انتهت سريعا أيام وليالي الشهر الكريم شهر رمضان المبارك.. اجتهد فيه من اجتهد قدر طاقته بالصيام والقيام وفعل الخيرات ومحاولة التقرب إلي الله تعالي لكن برحيله ترك في نفس كل مسلم السؤال الهام هل تقبل الله منا الصيام وما علامة ذلك القبول.. وما هو المطلوب منا بعد رحيل هذا الضيف العزيز؟! عقيدتي طرحت هذا السؤال علي العلماء ما علامة قبول الصيام.. فماذا قالوا!! في البداية قال الدكتور عبدالفتاح أبوالفتوح وكيل كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بجامعة الأزهر معرفة قبول العمل وخاصة الصيام أمر صعب لا يعلمه إلا الله عز وجل لكن الإنسان المؤمن قد يستشعر القبول بقلبه فالقلب هو مقياس الرضا فعندما يستشعر المرء أنه أدي ما عليه وصام رمضان إيمانا واحتسابا كما قال النبي صلي الله عليه وسلم استقر الرضا بقلبه عن هذا العمل فهذا يكون بمثابة مؤشر وعلامة من علامات قبول الصيام هذا استنادا لقول النبي صلي الله عليه وسلم "من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن" فالإنسان عندما يعمل العمل الطيب ويرضي بذلك يشعر بالرضا والقبول. وأضاف: رمضان مدرسة نتدرب فيها ولابد أن نخرج منها أفضل ما كنا بالغاية من رمضان التقوي والتقوي تعني الخوف من الله عز وجل فإن أخرج الإنسان من رمضان بالخوف من الله وظل به حاله كما كان في رمضان فليعلم أن الله عز وجل قد رضي عنه وتقبل صيامه وقيامه والأهم من ذلك أن يستديم الإنسان ويثبت علي الطاعة ويتزود منها بعد رمضان فهذا من مؤشرات القبول. صيانة الجوارح واستطرد: الصيام كما هو معروف من المعني المادي حبس النفس عن الطعام والشراب وكذلك الشهوة هذا الجانب المادي أما الجانب الروحي الحقيقي فهو أن يحبس المؤمن جوارحه عن معصية الله عز وجل.. فإذا أراد الإنسان أن يكون مقبول الصوم عليه أن يمنع نفسه وجوارحه عن معصية الخالق وأن يسخرها في طاعة وإذا نجح في ذلك طوال الشهر كان مقبول الصوم بإذن الله عز وجل وأولي هذه الجوارح السمع والبصر والفؤاد حيث يقول الله عز وجل "السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا" فبالنسبة للبصر عليه ألا يسمع ما يكره وأن يصون بصره ولا ينظر إلي ما حرم الله وأن يحفظ قلب ولا يضمر حقدا أو غلا أو سوءا لأخيه فإذا عصم الإنسان هذه الجوارح سيكون مقبول الصوم وبخاصة القلب لأنه هو الأساس لقول النبي صلي الله عليه وسلم: "إن في الجسد مضغة لو صلحت صلح الجسد كله ألا وهي القلب".. كما يجب علي الإنسان أن يعف لسانه فالصيام المقبول مرتبط بعف اللسان فاللسان آفة لقول النبي صلي الله عليه وسلم: "لا يستقيم إيمان العبد حتي يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتي يستقيم لسانه". لأن لسان الإنسان جدير بإفساد صومه بالغيبة والنميمة وفحش القول لقول النبي صلي الله عليه وسلم: "رب صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش".. كما أن الصوم المقبول منحصر في قول النبي صلي الله عليه وسلم: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وفي رواية أخري وما تأخر". فالصوم إيمان هو ما شرحناه مسبقا وهو الإيمان بما وقر في القلب وصدقه العمل بأن يكون هناك توافق بين الظاهر والباطن والالتزام بأوامر الله عز وجل واحتساب أي ثقة في الله عز وجل.. وليس هذا فحسب فقبول الصيام كما يقول د.