في الوقت الذي كان فيه المصريون يغرقون في كعك العيد, كان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو يختتم جولة افريقية في غاية الخطورة والاهمية استغرقت عدة ايام, وشملت الي جانب العاصمة الاثيوبية اديس بابا, أربعا من عواصم دول حوض النيل, هي أوغندا وإثيوبيا وكينيا ورواندا, لبحث سبل التعاون بين اسرائيل ودول القارة الافريقية. ومنذ بدأت اثيوبيا التفكير في مشروع بناء سد النهضة, والحضور الاسرائيلي في الازمة لا تخطؤه عين, فالهدف المباشر هو مشاركة تل ابيب في حصة كافية من مياه النيل, تعوض ما يواجهها من شح متوقع في المياه خلال السنوات المقبلة, في ظل العديد من الدراسات التي تتوقع نضوب مخزونها من المياه في الاراضي المحتلة, خلال الخمسين عاما المقبلة. وقبل ما يزيد علي عامين وزيارات مسئولين اسرائيليين نافذين لا تتوقف الي عدد من العواصم الافريقية, لجهة تأسيس ما يعرف حاليا بالوكالة الإسرائيلية للتنمية الدولية في افريقيا, وهي مؤسسة جديدة اعتمد لها مجلس الوزراء الاسرائيلي مؤخرا مبلغ13 مليون دولار, هدفها المعلن هو البدء في تنفيذ سلسلة من الاجراءات لدعم الدول الافريقية, خاصة فيما يتعلق بالمجالات التكنولوجية, وتعزيز العلاقات الاقتصادية ونقل الخبرات في مجالات التنمية والصحة ومكافحة الارهاب,بينما يستطيع القارئ المدقق أن يكتشف بسهولة, ان هدفها الخفي هو سحب البساط من تحت قدم مصر, وتأليب دول منابع نهر النيل ضد القاهرة. تتابع اسرائيل منذ سنوات خطوات سير العمل في بناء سد النهضة, قبل أن تدخل كمستثمر رئيسي, في الشركة التي اعتمدتها اثيوبيا لتوزيع الكهرباء التي سوف تتولد بعد تشغيل السد, وهي تسعي منذ شهور للحصول علي تفويض من الأممالمتحدة, لتطوير الزراعة والري في عدد كبير من دول القارة الأفريقية, بهدف الحصول علي مقعد مراقب في الاتحاد الافريقي, الذي لم يعد يخفي ولعه بالتجربة الاسرائيلية في التنمية والرفاهية والحضور الدولي. وعلي مدار عقود من الزمان, ظلت العلاقات العربية الافريقية تراوح مكانها, قبل ان تصل الي الذروة خلال حقبة الخمسينات والستينات, وهي الفترة التي تحولت فيها القاهرة الي قبلة لمختلف حركات التحرر الافريقية, وهو ما كان له بالغ الاثر في دعم دول الانقارة السمراء لمختلف القضايا العربية, وفي مقدمتها القضية الفلسطينية, وليس ادل علي ذلك اكثر من القرار الذي اصدرته منظمة الوحدة الافريقية من اديس بابا, في فبراير من العام1975, وأكدت فيه أن قضية فلسطين تمثل جوهر مشكلة الشرق الأوسط, مشددة علي وضع إستراتيجية شاملة لتحرير فلسطين, علي غرار إستراتيجية أكرا ودار السلام. وساندت دول القارة الافريقية علي مدار عقود, الحقوق العربية في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة, وكانت من اكبر الداعمين لقرار اعتبار الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية, قبل أن تتسبب سياسات التجاهل العربية, والتراجع المصري علي وجه الخصوص عن الملف الافريقي, في فتح المجال واسعا امام اسرائيل, لتجد لها موضع قدم, بعد حادث محاولة اغتيال الرئيس الاسبق حسني مبارك في يونيو من عام1995 في اديس بابا, وما جري بعدها من توتر لافت في العلاقات مع معظم دول القارة السمراء. وتتحرك اسرائيل اليوم بقوة, للفوز بالكعكة وحدها, بينما نحن لا نزال غارقين في كعك العيد, والعجيب ان يتم ذلك بسهولة مريبة, بينما لا يزال يعيش بين ظهرانينا. رجل اسمه محمد فايق, يتم تحجيم قدراته الرهيبة في هذا الملف الخطير, في كيان اسمه المجلس القومي لحقوق الإنسان.