مفتي الجمهورية د. شوقي علام يحذر من إهمال العبادة بعد انتهاء شهر رمضان المبارك. ويؤكد أن الإسلام بعباداته وأخلاقه ومعاملاته الراقية يظل ملازما للمسلم طوال أيام وشهور السنة.. وموجها لحياته الخاصة والعامة في كل مكان يذهب إليه أو يتواجد فيه.. وضابطا للسلوك ومهذبا للغرائز والانفعالات في كل الأوقات.. ومن هنا فإن من يعيشون في رمضان في عبادة وتقوي وورع لابد أن تستمر معهم هذه الحالة الإيمانية بعد رمضان حتي لا يهدروا ما اكتسبوه من أجر وثواب وفضائل خلال هذا الشهر الكريم. وقال د.علام: أخلاقيات رمضان ينبغي أن تصاحب المسلم حتي يستقبل رمضان القادم. وفضائل الشهر الكريم لا تقف عند الصيام والصلاة والزكاة وغير ذلك من القربات التي تقرب بها المسلم الي خالقه. بل أخلاقيات رمضان تشمل كل سلوك راق حرص عليه خلال الشهر الفضيل مثل صلة الرحم. وعيادة المريض. ومساعدة المحتاج. وتخفيف آلام البائسين أو المحرومين. ومسح دموع من أصابهم الحزن والجزع. وغير ذلك من السلوكيات الراقية التي هي من خصائص وسمات المسلم الواعي الفاهم لحقائق دينه. وفيما يلي نص الحوار الذي أجري معه: وعن الذين يعودون الي حياتهم الطبيعية بما فيها من لهو وعبث بعد رمضان يقول د.علام: الإسلام ليس مجرد عبادات يؤديها المسلم وهو غافل عن حقيقة الإيمان. بل العبادات في الإسلام تستهدف ترقية سلوك الإنسان ليعيش حياة طيبة مع كل خلق الله من بشر وحيوانات وجماد.. والذين يصلون ويصومون ويزكون ويحجون ويعتمرون ويرتكبون التجاوزات السلوكية والأخلاقية لم يستفيدوا من عباداتهم. حيث أدوها كطقوس خالية من أهدافها الحقيقية. وهؤلاء وصفهم رسول الله صلي الله عليه وسلم بالمفلسين في حديث أبي هريرة الذي يقول:" أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. قال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام. وقد شتم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا. فيأخذ هذا من حسناته. وهذا من حسناته. فإن فنيت حسناتهم أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار". ولذلك ينبغي أن ينتبه المسلم الي أن أداء العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج لا يكفي لكي يكون المسلم مسلما حقا.. بل لابد أن يتخلق المسلم بأخلاق الإسلام. فلا غيبة ولا نميمة ولا خوض في أعراض الناس. داوموا علي العبادات ويؤكد د.علام أن المسلم مطالب بمداومة الحرص علي العبادات التي حرص عليها في رمضان. فالصلاة مفروضة عليه في رمضان وغير رمضان. والصوم موجود أيضا بعد رمضان من خلال صوم النوافل الذي حثنا عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم لكي يظل المسلم مرتبطا بعطاء الصوم طوال العام. وصوم النوافل الذي كان يحرص عليه الرسول صلي الله عليه وسلم كثير ومتنوع. والزكاة موجودة وملازمة للمسلم طوال شهور السنة حسب دورة أمواله التي تجب فيها الزكاة. والعمرة من القربات الي الله في رمضان وغير رمضان. كما أن الحج يأتي عقب الانتهاء من الصوم بأسابيع قليلة لكي يتكامل عطاء الفريضتين. والي جانب الحرص علي هذه العبادات يجب علي المسلم أن يتجنب الرذائل التي توقعه في الإثم وتجلب له غضب الله وعقابه. وفي مقدمة ذلك مجالسة أصدقاء السوء. ومجاملة الجلساء بمجاراتهم في تجاوزاتهم وسلوكياتهم الخاطئة. ومسايرتهم ظنا أن الأمر هين. وقد وصف الله عز وجل مثل هذا حينما تحدث علي لسان أهل النار "وكنا نخوض مع الخائضين". ثم يكون أعظم أسبابها. وهو