انفجرت عاصفة سياسية وقانونية داخل الكونجرس الأمريكي، بعد اعتراف البيت الأبيض بتنفيذ ضربة عسكرية ثانية على سفينة مشتبه بها بتهريب المخدرات في البحر الكاريبي، وذلك بعد أن تركت الضربة الأولى ناجين في الماء. ومع اتساع دائرة الجدل، يلوّح مشرعون من الحزبين ببدء تحقيقات رقابية قد تُعد الأقوى خلال العام، وسط اتهامات غير مسبوقة بأن الولاياتالمتحدة ربما تكون قد خرقت قوانين الحرب، في وقت لم تُعلن فيه حرب على فنزويلا التي تُتهم شبكاتها بدعم تهريب المخدرات. هذا التطور، الذي انفجر عقب تقرير لصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية ووثّقته تصريحات رسمية متعاقبة، وضع إدارة ترامب ووزارة الدفاع الأمريكية في دائرة مساءلة خطيرة، وفتح الباب أمام أسئلة جوهرية حول التسلسل القيادي، والأساس القانوني، وأوامر القتل، وحدود العمليات العسكرية السرية خارج ساحات الحرب التقليدية. اعتراف رسمي يقلب المشهد أفادت مجلة «تايم» الأمريكية، أن البيت الأبيض اعترف يوم الاثنين بأن الجيش الأمريكي نفّذ ضربة ثانية على سفينة مشتبه بها في تهريب المخدرات، رغم نجاة اثنين من أفرادها بعد الضربة الأولى. وفجر هذا الاعتراف موجة غضب داخل الكونجرس الأمريكي، حيث اعتبر عدد من المشرعين أن الولاياتالمتحدة قد تكون متورطة في «جريمة حرب»، في حال ثبت استهداف ناجين لا يشكلون تهديدًا مباشرًا. وقال السيناتور الديمقراطي ريتشارد بلومنثال، عضو لجنة القوات المسلحة الأمريكية، إن ما حدث «قد يرقى إلى جريمة جنائية»، مشددًا على أن وزير الدفاع الأمريكي هيجسيث لا يتمتع بحصانة استثنائية. وأضاف موضحًا: "جرائم الحرب أو القتل تظل جرائم جنائية". دعوات للمساءلة والشفافية ازدادت الضغوط على الإدارة الأمريكية للمطالبة بإصدار تسجيلات الفيديو الخاصة بالعملية، وشرح الأساس القانوني للضربات الحركية التي تنفذها الولاياتالمتحدة في منطقة البحر الكاريبي منذ أشهر ضمن حملة تستهدف شبكات مرتبطة بفنزويلا. وفي مجلس الشيوخ الأمريكي، برز السيناتور الجمهوري روجر ويكر، رئيس لجنة القوات المسلحة الأمريكية، الذي أعلن فتح تحقيق رسمي و"رقابة صارمة لتحديد الحقائق". ورغم دعم الديمقراطيين لخطوته، دعوه إلى التحرك العاجل، مؤكدين أن التأخير قد يعقّد الوصول إلى الحقيقة. كما لوح السيناتور براين شاتز باستخدام مفاوضات قانون تفويض الدفاع للضغط باتجاه إجبار وزير الدفاع الأمريكي على الإدلاء بشهادته قبل نهاية الشهر. اجتماع طارئ في البيت الأبيض تزامنت ردود الفعل المتصاعدة مع اجتماع عاجل دعا إليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مكتبه البيضاوي، لبحث تطورات الملف الفنزويلي، بعد تنفيذ أكثر من 20 ضربة على سفن تقول الإدارة إنها جزء من شبكات تهريب المخدرات المرتبطة بنظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو. وأشارت «واشنطن بوست» إلى أن الهجوم المذكور وقع في 2 سبتمبر، وأدى إلى مقتل معظم أفراد القارب، بينما كانت