كثيرون هم الذين يعتقدون أن العبادات في الاسلام هي كل الاسلام. وأنها وسيلتهم للوصول إلي رضا الله عز وجل. فيقومون بأداء الصلاة والصيام والزكاة والحج وفي نفس الوقت للأسف الشديد لايؤدون حقوق الناس.. فيخوضون في الاعراض ويتتبعون العورات ويملأ قلوبهم الحقد والحسد. أمثال هؤلاء هم المفلسون الذين تحدث عنهم النبي صلي الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الامام مسلم عن أبي هريرة: "اتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولامتاع. قال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام. وقد شتم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا. فيأخذ هذا من حسناته. وهذا من حسناته. فإن فنيت حسناتهم أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار. إن من أهم أسباب تلك الآفة هو مجاملة الجلساء من الاصدقاء ومسايرتهم ظنا أن الامر هين. وقد وصف الله عز وجل مثل هذا حينما تحدث علي لسان أهل النار "وكنا نخوض مع الخائضين".. ثم يكون أعظم أسبابها وهو القلب الخرب إلا من الكراهية والحقد والحسد علي الناس. يقول ابن تيمية: ومنهم من يحمله الحسد علي الغيبة فيجمع بين أمرين قبيحين: الغيبة والحسد. وإذا أثني علي شخص أزال ذلك عنه بما استطاع من تنقصه في قالب دين وصلاح أو في قالب حسد وفجور وقد ليسقط ذلك عنه. أيضا فإن الآفة الكبري والتي تغري بالحقد والحسد ثم الغيبة هي آفة حب الدنيا والحرص علي السلطة فيها. يقول الفضيل بن عياض: ما من أحد أحب الرياسة إلا حسد وبغي وتتبع عيوب الناس وكره أن يذكر أحد بخير. نعم حب السلطة يعمي. يجعل الانسان لايري في خصومه إلا السوء. ولا تقع عينه منهم إلا علي الاخطاء. تتضاءل أمامه الحسنات. وتعظم في عينه الزلات. فينطلق لسانه مذعورا يضرب يمينا ويسارا. وما لك كله إلا من حرصه علي السلطة. كيف أسلم من حقوق العباد تلك؟ كيف أقابل ربي نقيا ولا أكون من المفلسين؟ ربما يدور هذا السؤال في الاذهان الآن. وأنا اقول إن المفتاح هو تقوي الله والحياء منه سبحانه.. نعم.. استحوا من الله حق الحياء.. هكذا نصح النبي صلي الله عليه وسلم أصحابه. "استحيوا من الله عز وجل حق الحياء. قلنا: يا رسول الله إنا نستحي والحمد لله. قال: ليس ذاك. ولكن من استحي من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما حوي. وليحفظ البطن وما وعي.." فالحياء من الله وخشيته وتقواه كلها مترادفات تجعل المسلم واضعا ربه نصب عينيه دوما. مستحضرا معيته علي الدوام. فيتولد لديه شعور المراقبة. فتسمو روحه فوق الشهوات والملذات فلا تزل قدمه بعد ثبوتها.. ثم استحضر دوما مقدار الخسارة التي ستخسرها من حسناتك وتهديها لمن اغتبتهم من الناس. وضع حديث المفلس أمام عينيك دوما.. نعم.. الغيبة سبب إفلاسك. أكل حقوق الناس سبب إفلاسك. تتبع عورات الناس سبب إفلاسك أكل مال اليتيم سبب إفلاسك قولك الزور سبب إفلاسك.. كل ما يتعلق بالعباد ولا تتحرز عنه سبب إفلاسك. فاحذر أن تكون من المفلسين.. فساعتها لن تنفعك صلاة ولا صيام ولا زكاة ولا حج. وستخسر كل ما جمعت بسبب أنك لم تتورع عن حقوق العباد. وقانا الله وإياكم شر الافلاس ورزقنا الحب والتواد. وجعلنا من عباده التوابين. إنه خير مأمول واكرم مسئول.