لم تكن زيارة وزير الخارجية الصهيوني أفيجدور ليبرمان إلي عدد من دول حوض النيل أواخر العام الماضي من اجل دعم العلاقات الثنائية بل كانت استكمالا للمخطط الصهيوني طويل الامد لفرض نفوذها و الاستيلاء علي منابع نهر النيل . هذا المشروع الذي بدأ في عقول رواد الصهيونية الاوائل من امثال هرتزل قبل قيام الدولة الصهيونية علي ارض فلسطين المسلمة بسنوات كثيرة ، حيث طرح في المؤتمر الصهيوني الاول في بازل عام 1897م ضرورة اقامة دولة للصهيونية في أوغندا بافريقيا تحقيقا لأسطورتهم القائلة : بإمتداد دولة اسرائيل من الفرات الي النيل . ومنذ ذلك الوقت اصبحت القارة الافريقية محط اهتمام الصهيونية العالمية والتسابق الي احتوائها وكسب قادتها سيما بعد خروج المستعمر الأوربي من معظم اقطارها حيث دخلت القارة الأفريقية وبالتحديد منطقة القرن منها في حسابات وتطلعات دولية . و تأكيدا لهذا كتاب صدر مؤخراً باللغة العبرية في تل أبيب للخبير الإستراتيجي الإسرائيلي "أرنون شوفير" يتناول فيه مشكلة المياه بالشرق الأوسط بشكل عام، ويركز بشكل خاص على مشكلة النيل ومن اهم ما تضمنه كتاب (صراعات المياه في الشرق الأوسط) إعتراف مؤلفه صراحة بوجود مصالح إسرائيلية حيوية ومخططات صهيوينة في منطقة حوض النيل. وهو ما أكد عليه "شوفير" فى مستهل كتابه وتأكيده على أن لإسرائيل مصالح استراتيجية وسياسية كبيرة في منطقة حوض النيل، مشددا على أن نسب توزيع المياه بين دول نهر النيل لها تأثير مباشر على إسرائيل. مما يُعد اعترافاً صريحاً منه بان لبلاده أصابع خفية في دفع دول المنبع إلى توقيع اتفاقية منفردة لإعادة توزيع مياه النيل. يدعي الخبير الصهيوني في كتابه أنه من مصلحة إسرائيل أن نهر النيل الذي يمثل شريان الحياة بالنسبة لمصر، هو الذي منح الدولة اليهودية تفوقاً تكتيكياً واستراتيجياً أثناء حروبها السابقة مع مصر. وحسب المؤلف, ففي حرب الإستنزاف مثلاً قامت إسرائيل بضرب سد نجع حمادي وسد إسنا وخطوط الكهرباء الرابطة بين أسوانوالقاهرة، الأمر الذي دفع مصر إلى تغيير خططها، وإضطرها إلى إرسال قوات لحماية السد العالي من أي هجوم إسرائيلي، الأمر الذي أدى إلى تقليل حدة الضغوط والهجمات المصرية التي كانت تتعرض لها إسرائيل على خط القناة. وهنا يكشف الكاتب عن المخطط الصهيوني المتعلق بمصر والذي يأتي ضمن مخطط وإستراتيجية أوسع تشمل كافة دول حوض النيل، مشيراً إلى ان موجات الجفاف المتعاقبة التي تعرض لها حوض النيل، بالإضافة إلى الزيادة السكانية المرتفعة في مصر، ادت إلى عدم تمكن مصر من توفير اكتفائها الذاتي من الغذاء. وبالتالي اعتمدت على دول أخرى لتوفير الغذاء لسكانها. الأمر الذي جعل مصر ترتبط بدول خارجية وخاصة الولاياتالمتحدة التي تُعد أكبر منتج للغذاء في العالم. ويرى الخبير الصهيوني أنه كلما زاد إعتماد مصر على الولاياتالمتحدة ، كلما كان هذا الامر في صالح إسرائيل لانه يضمن استقرار