الرقابة النووية تطمئن المصريين: لا مؤشرات على أي تغيّر إشعاعي داخل البلاد    الرئيس يشدد على إنجاز مشروعات «حياة كريمة» وفق الجداول الزمنية المحددة دون تأجيل    مدبولي: التصعيد بالمنطقة ربما بتسبب في حرب إقليمية بكل ما تعنيه الكلمة    شركة سكاى أبو ظبي تسدد 10 ملايين دولار دفعة مقدمة لتطوير 430 فدانا فى الساحل الشمالي    الرئيس عبد الفتاح السيسي يتلقى اتصالاً هاتفياً من نظيره التركي رجب طيب أردوغان    ديمبيلي يكشف عن الهدف الأهم فى مسيرته    ولي العهد السعودي يبحث مع رئيس وزراء بريطانيا تداعيات العمليات الإسرائيلية ضد إيران    باحث عمانى: جميع الخيارات مطروحة لإنهاء الحرب أو استمرارها    ميسي يغازل التاريخ من بوابة الأهلي    "على أنغام عبدالباسط حمودة".. الحضري ينشر صورة مع رئيس الفيفا    مصرع شاب صعقًا بالكهرباء في قنا    السعودية تنشئ غرفة عمليات خاصة وتضع خطة متكاملة لخدمة الحجاج الإيرانيين    الأكاديمية المصرية بروما تحتفي بالحضارة العربية.. والعراق أول المشاركين    جهاد حرب: 3 سيناريوهات محتملة للتصعيد الإيراني الإسرائيلي    موعد عرض مسلسل «فات الميعاد» على «DMC»    بأغاني رومانسية واستعراضات مبهرة.. حمادة هلال يشعل أجواء الصيف في حفل «بتروسبورت»    «الصحة» تُصدر تحذيرات وقائية تزامناً مع ارتفاع درجات الحرارة واقتراب فصل الصيف    لتفقد المنشآت الرياضية.. وزير الشباب يزور جامعة الإسكندرية- صور    جامعة سيناء تعلن فتح باب القبول لطلاب الثانوية العامة وما يعادلها بفرعي القنطرة والعريش    الأكاديمية العسكرية تحتفل بتخرج الدورة التدريبية الرابعة لأعضاء هيئة الرقابة الإدارية    امتحانات الثانوية العامة.. الصحة تعتمد خطة تأمين أكثر من 800 ألف طالب    تعاون بين «إيتيدا» وجامعة العريش لبناء القدرات الرقمية لأبناء شمال سيناء    توريد 225 ألف طن قمح للشون والصوامع بكفر الشيخ    كأس العالم للأندية.. باريس الباحث عن موسم استثنائي يتحدى طموحات أتلتيكو    ب"فستان جريء".. أحدث ظهور ل ميرنا جميل والجمهور يغازلها (صور)    رئيس الوزراء يتفقد مركز تنمية الأسرة والطفل بزاوية صقر    الزمالك يفكر في استعادة مهاجمه السابق    محافظ كفر الشيخ يُدشن حملة «من بدري أمان» للكشف المبكر عن الأورام    لطلاب الثانوية العامة.. نصائح لتعزيز القدرة على المذاكرة دون إرهاق    جامعة جنوب الوادي تشارك في الملتقى العلمي الثاني لوحدة البرامج المهنية بأسيوط    «التعليم العالي» تنظم حفل تخرج للوافدين من المركز الثقافي المصري لتعليم اللغة العربية    والد طفلة البحيرة: استجابة رئيس الوزراء لعلاج ابنتى أعادت لنا الحياة    إزالة 60 حالة تعد على مساحة 37 ألف م2 وتنظيم حملة لإزالة الإشغالات بأسوان    بعد توصية ميدو.. أزمة في الزمالك بسبب طارق حامد (خاص)    إعلام عبرى: نقل طائرة رئيس الوزراء الإسرائيلى إلى أثينا مع بدء هجوم إيران    رئيس جامعة القاهرة يهنئ عميدة كلية الإعلام الأسبق بجائزة «أطوار بهجت»    خبير اقتصادي: الدولة المصرية تتعامل بمرونة واستباقية مع أي تطورات جيوسياسية    السجن المؤبد ل5 متهمين بقضية داعش سوهاج وإدراجهم بقوائم الإرهاب    تخفيف عقوبة السجن المشدد ل متهم بالشروع في القتل ب المنيا    فضل صيام أول أيام العام الهجري الجديد    أهم أخبار الكويت اليوم السبت 14 يونيو 2025    ثقافة الإسماعيلية تنفذ أنشطة متنوعة لتعزيز الوعي البيئي وتنمية مهارات النشء    غدا.. بدء التقديم "لمسابقة الأزهر للسنة النبوية"    غدا .. انطلاق فعاليات مؤتمر التمويل التنموي لتمكين القطاع الخاص    "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" ومؤسسة "شجرة التوت" يطلقان فعاليات منصة "القدرة على الفن - Artability HUB"    باستخدام المنظار.. استئصال جذري لكلى مريض مصاب بورم خبيث في مستشفى المبرة