي مر العصور كانت الكنيسة ناجحة في دورها فهي في احلك ايام التعصب والاضطهاد والاستبداد السياسي والعقائدي-ايام حكم بيزنطة- علي سبيل المثال حافظت علي تماسك شعبها ضد أية اتجاهات تريد النيل منها.
واذا رجعنا إلي تاريخ مصر نجد اروع الامثلة الجمالية الواقعية من واقع الحس الوطني الصميم الذي يتعانق وينصهر فيه المسلم والمسيحي دون تمييز، حينما افتعلت سلطات الاستعمار تحفظاتها ومن ضمنها حماية الاقليات وكان اول من رفض ذلك هم الاقباط حينما اعلن القمص سرجيوس من علي منبر الأزهر بقوله "إذا كان الاستعمار يتعلل بحماية الاقباط فأقول ليمت الاقباط ولتحيا مصر" وصرح بها الشيخ القاباني من علي منبر الكنيسة البطرسية "أقسم بالله إذا كان الاستقلال سيؤدي إلي فصم الاتحاد فلعنة الله علي هذا الاستقلال وليمُت الاستقلال وتعيش وحدة مصر" هذه قراءة تاريخية تُذكرنا بوحدة الشعب المصري وتذكرنا ايضا بتعميق روح الوحدة الوطنية في قلب وروح مصر التي باتت الان تتألم من العنف والأحداث الطائفية واهمال بعض حقوق الاقلية، وبين التمييز دائما في كل موقع بين ما هو مسلم وما هو مسيحي، بين غياب الوعي الثقافي والحضاري وبين ظلم شهداء نجع حمادي حتي الان، وباتت تبكي علي انحسار شعبها في نطاق ضيق وفي طرح اشكاليات مضمومة ذات طابع رجعي لا ترجع بنا إلي الماضي ولا تأتي بنا إلي الحاضر بل تتشبث باليات طارئة علي حضن مصر من ثقافات واتجاهات غريبة باسم الدين تريد تمزيق قوام شعب مصر الاصيل الذي عبر كل التجارب والمحن علي مر العصور واحتوت كل أحداث وتجارب الماضي وخاصة تجارب هذا القرن وخرجت صامدة محافظة علي الوحدة المصرية بفضل روح المصري الاصيل الذي يطلب الوحدة الكائنة في روحه قاتلا كل محاولات زرع الفتنة والطائفية.
فأقول لشعب مصر لا تنسوا تاريخ مصر المجيد الذي اذا استحضرناه في قلوبنا قبل اذهاننا يجعلنا نبني بيوتا علي الصخر من تعميق مفاهيم وقيم كالمحبة والسلام وتجاوز الازمات وذلك ما يدعو اليه المثقفون الان وتدعو اليه كل المؤسسات المستنيرة من وقفات حداد علي جراء ما حدث من هذه الجريمة الإرهابية الغادرة مع اولي لحظات العام الجديد، وذلك لا يمنع ان يكون الإنسان متمسكا بايمانه وعقيدته بل ان هذا ضرورة لا من حيث المفهوم الديني فحسب بل ضمانا لاتساق النفس البشرية وصحتها وسلامتها، ومن هنا انادي بتضميد جروح قلوب المجروحين من اثار هذا الاثم العظيم محتملين الآلام متخذين من ميلاد المسيح مزيدًا من الاحتمال والمحبة والسلام.
أستاذ الفلسفة المسيحية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.