أعلنت الدوائر الاسرائيلية عن قيام بنيامين نيتانياهو بزيارة لعدد من دول حوض نهر النيل ومنها إثيوبيا كينيا أوغندا كما أعلنت ذات الدوائر ان زيارة رئيس وزراء اسرائيل تأتي في إطار التباحث حول انشاء جبهة اسرائيلية في مواجهة خطر صعود التيار الاسلامي في مصر وباقي دول الربيع العربي. وفي نفس السياق قام رئيس دولة السودان الجنوبي بزيارة اسرائيل, كما سبقه بزيارة اسرائيل رئيس أوغندا ورئيس وزراء كينيا, ومن المعروف ان هذا النشاط يأتي في ظل أزمة حوار حول توقيع الاتفاق الاطاري لمبادرة دول حوض نهر النيل, وأن هناك خلافا حول هذا الاتفاق بين دول المنابع ودول المصب, ومن المعروف ايضا أن انفصال السودان الجنوبي سوف يؤدي الي مزيد من تعقيد الموقف السياسي والمائي بين دول حوض نهر النيل, حيث ينعكس الخلاف بين السودان الجنوبي والسودان في توجه السودان الجنوبي نحو التحالف مع دول المنابع حتي وان لم يعلن ذلك, كما ان ورقة المياه بين السودان الجنوبي والسودان مؤجلة ولم يتم حسمها قبل اعلان الاستقلال, وان تنفيذ المشروعات المائية المشتركة خاصة مشروع جونجلي قد توقف منذ الثمانينات من القرن الماضي. إن تبادل الزيارات بين رئيس وزراء اسرائيل ورؤساء ومسئولين لدول المنابع والسودان الجنوبي تنذر بخطر علي العلاقات المصرية السودانية مع دول المنابع, حيث تدعي اسرائيل ان صعود التيار الاسلامي في مصر علي وجه التحديد يقتضي تدعيم انشاء حزام اسرائيلي افريقي في مواجهة خطر بروز الاسلاميين, ان هذا الحزام الذي يجري تكوينه يهدف في الاساس الي الضغط علي مصر بورقة المياه سعيا وراء تعثر التنمية بعد ثورة 25/ يناير/2011, بالاضافة الي اهداف استراتيجية اخري من شأنها الاضرار بكل من مصر والسودان بعد ثورة25/ يناير, وكذلك السودان بعد انفصال الجنوب, وان كانت اسرائيل تعلن دائما ان الهدف من هذه الزيارات المتكررة لمسئولين إسرائيليين لدول المنابع هوالمساهمة في تنمية هذه الدول, والواقع ان هناك اتفاقات لانشاء محاور تحالفات من شأنها اثارة القلاقل في دارفور وجنوب كردفان وولاية النيل الازرق, ومزيد من التقسيم للسودان. وفي مجال الحديث عن التنمية والاستثمار بدول منابع نهر النيل لابد من التعرض لدور اسرائيل في تنمية دول المنابع, فلدي اسرائيل مجموعة من المشروعات الاستثمارية خاصة في قطاعي الزراعة والطاقة, وكانت إثيوبيا الدولة الأكثر استهدافا من إسرائيل( كما انها الاكثر تأثيرا في دول المنابع) كما انها شديدة الاهتمام بالسودان الجنوبي, وتركز اسرائيل علي المشروعات العسكرية, وكذلك الزراعية في إثيوبيا بالتعاون مع المخابرات الاسرائيلية ومركز التعاون الدولي في إسرائيل ووزارة الزراعة والتنمية الريفية والوكالة الامريكية للمشروعات الدولية( مشروع الشتلات مشروع تطوير الري مشروع التفوق الزراعي) ومشروعات مياه الشرب, ومشروعات استراتيجية وعسكرية, وعموما تأتي إسرائيل في الترتيب الثالث للدول المستثمرة في اثيوبيا. لقد أسفرت زيارة ليبرمان لثلاث من دول المنابع (سبتمبر2009) عن وعود بأن تقوم شركة تاحال المسئولة عن تطوير وتخطيط المصادر المائية في اسرائيل بمشاريع مائية في اثيوبيا, وسوف تقوم اسرائيل بالتعاون مع الوكالة الامريكية للمساعداتUSAID بتنفيذ40 مشروعا مائيا علي النيل الأزرق من خلال إنشاء 26 سدا لري 400 الف هكتار وإنتاج38 مليار كيلووات, وتحتاج هذه المشروعات الي 80 مليار متر مكعب من المياه, كما يتم مناقشة الاوضاع المائية بدول المنابع من منطلق اهميتها لتنمية هذه الدول وعلي سبيل المثال قدمت اسرائيل لكل من الكونغو الديمقراطية ورواندا دراسات