أحدثت جولة بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية في 4 دول أفريقية صدي واسعا وصدمة كبيرة لدي المصريين علي كافة المستويات. ورغم التواجد المستتر والمتخفي للإسرائيليين طوال سنوات مضت في القارة الأفريقية فإنه لم تتم زيارة علنية لمسئول إسرائيلي بحجم رئيس الحكومة مثلما يحدث هذه الأيام. فقد ظلت الدول الأفريقية عصية علي إسرائيل طوال حكم عبدالناصر والسادات وسنوات طويلة من حكم مبارك. قادة الدول الأفريقية لم يكونوا يتحركون أو يبدون موقفا معينا تجاه إسرائيل قبل أخذ المشورة والرأي من رئيس مصر.. وقفت أفريقيا صفا واحدا إلي جانب مصر والعرب في مختلف القضايا والأزمات في المحافل الدولية.. وكان هذا الموقف واضحا جليا ضد إسرائيل ومساندا تماما لكل القرارات الدولية التي اتخذت لمصلحة القضية الفلسطينية أو أي قضية عربية أخري. حتي عندما وقعت مصر "السادات" اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1977 وأقيمت علاقات وتبادل سفراء بين القاهرة وتل أبيب.. ظلت الدول الأفريقية علي موقفها من إسرائيل فلم تجرؤ دولة أفريقية واحدة علي إقامة علاقات دبلوماسية مع تل أبيب مراعاة لمشاعر مصر والمصريين والعرب وكنا نستغرب كيف لمصر أن تقيم علاقات مع إسرائيل بينما الدول الأفريقية متمسكة بقطع العلاقات مع إسرائيل وعدم إقامة علاقات معها من أي نوع وكنا نفسر ذلك بالاحترام والتقدير والإكبار الذي تكنه هذه الدول لمصر التي طالما وقفت بجانبهم في كل الحركات التحررية من الاستعمار بمختلف أشكاله وألوانه والذي كان يرتع في العديد من الدول الأفريقية. وظل الحال هكذا في عصر مبارك عندما فكرت أثيوبيا في بناء سد النهضة وسعي رئيس وزراء أثيوبيا لمقابلة مبارك وبعد إلحاح شديد قابله وعرض عليه فكرة إنشاء سد النهضة في أثيوبيا ورد مبارك قائلا لو وضعت طوبة واحدة في هذا السد فسأنسفه لكم وخرج رئيس الوزراء الأثيوبي من المقابلة صفر اليدين ولم ينشئ السد كما كان يريد. فماذا حدث الآن لكي نجد أثيوبيا تبني سد النهضة ويتحدث مسئولوها بتحد غريب وطول لسان وتجاوز فاق الحدود ضد مصر.. وتستقبل أثيوبيا رئيس الحكومة الإسرائيلية وتكرمه بجعله يلقي خطابا أمام البرلمان الأثيوبي ويعقد اتفاقيات في مجالات عديدة منها المياه.. في الوقت الذي يعلم الجميع مدي حساسية موضوع المياه بين مصر وأثيوبيا في أعقاب بناء سد النهضة ولما يتبع ذلك من مشاكل مائية في مصر لا يعلم مداها إلا الله.. بالإضافة إلي ما دعت إليه أثيوبيا من ضرورة ضم إسرائيل للاتحاد الأفريقي!! ليس في أثيوبيا فقط فقد اتسعت جولة نتنياهو لتشمل رواندا وكينيا وأوغندا وكلها دول كانت تدور في الفلك المصري وتتبع خطوات مصر في مختلف القضايا وتساند مصر في كل قراراتها وترتبط بعلاقات قوية معها في مختلف المجالات. رئيس الحكومة الإسرائيلية هناك يعقد مزيدا من الاتفاقيات مع هذه الدول من خلال عدد كبير من رجال الأعمال الإسرائيليين المتواجدين في تلك الدول والذين يستثمرون أموالهم ويقيمون مشروعات عديدة بهدف دعم العلاقات بين تلك الدول وإسرائيل. التحرك الإسرائيلي العلني في أفريقيا يستهدف أغراضا كثيرة تشكل خطرا علي مصر مما لا شك فيه أولها سحب البساط من تحت أقدام مصر في التواجد المصري الفاعل والمؤثر في القارة الأفريقية.. وثانيها وثالثها وخامسها مشاكل عديدة ستخلقها إسرائيل لمصر في أفريقيا. فماذا تنتظر مصر والقيادة السياسية لكي تتحرك بطريقة مضادة ومبتكرة لمواجهة هذا الخطر الإسرائيلي القادم إليها عبر القارة الأفريقية؟! حتي الآن نقرأ ونتابع ما يقوله الخبراء والمتخصصون في الشئون الأفريقية عبر الصحف ووسائل الإعلام عن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي 47 دولة أفريقية والقادم أسوأ. لكن هل نظل قابعين مكاننا نتحدث ونحلل ونشرح أبعاد هذا الخطر أم أنه يجب علي القيادة المصرية أن تتحرك وأن ترد الصاع صاعين وأن تخطو خطوات أكثر فاعلية وتأثيرا عبر مد جسور العلاقات المتينة والوطيدة والتواجد الحقيقي في القارة الأفريقية بأكملها وليس في عدد محدود من دول القارة. الأيام القادمة حبلي بالمفاجآت في هذا الملف الخطير والذي لا يجب السكوت عليه وانتظار المزيد من التحرك الإسرائيلي المريب في قارة هي لنا وليست للإسرائيليين.