كان سعد زغلول زعيماً شعبياً التف حوله المصريون جميعاً. يهتفون باسمه. ويرفعون شأنه. ويعشقونه عشقاً أذاب قلوبهم. وملك عقولهم ونفوسهم إلي حد الوله. ونسج الأساطير حول عظمة سعد وزعامة سعد وتأييد الله سبحانه وتعالي لسعد مما جعل الفلاح المصري في ريف مصر يتغني باسمه ويحكي لأهله وناسه ان أوراق الزرع في الحقل نبتت تحمل عبارة يحيا سعد. وأن الماشية في الحظائر والحقول هتفت يحيا سعد.. باختصار كان سعد زغلول فخر الأمة وأملها وقائدها نحو الاستقلال التام أو لموت الزؤام.. إلا ان هذا الحب الجارف. والتأييد المطلق لم يمنع كاتباً سياسياً ومفكراً مثل الدكتور محمد حسين هيكل صاحب الكتب العديدة وأول قصة مصرية "زينب" وحياة محمد وفي منزل الوحي والفاروق عمر وغيرها من الكتب السياسية والدينية - لم يمنعه - أن يكتب حين كان رئيساً لتحرير جريدة السياسة سلسلة مقالات هاجم فيها سعد زغلول هجوماً لاذعاً وعنيفاً وقاسياً تضمن هذا الهجوم وصف زعيم الأمة بأنه نصاب وأفاق وخائن ثقة الشعب وباع بلاده للانجليز. لم يجد سعد زغلول الزعيم ورئيس الوزراء ملجأ له إلا تقديم بلاغ للنائب العام والذي قدم الكاتب لمحكمة الجنايات. لم يقدم محبوساً احتياطياً ولم يأمر النائب العام بالقبض عليه وإلقائه وراء الأسوار وان شئت قل وراء الشمس. أصدرت المحكمة حكمها الرائع الجميل ببراءة الكاتب. وقالت في حثيياته ان من يلي عملاً عاماً وعلي من يمارس هذا العمل ان يتحمل النقد الذي يوجه إليه وإلي عمله. وانما قاله الصحفي يدخل في مجال النقد المباح. ومن حق الصحفي ان يصفه بالأوصاف التي يراها فيه. بعد دستور 1923 تقدم للترشيح يحيي باشا إبراهيم وهو وزير الداخلية فيخسر المنافسة لصالح أحد الفلاحين من عائلة مرعي صورة جميلة رائعة تعد نموذجاً لحرية الرأي. صورة مضيئة أخري لحرية الصحافة في النصف الأول من القرن العشرين الذي يمثل في تاريخنا قمة الحرية وقمة الإبداع الأدبي والفكري والاقتصادي رحم الله رائده طلعت حرب.