اتفاقية السلام الموقعة بين القاهرة وتل أبيب. وحسب المخطط الصهيوني المرسوم بعناية فإن أزمة المياه في مصر ستضطرها إلى إجراء اصلاحات اقتصادية وإلى ترشيد استهلاك المياه. وهو ما قد يصبح سبباً لتعاون كبير بين مصر وإسرائيل، لأن إسرائيل تمتلك خبرة واسعة في كلا المجالين ويمكن لمصر أن تستفيد منها في هذا الأمر. كما يؤكد مؤلف الكتاب على أن إسرائيل من مصلحتها حدوث أزمة مياه في مصر، لأن ذلك سيدفعها إلى الإنشغال في صراعات بهذا الشأن مع جيرانها في منطقة حوض النيل، الأمر الذي سيقلل من تدخلها في شئون وقضايا العالم العربي. وهو ما تريده إسرائيل بالضبط. ورغم ذلك لا تخفى عناصر إسرائيلية قلقها من أن تؤدي أي أزمة مياه قد تتعرض لها مصر من تنامي قوة العناصر المتطرفة التي تعارض إتفاقية السلام مع إسرائيل. اثيوبيا يقول الكاتب الإسرائيلي أن مصلحة إسرائيل الإستراتيجية تقضي بعدم سيطرة الدول العربية على البحر الأحمر.. لذلك تعمل الدولة العبرية-من خلال مخطط قديم-على فرض سيطرتها ونفوذها على الدول الغير عربية المطلة على هذا البحر ومساعدتها بكل إستطاعتها. وخاصة دولتي اريتريا وأثيوبيا. اللتين تكتسبان ميزة اضافية لدى لإسرائيل تتمثل في كونهما أيضا من دول حوض النيل. ويكشف الكتاب عن نوايا إسرائيل صراحة من خلال تأكيده على ان إسرائيل يهمها زيادة حصة أثيوبيا من مياه النيل، لأن هذا الأمر يعني من وجهة النظر الإسرائيلية إعادة تقسيم حصص دول الحوض في مياه النيل بشكل عادل. ويؤكد الخبير الإسرائيلي أنه لخشيتها من أي رد فعل مصري، تقوم إسرائيل بتنفيذ مخططاتها في أثيوبيا وأريتريا بشكل حذر حتى لا تثير غضب القاهرة. خاصة وان هناك العديد من التقارير التي تتهم إسرائيل ببناء عدد من السدود على النيل الأزرق في أثيوبيا. اريتريا يؤرخ لبداية الوجود الصهيوني في ارتريا منذ عام 1920م خلال فترة الاستعمار الايطالي حيث اقيمت شركة زراعية اسرائيلية تدعي (SIA) ( شركة النهضة الزراعية) برؤوس اموال يهودية وذلك في منطقة (على قدر) بغرب إرتريا قرب مدينة تسني في مساحة تزيد عن 70 ألف فدان تسقى بالري من نهر القاش . وكان مديرالمشروع يدعي الدكتور( فسبريني يعقوب ) يهودي الأصل ايطالي الجنسية وفي عام 1964م أعيدت الشركة بعدما صادرتها الإدارة البريطانية الى يهودي ايطالي يدعى (براتلو) لمدة اربعين عاماً كما قدم الكيان الصهيوني لنظام أفورقي 40ميلون دولار لا صلاح هذا المشروع ضمن الاتفاقيات المبرمة في مجال التعاون الزراعي وهناك ايضاً شركة يهودية اقيمت عام 1952م لتصدير اللحوم تسمى شركة (انكودا ) تعتبر من كبرى الشركات الاسرائيلية في المنطقة ومقرها في اسمر ولها فروع في كل من أديس أبابا والصومال وتل أبيب وتنتج هذه الشركة 25 ألف علبة من اللحوم المعبأ يومياً و3 أطنان من اللحوم المثلجة و3500 قطعة من الجلود المدبوغة شهريا هذا بالاضافة الى شركة (هارون إخوان ) التي تسيطر