أبوالفتوح مرتبط بحسن الخلق في علاقة الإنسان بربه وبالآخرين كما يقول النبي صلي الله عليه وسلم: "ليس هناك أثقل من ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق". كما أن الصوم الصحيح المقبول مرتبط بزكاة الفطر لقول النبي صلي الله عليه وسلم: "صوم رمضان معلق بين السماء والأرض لا يرفع إلا بزكاة الفطر". إجابة الدعاء وأشار الدكتور عبدالمهدي عبدالقادر أستاذ الحديث بجامعة الأزهر إلي أن المسلم يدرك وضعه الديني بقواعد وضعها الشرع فإذا أراد المسلم أن يعرف الدرجة الدينية التي بلغها في عموم دينه فليبحث عما إذا كان يستجيب الله دعاءه أما لا لقول الله عز وجل: "إنما يتقبل الله من المتقين".. فهذه قاعدة يختبر بها المسلم درجته الدينية ونفس الشيء في الصيام فالله تعالي وضع لنا قاعدة نستطيع أن نعرف بها مدي قبول الصيام أو رده استنادا لقول الله تعالي: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون" فإذا وصل المسلم لدرجة التقوي أي أن يحفظ كل جوارحه من معصية الله وترقي في دينه وعبادته وترك المعاصي بعد رمضان أكثر مما كان عليه قبل رمضان فهذا دليل علي قبوله صيامه.. أما إذا كان علي حاله فلا هو ابتعد عن الكذب ولا خشع في صلاته ولم يترك الغيبة والنميمة فهذا يعني أن الصيام لم يؤثر فيه ولم يرتق به لدرجة المتقين الصالحين. وأضاف: من علاقات قبول الله عز وجل للصيام أن يجد المسلم نفسه بعد رمضان أكثر تذوقا لذكر الله وأكثر فهما للقرآن الكريم وأكثر خشوعا في الصلاة.. فالقاعدة في قبول الأعمال عامة ليس الصيام وحدها.. أن ينتقل الإنسان من اسفل إلي أعلي في دينه وعباداته ويستمر علي هذا الترقي طوال العام.. لذا علي كل إنسان أن يبحث حاله ووضعه بعد رمضان ليعرف إن كان قد تقبل الله منه أم لا؟ استمرار الطاعة ووافقه الرأي الدكتور أحمد حسين إبراهيم وكيل كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر مؤكدا علي أن التوفيق إلي الطاعة من أهم علامات القبول فطاعة الله في تنفيذ أوامره وتجنب نواهيه من علامات قبول الأعمال وليس الصيام وحده وكما يقول ابن عطاء الله السكندري: "إذا أردت أن تعرف عند الله مقامك فانظر فيما أقامك" وكذلك استتباع الطاعة بمعني أن يظل الإنسان في طاعة بأن يعمل عمل خير ثم يدخل في غيره أن يكون في طاعة دائمة.. فإذا أردنا أن نعرف إذا كان الله قد تقبل منا صيامنا وقبلنا نري إذا كنا ندوم علي حالة الاستقامة بعد انقضاء رمضان أي أن الأخلاق التي عشناها في رمضان من كف للأذي وبعد عن الرفث والفسوق تدوم علينا بعد رمضان فهذه من علامات القبول أيضا وكذلك ما ذكره النبي صلي الله عليه وسلم من إخراج زكاة الفطر فهي كما قال: "طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين. وأضاف د.أحمد: التواضع لله بالأعمال من خمس علامات القبول كما جاء في الحديث القدسي: "إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي ولم يستطل بها علي خلقي وهم الأرملة والمسكينة وابن السبيل". فهذا يعني أن الإنسان إذا ما تواضع بالطاعة ولم يفاخر ولم يتباه بها علي المقصرين فهذا علامة من علامات القبول.. هذا بالإضافة إلي ضرورة امتلاء قلب الصائم العابد بالرحمة علي العباد وأن يسعي علي قضاء حوائج الناس من الفقراء والمساكين ويشفق عليهم ويتصدق عليهم مما أجاد الله عليه فهذه الرحمة من علامات قبول الصيام.. ومن ملامح توفيق الله للإنسان وقبوله خالص أعماله أن نستصحب الحالة التي كنا عليها في رمضان إلي ما بعد رمضان كالصبر والتحمل والمراقبة والإحساس بالجوعي والفقراء والمداومة علي الطاعة والشكر علي النعمة فهذه الأخلاق ينبغي أن تكون معنا بعد رمضان لأنها إذا استمرت معنا فهذا يدل علي أن الله قد تقبل صيامنا وقيامنا وكل ما فعلناه طوال الشهر الكريم.