بالمحلة    طلب إحاطة يحذر من غش مواد البناء: تهديد لحياة المواطنين والمنشآت    إجرام واستعلاء.. حزب النور يستنكر الهجمات الإسرائيلية على إيران    إيران تؤكد وقوع أضرار في موقع فوردو النووي    وكيل تعليم الإسماعيلية يجتمع برؤساء لجان الثانوية العامة    ضبط 3 عاطلين وسيدة بتهمة ارتكاب جرائم سرقات في القاهرة    الطبيب الألماني يخطر أحمد حمدي بهذا الأمر    إحالة عامل بتهمة هتك عرض 3 أطفال بمدينة نصر للجنايات    الصحة: قافلة متخصصة في جراحات الجهاز الهضمي للأطفال ب«طنطا العام» بمشاركة الخبير العالمي الدكتور كريم أبوالمجد    حجاج مصر يودّعون النبي بقلوب عامرة بالدعاء.. سلامات على الحبيب ودموع أمام الروضة.. نهاية رحلة روحانية في المدينة المنورة يوثقوها بالصور.. سيلفي القبة الخضراء وساحات الحرم وحمام الحمى    جماهير الأهلي توجه رسائل مباشرة ل تريزيجية وهاني قبل مباراة إنتر ميامي (فيديو)    «الإفتاء» توضح كيفية الطهارة عند وقوع نجاسة ولم يُعرَف موضعها؟    ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نَفَحَاتٌ مِنْ وَقْفَةِ عَرَفَات
نشر في اليوم السابع يوم 05 - 06 - 2025

حين تشرق شمس يوم عرفة، تمتد أنظار المؤمنين إلى جبل الرحمة، وتنبض القلوب بذكر الله، وتخشع الأرواح في موقف هو الأعظم في الدنيا، حيث يقف ملايين الحجيج في ساحة الطهر والمغفرة، بين يدي الله، شعثًا غبرًا، لا يميزهم لباس، ولا تفصلهم مناصب أو ألقاب. يقفون على صعيد واحد، متجردين من كل زخرف الدنيا، متساوين في الهيئة والمظهر، متوحدين في الغاية والمقصد: "لبيك اللهم لبيك". إنّ مشهد عرفات يختصر رسالة الإسلام في أبهى صورها: توحيد، تجرّد، مساواة، تسامح، ووقوف خاشع بين يدي الغفور الرحيم.
الحج، في جوهره، عبادة عظيمة، يجتمع فيها القلب والبدن والمال في طاعة واحدة، وهو فريضة كتبها الله على من استطاع إليها سبيلًا، كما قال سبحانه: {ولله على الناس حجُّ البيت من استطاع إليه سبيلًا} [آل عمران: 97].
وقد منّ الله على عباده بأن جعل هذه الفريضة موسمًا للرحمة والغفران، وجعلها كفارة لما سبق من الذنوب، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه". [رواه البخاري ومسلم].
وقال الحسن البصري رحمه الله: "الحج المبرور أن يرجع صاحبه زاهدًا في الدنيا، راغبًا في الآخرة".
ومن عظمة هذه الشعيرة أن الله يسّرها على عباده، ورفع عنهم المشقة والحرج، فجاءت أحكامها قائمة على الرخص والتيسير في كل مراحلها، وقد قال تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة: 185]، وقال أيضًا: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج: 78].
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ما سُئل يوم النحر عن شيء قُدِّم أو أُخِّر إلا قال: "افعل ولا حرج". [رواه البخاري ومسلم]. وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: "ومن محاسن الشريعة أنها أُسِّست على الرفق والتيسير، واعتبار الأعذار".
وهذا التيسير لم يكن في الأفعال وحدها، بل في التكليف نفسه، إذ جعل الله شرطًا لوجوب الحج أن يكون الإنسان مستطيعًا، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "من كان له زاد وراحلة يبلّغانه إلى بيت الله ولم يحج، فلا عليه أن يموت يهوديًا أو نصرانيًا".
وقد ورد في الأثر أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يكتب إلى الأمصار: "انظروا من كان له جدة ولم يحج، فاضربوا عليه الجزية، ما هم بمسلمين".
والاستطاعة تشمل المال والبدن وأمن الطريق وتنظيم السلطات، ومنها إذن الدولة، وقد أفتى العلماء المعاصرون بأنه إذا منعت الدولة الحج لأسباب تنظيمية أو صحية، فإن ذلك يدخل في باب "زوال الاستطاعة"، ولا إثم على من لم يذهب حينها، لأن الله لا يكلّف نفسًا إلا وسعها، كما في قوله تعالى: {لا يُكلّف الله نفسًا إلا وسعها} [البقرة: 286].