على تجارة الاستيراد والتصدير في ارتريا منذ الستينيات هذا بجانب التواجد العسكري الصهيوني في جزر دهلك الارترية حيث استأجر الكيان الصهيوني في السبعينات من اثيوبيا جزيرة( رأس سنتيان ) علي البحر الاحمر لبناء قاعدة عسكرية صهيونية و لعب الكيان الصهيوني وامريكا دورا محوريا في استقلال ارتريا عبر مفاوضات اتلانتا ونيروبي ومؤتمر لندن في بداية التسعينات تمهيدا لتسليم السلطة إلى افورقي زعيم الجبهة الشعبية المعادي للتوجه العربي في إرتريا . تستثمر اسرائيل الأراضي العربية الإرترية وتستعمل نفس الأنهر التي نعتمد عليها في السودان وهي (القاش-بركة-النيل الأزرق) وتزرع الفاكهة وخاصة الموز وتربي الماشية لتصدرها إلى إسرائيل وأمريكا لها قاعدة عسكرية ضخمة في أسمرة عاصمة ارتريا،وبمعنى هذا أننا بين فكي إسرائيل وأمريكا ،أما جريدة الصحافة السودانية الصادرة في 2/12/1964 فبعد أن استعرضت بالتفصيل المدى الذي بلغه التسلل الإسرائيلي في ارتريا "شركة اناجر " فقد صدقت لها الحكومة الإثيوبية منطقة (عايلت)الزراعية في مديرية مصوع وصار منظر الجرارات الضخمة ومعدات الزراعة التي تحمل شارة إسرائيل مألوفا ،وتهيمن شركة ((أتاجن)) الإسرائيلية على هذا المشروع،كما منحت الحكومة الإثيوبية 72,000 ألف فدان من أخصب الأراضي الارترية للمزارعين الإسرائيليين بعد أن انتزعتها بالقوة من الفلاحين الارتريين مالكي الأرض الشرعيين بموجب الاتفاقية التي وقعت بين الحكومة الإثيوبية وموشي دايان أصبحت سفن الصيد الإسرائيلية تجوب شواطئ ارتريا وتصيد الأسماك وتتخذ ميناء مصوع الارتري مركزا لها بعد أن طردت الحكومة الإثيوبية جميع الصيادين العرب اليمنيين الذين كانوا يمارسون الصيد في سواحل ارتريا.- تسيطر شركة (هارون إخوان) الإسرائيلية على تجارة الاستيراد والتصدير في ارتريا كما تقوم شركة (سوليل بونيه)الصهيونية ببناء مطار أسمرة الجديد كما -يساهم الهستادروت الاتحاد العام لعمال إسرائيل-بنشاط كبير في عدة شركات تجارية وصناعية في ارتريا. اوغندة وكذلك مع أوغندا التي توجد بها بحيرة فيكتوريا وسد (اوان). ويشير الكاتب في هذا السياق إلى انه خلال حقبتي الستينيات والسبعينيات خشيت مصر من أن تقوم إسرائيل بإغلاق سد (اوان) وبالتالي عدم تدفق مياه نهر النيل إلى مصر، فقامت القاهرة بإرسال فريق من الخبراء والمتخصصين المصريين إلى أوغندا. حيث يتواجدون بشكل دائم من ذلك الحين عند هذا السد لضمان تدفق مياه النيل الأبيض بشكل منتظم. ويكشف الكتاب عن المخطط الإسرائيلي في تلك الدول والذي يتضمن اهتمام إسرائيل بإحداث تنمية اقتصادية وزراعية في تلك الدول، ويشير إلى ان مصر فطنت إلى هذا الأمر، لأن مثل هذه التنمية ستكون مرتبطة بمياه النيل –وهو ما تريده إسرائيل بالطبع. وفيما يخص الكونغو الديمقراطية فقد ارتفعت الواردات الإسرائيلية منها إلى مليون دولار تقريبا العام الماضي بعد أن كانت لا شيء تقريبا، أما