القلب الخرب الخالي من القيم والأخلاق الفاضلة. ولا توجد فيه إلا الكراهية والحقد والحسد علي الناس. ومن الناس من يحمله الحسد علي الغيبة فيجمع بين أمرين قبيحين: الغيبة والحسد.. والآفة الكبري التي تغري بالحقد والحسد ثم الغيبة هي آفة حب الدنيا والحرص علي السلطة فيها. وكما قال أحد السلف: ما من أحد أحب الرياسة إلا حسد وبغي وتتبع عيوب الناس وكره أن يذكر أحد بخير. علي كل حال .. الذين ينشغلون بالعبادة والطاعة في رمضان وينصرفون عنها بعد رمضان أصحاب سلوك معيب. وهم لم يدركوا ولم يفهموا بركة هذا الشهر والتي تمتد الي كل شهور السنة. ورسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: "لو تعلم أمتي ما في رمضان من الخير لتمنت أن تكون السنة كلها رمضان". إن الصيام الذي حقق هدفه وأتي بثماره في حياة الإنسان هو الذي يبقي معه طوال العام يهذب سلوكه ويقوم ما اعوج من تصرفاته ويصرفه عن كل سلوك معيب. احذروا انفلات اللسان وينصح مفتي الجمهورية كل مسلم بأن يكون أمينا مع خالقه قبل أن يكون أمينا مع نفسه. وأن يكون لديه شعور بالمسئولية فلا يصدر عنه من قول أو فعل إلا كل ما هو طيب. فالكلمة الطيبة يكسب بها المسلم أجرًا من الله تعالي إذا كانت صادقة نافعة مفيدة للأمة. كما أن الكلمة الخبيثة التي تدعو إلي الباطل وتؤدي إلي الشر والفساد يعاقب عليها كما قال تعالي:" ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء".. والنبي صلي الله عليه وسلم: "إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً من رضوان الله يرفعه الله بها درجات. وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم". ولذلك يجب علي كل مسلم حريص علي رضا الله سبحانه أن يحفظ لسانه ليكون من المؤمنين حقًّا» قال صلي الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر. فليقل خيرًا أو ليصمت". أي أن تكون كلماته نافعة ومؤثرة وتخدم دينه ووطنه. كلمات توحِّد الصف وتعالج قضايا الأمة وهمومها. فقول الخير أو الصمت عما سواه أمر إلهي وهدي نبوي كريم ينبغي أن يحرص عليه المسلم في كل وقت. علي كل مسلم أن يتذكر دوما قول رسول الله صلي الله عليه وسلم: "لا يستقيم إيمان عبد حتي يستقيم قلبه. ولا يستقيم قلبه حتي يستقيم لسانه".. فسلامة الإيمان مرتبطة بنزاهة اللسان. قال صلي الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده". ولذلك يجب علي المسلم أن ينزه لسانه من كل قبيح ولا يجري عليه غير الحق. وينأي بنفسه ولسانه علي أن يجري عليه زورًا أو كذبًا أو غيبة أو نميمة أو استهزاءً أو استخفافًا بالناس. أو إفشاءً لأسرار الآخرين عند الخصومة. الحجاب.. بعد رمضان وينصح د.علام كل مسلمة هداها الله للحجاب في رمضان أن تحرص عليه طاعة لله والتزاما بأوامره. ويقول لكل مسلمة تفكر في خلع الحجاب بعد انتهاء الشهر الفضيل: هذا سلوك لا يليق بالمسلمة الحريصة علي طاعة الله وكسب احترام الناس. لأن الإسلام ألزم المرأة المسلمة بالزي الساتر لعورتها في كل وقت وفي كل مكان تظهر فيه خارج بيتها. والمرأة الحريصة علي دينها مطالبة بالالتزام بما أمر الله ورسوله به. أما المرأة التي لا يعنيها الحلال والحرام والمباح والمحظور فهي تفعل ما تشاء.. وحرص المرأة المسلمة علي ارتداء الحجاب خلال شهر رمضان سلوك محمود يجب أن نشجعه.. لكن: لماذا لا يكون هذا هو سلوك كل المسلمات طوال العام؟ إن الحجاب حماية ووقاية للمرأة وهو أمر إلهي يجب الالتزام به والحرص عليه.