أكثر الحقائق تأكيداً في موضوع الاتفاق الامريكي الايراني أنه في الوقت الذي فكرت حكومة أوباما في الموضوع نووياً تطلع النظام طهران الي المكاسب جغرافياً وكذلك سعت الاطراف العالمية المتباينة الي تحقيق اهدافها ومصالح شعوبها. الجميع يفكر فيما سينفعه ولا يضره دون عواطف أو ايديولوجيات. المسألة محسوبة بأسعار البترول العالمية ومعدلات بيع السلاح في المنطقة والتوزنات الاقليمية ومعايير الجغرافيا السياسية والصراعات المذهبية وأخيراً الضوابط العلمية لتصنيع القنبلة النووية.. وعلينا أيضاً ان ننظر بنفس المقاييس ونحافظ علي مصالحنا بطريقة عملية بعيداً عن العواطف والميول التي قد تدفع للوقوف مع أو ضد دون حسابات علمية دقيقة . بعد سنوات طوال من الحصار الغربي الخانق ضد إيران وشهور من المفاوضات تم التوصل إلي إتفاق عام أطلق عليه ¢اتفاق معايير¢ لا يتضمن أي تفاصيل سواء تعجيزية أو قابلة للتطبيق فما تم قبل أيام لا يعدو كونه اتفاقا مبدئياً framework لم يتم خلاله توقيع أي أوراق رسمية. ولم يتم الاتفاق علي تنفيذ ¢تفاصيل¢ ومازلنا في مرحلة انتظار اتفاق نهائي بحلول شهر يونيو. يري البعض في الاتفاق اعلان استسلام ايراني بينما يعتبره أخرون وثيقة تثبت النفوذ الجديد لايران في المنطقة. غير ان غياب الوثيقة الموقعة يعني الابتعاد عن المبالغات حتي تتم الصفقة نهائياً خاصة في ظل التصريحات المعلنة لكل طرف بأنه الرابح الأكبر من الاتفاق. توقيت الاتفاق زاد من خطورته فالمنطقة تشهد العديد من الصراعات ويسعي العرب للتعامل معها وفهم ابعادها الحالية وبالطبع لسنا في حاجة الي اضافة المزيد من التعقيدات من خلال اللعب الامريكي الايراني حيث تبدلت العديد من قواعد اللعبة ومنها قاعدة أن ايران عدو امريكا اللدود واسرائيل صديقها الأقرب وكذلك المبدأ الايراني الشهير بأن الولاياتالمتحدة هي الشيطان الأكبر. والان تعتبر إدارة أوباما إيران شريكا ليس من خلال التفاوض النووي فحسب بل أيضا في عملياتها العسكرية ضد تنظيم داعش في العراقوسوريا. وبالتالي فالشعور بالغضب من الاتفاق ليس له محل واعتبار ايران أو الولاياتالمتحدة دولاً ¢شريرة¢ وصف غير منتج.. فلقد سعت ايران لسنوات طويلة لاحترام تعهداتها مع الغرب. ورغم صراخ نتنياهو في الكونجرس من الاتفاق الا ان مشكلات ايران تاريخياً كانت باتجاه العرب وليس اسرائيل. وسلوك إيران الفعلي كان باتجاه تعظيم النفوذ الفارسي الشيعي. وتمكين الأنظمة الموالية من السيطرة علي أربع دول عربية مهمة وهي العراقوسوريا واليمن ولبنان. فهي في البحرين محركة للعديد من الاحداث. وفي اليمن داعمة للحوثيين. وفي العراق لها النفوذ الأكبر. وفي سوريا تقود المعارك علي الارض. اما في لبنان فقد عطلت ولا تزال تعطل تشكيل الحكومة. ولا شك أن شهور المفاوضات شملت مسائل دعم ايران للنظام السوري وحزب الله وحركة حماس والحوثيين. وأن لم يكن هذا فوق طاولة التفاوض فبلا شك اسفلها والا كيف غضت أمريكا الطرف عن الدور الإيراني في كل من العراقوسوريا وتحريك الميليشيات الموالية المدعومة بالحرس الثوري بل وتراجعت وتراجعت واشنطن عن سياستها تجاه الأسد. السماح لإيران بأن تكون دولة نووية سيؤجج الصراع في المنطقة وينهي التطلع لاخلاء المنطقة من السلاح النووي فبنفس الطرق والأليات التي سعت اليها طهران ستحاول دول أخري أن تمتلك التكنولوجيا النووية.