الصادرات الإسرائيلية فتضاعفت عشر مرات تقريبًا، من 0.9 إلى 5.2 ملايين دولار سنويا في الفترة ذاتها. كما وقّعت أوغندا وإسرائيل اتفاقاً في مارس 2000، أثناء زيارة وفد من وزارة الزراعة الإسرائيلية، برئاسة مدير الري في الوزارة، موشي دون جولين، ينص على تنفيذ مشاريع ري في عشر مقاطعات متضررة من الجفاف، وإيفاد بعثة أوغندية إلى إسرائيل لاستكمال دراسة المشاريع، التي يقع معظمها في مقاطعات شمال أوغندا، بالقرب من الحدود الأوغندية المشتركة مع السودان، وكينيا، وسيجري استخدام المياه المتدفقة من بحيرة فكتوريا لإقامة هذه المشاريع، وهو ما يؤدي إلى نقص المياه الواردة إلى النيل الأبيض، كذلك أعلنت إسرائيل أنها مهتمة بإقامة مشاريع للري في مقاطعة كاراموجا الأوغندية، قرب السودان، حيث يمكن ري أكثر من 247 ألف هكتار من الأراضي الأوغندية عبر استغلال اثنين ونصف مليار متر مكعب سنوياً، في حين أن المياه المستخدمة حالياً لا تزيد عن 207 ملايين متر مكعب فقط، تروي 32 ألف هكتار من الأرض، ولا تقتصر خطورة الوجود الإسرائيلي في دول أعالي النيل على الاستعانة بالخبراء والتعاون الفني في المشروعات، لكنها تمتد إلى التعاون الاقتصادي الزراعي برأسمال يهودي، يهدف إلى تملك أراضي في المنطقة بدعوى إقامة مشاريع عليها، أو تحسين أراضيها، أو إقامة سدود بها. وقالت تقارير نقلتها الصحف الأوغندية على لسان الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، إنه تدخل لسرعة البدء في المشروع، وطلب من وزارة الكهرباء والطاقة البحث عن شركة دولية منفذة للمشروع. وقال مسؤول أوغندي: "إن إيران عرضت تمويل السد ب2.2 مليار دولار، إلا أن الحكومة الأوغندية رفضت هذا العرض بسبب العقوبات الدولية المفروضة على إيران، فضلاً عن التخوف من عدم تمكن الشركة الإيرانية من تسويق الكهرباء المنتجة من السد في منطقة شرق إفريقي؛ا لعدم تعامل العديد من الدول مع إيران." ومن جانبه، قال مسؤول حكومي مطلع بملف النيل: "إن مصر لم تتلق أي طلب من الحكومة الأوغندية بشأن إنشاء السد"، مؤكدًا أن استمرار دول حوض النيل في إطلاق مشروعات السدود سيؤثر دون شك على حصة مصر من مياه النيل، ومن المتبع حسب القانون الدولي إبلاغ دولتي المصب مصر والسودان بالمشروعات، ودراسة تأثيرها على تدفق المياه للدولتين قبل الشروع في التنفيذ وأكد المصدر، أن أوغندا عرضت مشروع السد الجديد على السودان دون مصر، لافتًا إلى أن الدبلوماسية المصرية كانت قد رصدت بعض التحركات للشركات الإيرانية في منابع النيل، التي عرضت الدخول في العديد من مشروعات الطاقة والزراعة في دول منابع النيل، إلا أن مصر لم تصلها معلومات عن بدء مشروعات فعلية حتى الآن؛ بسب بعض التخوفات لدى الدول الإفريقية في الوقت الذي تسيطر فيه الشركات العابرة للجنسيات ذات الادارة الأمريكية والإسرائيلية على السوق والمشهد السياسي والاقتصادي، في دول حوض النيل.