تفصيلية لبناء ثلاثة سدود, وفي أوغندا تقوم اسرائيل بتنفيذ مشاريع ري في عشر مقاطعات تقع معظمها شمال اوغندا علي حدود السودان وكينيا, وقد تعاونت اسرائيل مع كينيا, في مجال الانتاج الزراعي, وكذلك بتنفيذ مشروعات الطاقة النظيفة وبصفة عامة يهدف الفكر الاسرائيلي الي الايحاء بان مشروعات التنمية باثيوبيا علي وجه الخصوص لن تكون الا من خلال اقامة السدود, وتعديل معاهدات توزيع مياه نهر النيل, ومؤخرا برز الدور الاسرائيلي في التنمية الادارية والعسكرية والاقتصادية لدولة السودان الجنوبي, وتم تتويج نوايا التعاون بزيارة رئيس دولة السودان الجنوبي لإسرائيل. وفي مواجهة هذا المخطط الاسرائيلي المستهدف من زيارات نيتانياهو لابد من التحرك المؤثر لمصر والسودان, بمساندة الدول العربية خاصة دول الخليج العربي لدعم التعاون المتواضع مع دول حوض نهر النيل في مواجهة المد الاسرائيلي. وفي هذا المجال نقول انه باستعراض الاستثمارات المصرية في دول حوض نهر النيل, حيث يقدر حجم الاستثمار طبقا للمؤشرات الأولية بنحو أربعة مليارات دولار يتركز اغلبها في السودان حيث تعمل400 شركة مصرية في مجال الصناعة والخدمات والزراعة في السودان, وتأتي إثيوبيا في المرتبة الثانية للاستثمارات المصرية في دول حوض نهر النيل, حيث تقوم مصر بالاستثمار في مجالات الزراعة والبناء والتشييد والتعليم والصحة والاستثمار العقاري والنقل في حدود ملياري دولار. وفي مجال التجارة بلغت قيمة الصادرات المصرية الي دول حوض النيل نحو800 مليون دولار, حيث احتلت السودان الترتيب الاول بين الدول التي تقوم مصر بالتصدير اليها(68% من إجمالي الصادرات) تليها كينيا(14%) تليها اثيوبيا(8%) وتنزانيا وأوغندا (2.5%) لكل منها, اريتريا (2.5% الكونغو الديمقراطية بوروندي رواندا (3%) اما الواردات المصرية من دول حوض النيل فقد بلغت نحو275 مليون دولار تحتل كينيا المرتبة الأولي تليها السودان ثم إثيوبيا وأوغندا, بينما تتضاءل واردات مصر من باقي الدول (أريتريا رواندا بوروندي الكونغو الديمقراطية تنزانيا). ويوضح ذلك تواضع الدور المصري حاليا في الاستثمار او التجارة مع دول حوض النيل, وعلي الجانب العربي تقوم كل من الكويت والسعودية وقطر والامارات العربية المتحدة بمشروعات تنموية في دول المنابع, حيث قامت الدول العربية بمشروعات متعددة وتقديم قروض ومنح لكل من اثيوبيا وكينيا, ان المدخل الرئيسي لحل المشاكل المائية مع دول الحوض هو تبني استراتيجية للمشاركة التجارية والاقتصادية مع دول حوض النهر بعد ازالة المعوقات وتفعيل الاتفاقات, وعلي مصر والسودان ان يقوما بالتنسيق مع دول الخليج العربي لوضع استراتيجية للتعاون مع دول نهر النيل في مواجهة المد الاسرائيلي في افريقيا. إن تأكيد التيارات الاسلامية في مصر وفي هذا التوقيت علي وجه الخصوص باحترم كافة المواثيق والمعاهدات المتعلقة بمياه نهر النيل وتأكيدها ايضا الالتزام بالتعاون مع دول حوض نهر النيل في كافة مجالات التنمية سيكون ردا مناسبا علي محاولات اسرائيل لإنشاء هذا القوس الاسرائيلي الافريقي, ان التواصل المبكر مع حكومات وشعوب دول منابع نهر النيل سوف يساعد علي التخفيف من الضغوط الاسرائيلية للالتفاف حول مصالح مصر والسودان من خلال تكوين هذا التحالف المقترح بين اسرائيل ودول المنابع, نعلم ان دول المنابع لها إرادتها واستقلاليتها, ولكننا نعلم ايضا ان تبادل المصالح هو المعيار الرئيسي في علاقات الدول, وهو ماتسعي اسرائيل لتحقيقه في إطار سياسة خبيثة وقودها ان حكم الاسلاميين في مصر خطر علي امن دول المنابع. المزيد من مقالات د.مغاورى شحاتة دياب