سأبدأ بالإشارة الي أن تركيا لم تشهد الإنقلابات العسكرية إلا بعد أن أصبحت عضوا في حلف شمال الأطلنطي عام.1952 - منذ ذلك التاريخ بدأت الولاياتالمتحدةالأمريكية تراقب بدقة شيئين في تركيا. ولا تسمح لأي منهما بالبروز أوالوصول الي مقاعد السلطة في هذا البلد. لما قد يكون لذلك من إنعكاسات سلبية علي قواعد حلف شمال الأطلنطي الموجودة علي الأراضي التركية. * الأول: تسلل الشيوعية. * الثاني: صعود التيار الإسلامي. - فالمعروف أن تركيا لها حدود مشتركة مع جمهوريات الإتحاد السوفييتي السابق . بالتالي كانت هناك دائما فرصة كبيرة لتسلل الأفكار الشيوعية الي المجتمع التركي. - كما أن تركيا هي الدولة الإسلامية الوحيدة العضو في حلف شمال الأطلنطي . ووصول التيار الإسلامي الي الحكم في هذا البلد . يمكن أن يؤدي الي إنتهاج سياسة تتعارض تماما مع سياسة وأهداف الحلف. * * * وسيلة الولاياتالمتحدة في التصدي لهذين الخطرين من وجهة النظر الأمريكية . كانت دائما هي الإنقلابات العسكرية. لما للجيش التركي من صلاحية دستورية في التحرك من أجل الحفاظ علي مبادئ "العلمانية" و"نمط الحياة الغربية". التي وضعها مصطفي كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية عام 1923. * وقع الإنقلاب الأول في 27 مايو 1960. عندما شعرت واشنطن أن رئيس الوزراء التركي عدنان مندريس يخطط لزيارة موسكو لطلب مساعدات إقتصادية . بعد أن نفدت المساعدات الإقتصادية التي حصلت عليها تركيا من الولاياتالمتحدة ضمن مشروع مارشال لإعادة إعمار أوربا بعد الحرب العالمية الثانية . مما أدي الي وقوع إضطرابات إجتماعية وسياسية وإقتصادية في تركيا قاد الإنقلاب مجموعة من ضباط القوات المسلحة . بينهم العقيد "ألبارسلان تركيش" الذي أعلن عن الإنقلاب في الإذاعة بخطاب قصير. أكد فيه صراحة علي الإخلاص والولاء لحلف شمال الأطلنطي وحلف بغداد هذا الضابط كان من بين أول مجموعة تضم 16 ضابطا تركيا تم تدريبهم في الولاياتالمتحدة عام 1948 لتشكيل تنظيم عسكري معاد للشيوعية! - قام قادة الإنقلاب بإعتقال رئيس الجمهورية محمود جلال بايار. ورئيس الوزراء عدنان مندريس. وعدد من الوزراء. وأكثر من 500 قاض و1400 من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات. وتمت محاكمتهم أمام محكمة خاصة. فوجهت الي السياسيين منهم تهمة الخيانة العظمي وإساءة إستخدام الأموال العامة . وتم تنفيذ حكم الإعدام يوم 16 سبتمبر 1961 في كل من رئيس الوزراء عدنان مندريس. ووزير الخارجية فاتن روستو زورلو. ووزير المالية حسن بولاتكان. أما وزير الداخلية نامق جيديك فقد إنتحر أثناء إحتجازه في الأكاديمية العسكرية التركية. *** * في 12 مارس 1971 وقع الإنقلاب العسكري التركي الثاني. وعُرف باسم "انقلاب المذكرة"؟ ذلك لأن الجيش أرسل "مذكرة عسكرية" الي رئيس الوزراء التركي سليمان ديميريل بدلاً من الدبابات.. - كانت تركيا قد شهدت إغتيالات سياسية وإضطرابات بسبب الركود الاقتصادي. پكما ظهرت حركات يسارية في مواجهة جماعات يمينية مسلحة . وبحلول يناير 1971. عمت الفوضي أرجاء تركيا. فتوقفت الجامعات عن الدراسة . وقام الطلاب بخطف الجنود الأمريكيين . كما أصبحت الحركة الإسلامية أكثر عدوانية. حيث قام حزب النظام الوطني المعبر عنها برفض مبادئ أتاتورك بصورة علنية.پوتعرضت حكومة ديميريل لإنشقاقات جعلتها عاجزة عن مواجهة هذه الفوضي. - أثارت هذه الأوضاع غضب الجيش التركي . فقام رئيس هيئة الأركان العامة ممدوح تاجماك في 12 مارس بتسليم رئيس الوزراء سليمان ديميريل "مذكرة" بمثابة إنذار أخير . طالبه فيها "بتشكيل حكومة قوية ذات مصداقية في إطار المبادئ الديمقراطية. تضع حدًا للفوضي وتطبق من خلال وجهات نظر أتاتورك القوانين الإصلاحية المنصوص عليها في الدستور. لإنهاء الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية". وإذا لم تتم تلبية هذه المطالب فإن الجيش سوف يمارس "واجبه الدستوري" ويتولي السلطة - قدم ديميريل استقالته بعد اجتماع استمر ثلاث ساعات مع حكومته. *** كان إنقلاب12 سبتمبرپ1980 هو الأكثر دموية في تاريخ الإنقلابات التركية وشكل ملامح الدولة علي مدي ال20 عاما التالية . قام به الجنرال كنعان ايفرينپمع مجموعة من الضباط بدعم من الولاياتالمتحدةالأمريكية . التي كانت قد فقدت حليفها الرئيسي في المنطقة بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 . فلما لاحظت واشنطن صعود التيار الإسلامي في تركيا . خشيت أن تلحق بإيران لما سيكون لذلك من آثار شديدة الخطورة علي مستقبل حلف شمال الأطلنطي. لماذا؟ 