البلح .. مصدر الدخل الوحيد للفلاح بالوادي الجديد يكاد يفقد عرشه الذي تربع عليه منذ عشرات السنوات بعدما أصيب هذا العام بكارثة كبيرة أدت لانخفاض أسعاره بمقدار النصف عن الأعوام السابقة علاوة علي دخول بلح العراق المضروب جهارا نهارا إلي حلبة المنافسة وغزو تمور السعودية والإمارات والمغرب لغالبية الأسواق العالمية بأسعار تقل عن مثيلاتها بالوادي الجديد لأكثر من 30% ضاعف من حجم المأساة أن البنوك تهددهم وتطاردهم لاسترداد قروضها والفوائد المستحقة عليها .. حقا إنها مأساة حولت حياة الفلاحين والمنتجين والتجار وأصحاب المصانع إلي جحيم لا يطاق.. فمن يصدق أن البلح مصدر فرحهم يتحول إلي مصدر لأحزانهم فقد تحالف ضدهم في وقت واحد الوسطاء وكبار التجار والمصدرون.. حقا يجب أن تتضافر جميع الجهود الحكومية والأهلية ومنظمات المجتمع المدني لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.. فهنا علي أرض الوادي الجديد 35 مصنعا مرخصا لتعبئة وتغليف وتخزين البلح و128 وحدة لإنتاج التمور وعشرات الثلاجات الأهلية العملاقة بها أكثر من 12 ألف طن من أجود أنواع البلح تم تخزينه منذ 9 أشهر كاملة حتي تأتي اللحظة المناسبة لتسويقه محليا وعالميا ومضت الأيام والشهور واللحظة لم تأت بعد وكلما مضي الوقت زاد الهم وتضاعفت الأحزان وتراكمت الديون .. مصانع ووحدات وثلاجات يعمل بها أكثر من 40 ألف من شباب وفتيات الواحات.. وتستوعب المئات من الأيدي العاملة في عمليات التحميل والنقل والتسويق .. مصانع تساهم في إنعاش 16 حرفة وصناعة مكملة لكنها أصيبت بالتخمة وتبحث عن فرصة للبوح بخيراتها مهما كانت الأسعار . الحكاية كما يرويها أيمن جاد حمد الله صاحب مصنع لتعبئة وتغليف البلح بدأت منذ عام تقريبا عندما قامت المحافظة بتحديد تسعيرة ودية لبيع كيلو البلح الخام من المنتجين بمبلغ 7 جنيهات ونصف وهي كما تري تسعيرة مبالغ فيها جدا مقارنة بسعر أي فاكهة في موسم الإنتاج ولم تراع المحافظة في تلك التسعيرة سوي طرف واحد فقط وهو المنتج علي حساب العناصر الأخري مثل الوسطاء وأصحاب المصانع والمصدرين وحالة السوق العالمي وأخذ مجمع التمور التابع للمحافظة ومصانع الجمعية المركزية الزراعية زمام المبادرة وقاموا بشراء البلح من المزارعين والمنتجين بهذا السعر المبالغ فيه حتي وصل في نهاية الموسم إلي 8 جنيهات في سابقة لم تحدث من قبل وبطبيعة الحال تباري أصحاب المصانع الخاصة بالشراء بنفس الأسعار حفاظا علي مصدر رزقهم الوحيد مشيرا إلي أن موسم جني المحصول يبدأ اعتبارا من شهر أغسطس وينتهي في سبتمبر ويقوم أصحاب المصانع طوال تلك الفترة بتبخير البلح ثم عمليات الغسيل والتجفيف والفرز والتعبئة والتخزين في ثلاجات عملاقة لمدة تصل إلي 9 أشهر كاملة لحين بدء موسم التسويق وغالبا ما يكون قبيل شهر رمضان مباشرة وهذه المراحل الخمسة تزيد من تكلفة كيلو البلح ثلاثة جنيهات أخري ليصل ثمن الكيلو في النهاية إلي 11 جنيها بدون احتساب أي هامش ربح في الوقت الذي يباع فيه بلح العراق بثمن بخس لا يتعدي 3 جنيهات للكيلو الواحد.. ضاعف من حجم المأساة دخول دول أخري لسوق التصدير بقوة مثل السعودية والمغرب والإمارات و لجأ بعض المصدرين والتجار إلي بلح العراق الرخيص جدا والذي يدخل مصر كعلف للحيوان والماشية ثم يعاد فرزة وتنقيته وتعبئته بمصانع غير مرخصة تحت بير السلم ويتم تصديره إلي دول شرق أسيا وبعض الدول الأوروبية هذا في الوقت الذي حافظت فيه الواحات البحرية علي سعر البلح بما لا يتجاوز الخمسة جنيهات وبالتالي خرج بلح الوادي الجديد من مولد التسويق بلا حمص. أضاف سمير خير صاحب مصنع أن المصانع مهددة بالإغلاق والعمال بالتشريد والتجار بالإفلاس بسبب سياسة التسويق الخاطئة والمبالغة في الأسعار فضلا عن فتح الباب علي مصراعيه لخروج البلح الخام أثناء موسم الحصاد إلي المحافظات الأخري التي تعيد تعبئته بطريقة سيئة بعد خلطه بالبلح العراقي مما أضر بالعلامة التجارية لبلح الوادي مشيرا إلي ضرورة وضع أسس ملزمة للتعامل فيما بين الطرفين المنتج وصاحب المصنع بما لا يضر بطرف لحساب الآخر كما حدث هذا العام وحلا للمشكلة الحالية يجب أن تتدخل الحكومة فورا في تسويق الكميات المحفوظة من البلح والتي تقدر بأكثر من 12 ألف طن لأن عدم تسويقها في الوقت المناسب سيدمر أهم صناعة بالواحات فضلا عن إفلاس أصحاب المصانع وملاحقتهم قضائيا بسبب الالتزامات المادية والقروض البنكية وقال صلاح حسين مدير مصنع إن بلح الواحات أصيب في مقتل هذا العام بسبب المضاربات والمبالغة في الأسعار حتي وصل سعر الطن الواحد لأكثر من 12 ألف جنيه.