بقلم: القس محسن منير رزق الله في ملء الزمان في الوقت المعين وفق خطة إلهية أزلية معروفة سابقا قبل تأسيس العالم جاء المسيح إلي عالمنا، جاء الكلمة المتجسد لفداء العالم وبظهوره علي مسرح أحداث التاريخ حدثت وتبدلت أمور كثيرة. أعلنت السيدة العذراء مريم البعض منها في تسبيحتها الرائعة التي سجلها البشير لوقا مسوقا بالروح القدس وجاءت في الإصحاح الأول والآيات 46 - 56 ومن خلال هذه التسبيحة سنتأمل في ما يقدمه ميلاد السيد المسيح من دروس. نري في الآيتين 46 و47 الانفعالات الشخصية الخاصة بالسيدة العذراء ثم تأملها في أعمال القدير معها في الآيتين 48 و49 وبروح النبوة تذكر الأجيال المقبلة في تمتعها بهذه البشارة في الآيات 50 - 53 فتنتهي بتأكيد إتمام الله لمواعيده في الآيات 54 و55، أدعوك معي عزيزي القارئ في رحلة سريعة أمام بعض الأفكار والمعاني التي تحملها هذه التسبيحة الرائعة والتي كانت بمثابة الإعلان المبكر عن الدخول التاريخي للمسيح إلي العالم. 1- إدراكنا لمقاصد الله في حياتنا هو الذي يطلق تسبيحات الفرح فيها. لذا، مولد يسوع يقول لك لا تبحث عن الفرح في المكان الخطأ، فالظروف المواتية، المال، المكانة الاجتماعية، السلطة لا تقوي جميعها أن تمنحك فرحا حقيقيا يستطيع أن يصمد أمام تقلبات الحياة في أقسي الظروف فما نعيش آلامه حاليا لا يقوي علي غلبته إلا أفراح الميلاد بالاتكال علي المولود. 2- مركز الحياة هو تعظيم الرب والفرح به وليس الذات. المشاعر المسجلة في الآيات 46 - 48 عبرت فيها السيدة العذراء عن مركزية المسيح مخلصها في حياتها وهي بذلك مسوقة بالروح القدس توجه الانتباه إلي المسيح وليس إلي ذاتها أما التطويب اللائق بها فمنبعه عظمة الصنيع الإلهي في حياتها والذي بالكامل هو نعمة إلهية لا نملك أمامها كبشر أدني استحقاق. 3- قدرة الله تعمل في ضعف الإنسان المطيع، في الآيتين 49 و50 تذكر السيدة العذراء ثلاث صفات للرب «قدير» في اشارة إلي الحبل بالروح القدس والميلاد العذراوي المزمع أن يحدث «قدوس» في تأكيد لرفضه للخطية وتدبير الفداء، «رحيم» في تحقيقه لعمل النعمة التي تقدم للبشر الفداء في المسيح والخلاص من الدينونة رغم استحقاقها للدينونة والموت بسبب خطيتها. وبروح النبوة تعلن السيدة العذراء ما سبق لكل العالم وأن استمراره في تاريخ البشرية قائم لكل من يلتقي ويرتبط بالمسيح «آية 50». نحتاج جدا هذه الأيام لتلك القدرة الفريدة لترفعنا فوق أحزاننا فقط نقدم لمسيحنا طاعة حقيقية لفكره وكلمته. 4- الله في المسيح يهز معايير البشر.. في الآيات 51 - 53 تعلن السيدة العذراء أن أصحاب الكبرياء الفكري ومشاعر التعالي لن يصمدوا أمام المسيح ومن هم في المسيح فكلمة «شتت» تعني في الأصل العبري ذري، بعثر فهكذا سيكون حال المستكبرين بفكر قلوبهم والمتعالين في كراسي سلطانهم وتؤكد أيضا أن الغني والقوة ليس هما السبيل للعظمة لكن العظمة الحقيقية تتحقق لمن يعيش مشيئة الله في حياته «آية 52» وأبرزت أيضا تهاوي معايير البشر في مواجهة الظلم ففي ذلك الوقت كان الشعب يعاني من الظلم ويفتقر إلي حقوقه المدنية ومضي الشعب في تيارين أحدهما ارتضي الذل والقهر وتعايش معه والتيار الآخر كون جماعات عنف سرية مثل جماعة «الغيورين» وعلي أرض الواقع فشل التياران وتقدم لنا أنشودة السيدة العذراء إنه في مولود بيت لحم جاء إعلان الصورة الصحيحة للمواجهة لتتمثله كل جماعات المؤمنين به في الظروف المشابهة أسلوب المحبة الشجاعة، الهدوء المنجز. تأمل عزيزي القارئ ما كتبه النبي أشعياء مسوقا بالروح القدس عن المسيح في اش 42: 1 - 4 . 5- الله في المسيح أتم الوعود وأكملها: الآيات 54 - 55 الفداء في المسيح سلسلة ذهبية ترتبط حلقاتها إحداها بالأخري تبدأ من الأزل وتنتهي وتكتمل بالمسيح «فالله بعد ما كلم الآباء بالأنبياء قديما بأنواع وطرق كثيرة كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثا لكل شيء.. «عبرانيين 1 : 22 وهكذا ندرك أن كل انتظاراتنا تكتمل وتتحقق في شخص وعمل السيد المسيح وليس في تعقب وتتبع أحداث تاريخية بعينها. وأخيرا في احتفالاتنا بذكريات ميلاد المسيح المبهجة لنعود ليكون المسيح هو مركز ومحور الحياة ويبقي هكذا دائما في حياتنا كما قصد الله وكما سبحت وأعلنت السيدة العذراء.