1- لأن تركيا هي خط الدفاع الأول عن دول الحلف في مواجهة الإتحاد السوفييتي الذي تشترك معه في حدودها الشرقية. 2- ولأن تركيا صاحبة ثاني أكبر جيش في الحلف بعد الجيش الأمريكي. 3- ولأن تركيا هي إحدي الدول الخمس الأعضاء في الحلف "معها ألمانيا . وإيطاليا. وبلجيكا. وهولندا" الموجود بها 90 قنبلة نووية جاهزة للإستخدام في حال نشوب حرب بين حلف الأطلنطي وحلف وارسو.. - بالتالي . فالولاياتالمتحدةالأمريكية لم يكن لديها رفاهية غض الطرف عن صعود التيار الإسلامي في تركيا. وظهور خوميني تركي في أنقرة!!.. - لذلك تحركت بسرعة ودفعت بالجنرال كنعان إيفرين للقيام بإنقلاب عسكري نجح الإنقلاب في القضاء علي الفوضي وإنهاء الصراع الدموي بين اليمينيين واليساريين الأتراك الذين خاضوا حربا بالوكالة عن الولاياتالمتحدة والإتحاد السوفييتي جاء الجنرال كنعان إيفرين الي السلطة مسلحا بالشرعية الدستورية التي تعطي الجيش التركي حق التدخل في الحياة السياسية للحفاظ علي العلمانية ومبادئ أتاتورك كان إيفرين يؤمن بشدة بالفكر الكمالي. ويعتقد أن سبب إندحار الإمبراطورية العثمانية هو إرتباطها بالدول العربية والإسلامية قدمت الولاياتالمتحدة الي إيفرين مساعدات إقتصادية. كما حصل علي معونات مالية من منظمة التعاون والتنمية . ومساعدات عسكرية من حلف شمال الأطلنطي خلال السنوات الثلاث الأولي من الحكم العسكري لتركيا بعد إنقلاب إيفرين تم إعدام 50 شخصا. وإعتقال 650 ألفا مات منهم 299 تحت التعذيب. وفر 30 ألفا الي الخارج بذلك ضمنت واشنطن عدم ظهور خوميني تركي في أنقرة!!.. *** * في عام 1993 حدث في تركيا ما أصطلح علي تسميته ب "الإنقلاب المزعوم". ذلك لأنه تم تنفيذه بواسطة عناصر سرية ووسائل سرية . بهدف منع التوصل الي تسوية سلمية مع الأكراد. في هذا الإنقلاب ظهر لأول مرة مصطلح "الدولة العميقة" التي قررت التخلص من الرئيس تورجوت أوزال بسبب موافقته علي الدخول في مفاوضات مع حزب العمال الكردستاني - كان يعتقد علي نطاق واسع في تركيا أن أوزال نصفه كردي مات أوزال في ظروف غامضة يوم 17 أبريل 1993. وأغتيل قبله بأسابيع قليلة كل من وزير المالية عدنان قهوجي . والقائد العام لقوات الدرك التركي أشرف بتليس . اللذين كان يؤيدان أوزال في التوصل الي تسوية سلمية مع الأكراد. * علي غرار إنقلاب مارس 1971 حدث إنقلاب فبراير 1997 في تركيا.. حيث قدم الجيش مذكرة الي رئيس الوزراء نجم الدين أربكان تتضمن 55 بندا. منها علي سبيل المثال: حظر صارم للحجاب في الجامعات إغلاق مدارس تحفيظ القرآن إغلاق مدارس الطرق الصوفية. كان رئيس الجمهورية في ذلك الوقت سليمان ديميريل قد قام بزيارة يوم 17 يناير 1997 الي هيئة الأركان العامة للجيش التركي للتوسط بين الجيش وأربكان لكنه فشل يوم 28 فبراير 1997 بدأت العملية بقيادة الأميرال سالم درفيسوجلو . وانتهت بإستقالة إربكان وحل حزب "الرفاه" الإسلامي الذي أسسه. وحرمان أربكان من مزاولة النشاط السياسي. وإعتقال الآلاف من أتباعه كان من بين المعتقلين رجب طيب أردوغان. * في المساحة المتبقية من المقال . سأذكر هنا العبارة التي قالها الجنرال شفيق بير. أحد الذين خططوا لإنقلاب 1997 . أثناء التحقيق الذي أجري معه بعد أن جاء أردوغان الي السلطة. قال: "في تركيا لدينا زواج بين الإسلام والديمقراطية. والطفل من هذا الزواج هو "العلمانية". لكن هذا الطفل يمرض من وقت الي آخر. وتكون القوات المسلحة التركية هي الطبيب الذي يعالج هذا الطفل. وتبعا للحالة المرضية التي عليها الطفل. نقرر الدواء الضروري للتأكد من شفائه".