ومن رحاب التيسير، إلى فيض الروحانية، نقف على مشارف يوم عرفة، هذا اليوم الذي شهد نزول أعظم آية في تاريخ التشريع، يوم قال الحق سبحانه: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا} [المائدة: 3]. وقد بكى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند سماعها وقال: "ما بعد الكمال إلا النقص".
ويكفي هذا اليوم قدرًا أن الله يُباهي بأهله ملائكته، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يُباهي بأهل عرفة أهل السماء". [رواه أحمد]. وقال أيضًا: "ما من يوم أكثر من أن يُعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة". [رواه مسلم]. فهو يوم تتفتح فيه أبواب السماء، وتُرفع فيه الدعوات، وتُغفر فيه الزلات، وتُستجاب فيه الدعوات الصادقات.
ويوم عرفة ليس حكرًا على أهل الموقف وحدهم، بل هو فرصة عامة، لكل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها، ليصومه ابتغاء الأجر، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يُكفّر السنة التي قبله والسنة التي بعده". [رواه مسلم].
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يصومه إذا لم يكن في الحج، ويحثّ الناس عليه، وكذلك فعلت عائشة رضي الله عنها.
ومعنى "عرفات" كما ذكر بعض المفسرين يعود إلى تعارف آدم وحواء فيها، وقيل: لتعارف الحجيج عليها، أو لتعارف الناس على الله تعالى بتوحيدهم ودعائهم فيها، وقد قال السدي: "سميت عرفات؛ لأن الناس يتعارفون فيها".
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحج عرفة، من جاء قبل صلاة الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه". [رواه الترمذي وصححه الألباني]. فدل ذلك على أن الركن الأعظم في الحج هو هذا الوقوف، ومن فاته فقد فاته الحج كله.
وفي هذا اليوم الجليل، يُستحب للمسلم أن يُكثر من الذكر والدعاء والتلبية، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير". [رواه الترمذي].
وقال الفضيل بن عياض: "إذا وافقت دعوة يوم عرفة قلبًا خاشعًا ولسانًا صادقًا، ارتفعت بإذن الله فلا تُرد".
ولعل من أعظم ما يُدهش القلوب في مشهد عرفة، ذلك المنظر العظيم لوحدة الأمة، إذ يقف الناس من شتى الأجناس والبلدان واللغات، على صعيد واحد، لا فرق بين غني وفقير، أو ملك وخادم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع:
"يا أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا أعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى". [رواه أحمد].
وقد علّق ابن رجب الحنبلي رحمه الله على هذا فقال: "جُمع في الحج بين أنواع التذلل لله، ففيه الذل بالبدن واللباس والفقر والسفر، فلا يبقى في القلب عجب ولا استعلاء، بل يتساوى الخلق جميعًا".
وهكذا، يقف الناس على عرفات بأجسادهم، لكنهم في الحقيقة يقفون بقلوبهم على أبواب السماء، يرجون المغفرة والقبول، ويفتحون صفحات جديدة من الأمل، متشبثين برحمة الله، طامعين في رضوانه. ومن لم يُكتب له الوقوف بعرفات، فلا يُحرم من فضل يومها، فكم من عبدٍ وقف بقلبه وإن لم يقف بجسده، وكم من باكٍ في محرابه كان أقرب إلى الله من حاجٍ لاهٍ في الموقف، فليس القرب بالجسد وحده، بل بالقرب من الله، والخشوع، والإخلاص، والدعاء الصادق.
فلنغتنم هذا اليوم الكريم، ولنُطهر قلوبنا من الأحقاد، ولنجدد العهد مع الله، عسى أن نُكتب في ديوان العتقاء، ويُختم لنا بالمغفرة والرضا.
اللهم اجعل لنا من وقفة عرفات أوفر الحظ والنصيب، واكتبنا فيها من المقبولين، ووفّقنا للعمل الصالح بعدها، واجعلها بداية لتوبة صادقة لا رجعة فيها.
اللهم اجعل لمصرنا أمنًا وأمانًا، وبارك في شعبها وجيشها وقيادتها، ووفّقها لما تحب وترضى، واجعلها ذخراً للإسلام والمسلمين.
اللهم فرّج كرب أهلنا في القدس، وحرّر المسجد الأقصى من دنس الاحتلال، واحفظ الحرمين الشريفين وأرض الحرمين من كل سوء، ووفق قادتها لخدمة دينك وعبادك.
اللهم ارزق أمتنا الإسلامية وحدة الكلمة، وصفاء القلوب، وسَعة الرحمة، وانشر السلام في ربوع العالمين، وادفع عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين، وتقبّل شهداءنا، واكتب لهم أعلى المنازل في الفردوس الأعلى، واجعلنا جميعًا من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، برحمتك يا أرحم الراحمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.