الأزمة الأخيرة بين «العسكر والحكومة» فى تركيا ليست الأولى من نوعها فى تاريخ الأتراك المعاصر. فمنذ أن قاد مصطفى كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة العسكر للإطاحة بدولة الخلافة عام 1923 وإعلان سقوطها رسميا 1924 اعتبر العسكريون أنفسهم «حراس معبد» الحكم فى البلاد وظلت الانقلابات هى اللغة التى يجيد العسكريون الحديث بها. وظلت المؤسسة العسكرية منذ انقلاب أتاتورك لاعبا رئيسيا فى السياسة التركية سواء بشكل مباشر عبر حكام من الجنرالات أو بشكل غير مباشر من خلال النفوذ الذى لم تكن أى حكومة تجاهله. وفى عام 1960 دبر قادة ضباط وطلاب عسكريون من الجيش انقلابا عسكريا سلميا على الحزب الديمقراطى الحاكم، للمطالبة بإصلاحات سياسية. وأعدم رئيس الوزراء عدنان مندريس زعيم الحزب الديمقراطى بسبب توجهاته الإسلامية. وبعد الانقلاب تمت الدعوة إلى انتخابات جديدة اختار فيها الشعب حزب العدالة باعتباره امتدادا للحزب الديمقراطى من خلال صناديق الاقتراع بعد ذلك. ولم تكن الانتخابات كافية لإعادة الاستقرار السياسى إلى البلاد فشهدت تركيا فوضى شديدة بسبب قتال الشوارع بين اليساريين والقوميين فى عام 1970. فاضطرت حكومة حزب العدالة برئاسة سليمان ديميريل للاستقالة على اثر المذكرة التى أصدرها الجيش. وقام الجيش بتشكيل حكومة انتقالية فى تدخل واضح فى الحياة السياسية. ويطلق على انقلاب 1971 «انقلاب بمذكرة. وبعد عشر سنوات دبرت القيادة العليا للجيش بقيادة الجنرال كنعان إيفرين انقلابا سلميا وسيطروا على الحكم عام 1980. وجاء الانقلاب بعد تجدد قتال الشوارع بين اليساريين والقوميين، ليتم اعتقال زعماء سياسيين وحل البرلمان والأحزاب السياسية والنقابات العمالية وفرض دستور مؤقت منح قادة الجيش سلطات غير محدودة. ولكن الشعب قال كلمته فى الانتخابات حيث اختار حزب الوطن الأم مخالفا توصيات الجنرال كنعان افرين زعيم الانقلاب. واصبح تورجت اوزال رئيسا للحكومة. وبعد نجاح الإسلاميين فى حزب الرفاه برئاسة نجم الدين أربكان فى الانتخابات والوصول إلى الحكم عام 1997 تدخل الجيش مرة أخرى باعتباره حامى حمى العلمانية فاضطر اربكان لتقديم استقالته فيما سمى «انقلاب ما بعد الحداثة». وفرض الجيش الأحكام العرفية، وعندما اقترنت فترة حالة الطوارئ التى تعرف فى تركيا باسم «فترة 28 فبراير» بالأزمة الاقتصادية عام 2001، ظهر على الساحة حزب «العدالة والتنمية» الوريث الشرعى لحزب الرفاه. ونجح حزب العدالة والتنمية فى الفوز بالانتخابات وتشكيل الحكومة وبعدها جمع بين منصبى رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية ليشعر «العسكر» بتراجع نفوذهم ويتحركون فى اتجاه «انقلاب لم يتم بعد».