الضربة الثانية موجهة نحو ناجيين كانا يصارعان للبقاء في الماء، وهو ما يشكل إذا ثبت خرقًا صريحًا لقانون النزاعات المسلحة. قلق جمهوري غير معتاد لم يقتصر القلق على الديمقراطيينن، فقد قال النائب الجمهوري دون بيكون، إن استهداف ناجيين لا يشكلون "تهديدًا وشيكًا" يُعد انتهاكًا لقانون الحرب، مؤكدًا أنه "من الصعب تخيّل أن شخصين يسبحان على طوف يمثلان خطرًا يستوجب القوة القاتلة". وفي المقابل، رفض بعض الجمهوريين الانتقادات، إذ اعتبر السيناتور جون كينيدي أن تقرير واشنطن بوست "مبالغة معتادة"، رافضًا الدعوات لشهادة هيجسيث تحت القسم رغم تأكيد البيت الأبيض وقوع الضربة الثانية. موقف البيت الأبيض والبنتاجون ورغم محاولة البنتاجون تجنب التعليق التفصيلي، أكدت المتحدثة الرسيمة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت أن الضربة الثانية نفذها الأدميرال فرانك م. برادلي، قائد العمليات الخاصة، بناءً على أوامر وزير الدفاع الأمريكي، وقالت إن العملية "نُفذت دفاعًا عن النفس وفي المياه الدولية ووفقًا لقانون النزاعات المسلحة". لكنها رفضت نشر الفيديو العسكري، مما أثار إحباطًا واسعًا داخل الكونجرس، الذي اعتبر أن حجب الأدلة يُعقّد التحقيقات. ثغرات قانونية تهدد بتداعيات خطيرة أشار الخبراء إلى أن القانون الفيدرالي الأمريكي، خصوصًا البند 18 المتعلق ب "جرائم الحرب"، يجرّم قتل أي شخص "لم يعد مشاركًا في الأعمال العدائية"، بمن فيهم المصابون أو الأسرى أو الفارون من القتال. ويخشى المشرعون أن يكون الناجون من الضربة الأولى قد اندرجوا ضمن هذا التصنيف. وحذر بلومنثال، من أن الفشل في التحقيق سيعرض القوات الأمريكية مستقبلاً لمخاطر انتقامية، مشيرًا إلى أن الولاياتالمتحدة طالبت بمعاقبة اليابانيين والألمان خلال الحرب العالمية الثانية على أفعال مشابهة. تحرك تشريعي لمواجهة التصعيد العسكري أعلن زعيم الأقلية الديمقراطية تشاك شومر أنه سيتقدم بمشروع قانون يقيد قدرة الإدارة الأمريكية على إرسال قوات إلى فنزويلا، بالتعاون مع السيناتورين تيم كين وراند بول، كما طالب بنشر تسجيلات العملية فورًا، مؤكدًا أن "إخفاء الأشرطة يثير الشكوك". وطالب أيضًا بجلسات استماع عاجلة، واستدعاء هيجسيث وبرادلي للإدلاء بشهادتهما تحت القسم حول تفاصيل الضربة، وملابسات اتخاذ القرار، ومصادر المعلومات الاستخباراتية. محققو الكونجرس يستعدون للمرحلة الحاسمة مع تصاعد الغضب، بدأ الكونجرس بالفعل جمع معلومات من البنتاجون ضمن "رقابة صارمة"، تشمل دراسة الأساس القانوني ل "عملية الرمح الجنوبي"، والمداولات الداخلية عقب التقارير الأولية عن وجود ناجين في الماء. لكن المشرعين يعترفون بأن غياب الفيديوهات العسكرية يجعل إثبات الحقائق أمرًا بالغ الصعوبة، وأن التسجيلات هي "الطريقة الحاسمة" لتحديد ما إذا وقع انتهاك لقانون الحرب أو تضليل للكونجرس. وقال شومر: "إن ما نحتاجه الآن هو الحقيقة الوقائع، وهذا بالضبط ما ترفض الإدارة تقديمه".