أنعم الله سبحانه وتعالي علي الإنسان بموارد طبيعية متعددة تساعده علي الحياة علي سطح الأرض. وجعل بين تلك الموارد توازناً يضمن استمرار الحياة. إلا أن الإنسان قد أساء استغلالها لتحقيق أكبر قدر ممكن من وسائل الراحة والرفاهية. وتمادي في محاولة سيطرته علي الطبيعة بفضل التقدم العلمي والصناعي والزراعي والتكنولوجي. كما كان لتضاعف عدد السكان وتنوع أنشطتهم أثر كبير علي الطبيعة من حولهم. والبيئة هي الوسط المحيط بالإنسان بكل جوانبه المادية وغير المادية البشرية وغير البشرية. فهي تعني كل ما هو خارج عن كيان الإنسان وكل ما يحيط به من هواء وماء وأرض وما يحيط به من كائنات حية أو جماد. وأصبحت ظاهرة تلوث البيئة واضحة المعالم. فقد اختل التوازن بين عناصر البيئة ولم تعد قادرة علي تحليل مخلفات الإنسان. أو استهلاك النفايات الناتجة عن أنشطته المختلفة. وأصبح جو المدن ملوثاً بالدخان المتصاعد من مداخن المصانع ومحطات القوي. وتلوثت البيئة والتربة نتيجة الاستعمال الكثيف للمخصبات الزراعية والمبيدات الحشرية. كذلك لم تسلم المجاري المائية من التلوث. فمياه الأنهار والبحيرات في كثير من الأماكن أصبحت ملوثة نتيجة ما يلقي فيها من مخلفات الصناعة وفضلات الإنسان والنفايات الأخري. وتعد الاستخدامات النووية أكثر المجالات تأثيراً علي البيئة. ونحن جميعاً نتذكر قيام أمريكا بقصف مدينتي هيروشيما وناجازاكي باليابان عام 1945 مما أدي إلي قتل حوالي ربع مليون شخص ومئات الآلاف من المصابين. إضافة إلي الحروق الاشعاعية ومضاعفات الأمراض والتسمم الإشعاعي ونتذكر أيضاً التسرب النووي الذي حدث في مفاعل تشرنوبيل عام 1986 بالاتحاد السوفيتي "آنذاك" نتيجة انصهار مركز المفاعل بسبب أخطاء تقنية.. وأدت قوة الانفجار إلي انطلاق ما يوازي "8" أطنان من الوقود النووي إلي السماء.. وقدرت الموارد المشعة التي انبعثت من المفاعل ما يعادل تأثير حوالي "200" قنبلة كالتي ألقيت علي هيروشيما.. وسببت تلوثاً كبيراً في أجواء جزء كبير من أوروبا. وأدي الحادث إلي وفاة حوالي ألفي شخص وإصابة ثمانية آلاف شخص إضافة إلي إصابة مئات الآلاف بالإشعاعات علي درجة متفاوتة مما تسبب في الكثير من الأمراض خصوصاً السرطان والإعاقات والتشوهات. وبلغت الخسائر المادية أكثر من ثلاثة مليارات دولار إضافة إلي تهجير أكثر من "200" ألف ساكن وتحولت المدن بالمنطقة إلي مدن أشباح. كما أن التجارب النووية التي تقوم بها الدول النووية بين حين وآخر تحت باطن الأرض أو تحت سطح البحار والمحيطات سواء لاختبار تكنولوجيا جديدة أو لاستعراض القوة والتهديد بها عند وجود منازعات حدودية بين دولتين نوويتين. وتسبب هذه التجارب هزات أرضية وزلازل للمناطق المجاورة لتلك التجارب فضلاً عن تلويثها للأرض والمياه. كما تسبب الإنسان بالعديد من الصناعات في استنزاف طبقة الأوزون.. وهي الطبقة التي خلقها الله سبحانه وتعالي لتغلف كوكب الأرض لتسمح بالحياة. حيث تسمح بنفاذ جزء بسيط من الأشعة فوق البنفسجية متوسطة المدي بالقدر اللازم فقط للحياة وتعكس جميع الاشعاعات الضارة الأخري.. ويؤدي اتساع ثقب الأوزون إلي آثار عديدة من بينها خلل جهاز المناعة لدي الإنسان وأضرار بالعيون والإصابة بسرطان الجلد وتأثيرات سلبية عديدة علي الحيوانات والنباتات والمناخ.. وعندما استشعر المجتمع الدولي خطورة هذا الأمر تم توقيع اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون "1985" وألحق بها بروتوكول مونتريال "1987". وغيرها من الاتفاقيات.. ومن المعتقد أنه إذا التزم المجتمع الدولي بتطبيق الاتفاقيات الدولية في هذا المجال فإن طبقة الأوزون سوف تتعافي بحلول عام .2050 ومازال الإنسان مصراً علي تشريط وتقطيع رئته التي يتنفس من خلالها ونعني ذلك الإصرار الشديد علي تقطيع الغابات والأشجار التي خلقها المولي سبحانه وتعالي لتحدث التوازن بين الإنسان والنبات حيث يحتاج الإنسان إلي الأكسجين ويمنح النبات ثاني أكسيد الكربون الذي يحتاجه.. ونتيجة لذلك تقل نسبة الأكسجين وتزداد نسبة ثاني أكسيد الكربون مما يؤدي إلي ارتفاع درجة حرارة الأرض وتغيرات في المناخ وتزايد ظاهرة الاحتباس الحراري.. وقد نزح حوالي "20" مليون شخص من موطنهم بسبب هذه الظاهرة ومن المتوقع نزوح "50" مليون شخص آخرين في الأعوام القليلة القادمة. ولقد عقدت مؤتمرات دولية عديدة لمحاولة الحد من هذه الظاهرة ومن ذلك قمة الأرض الأولي في ريودي جانيرو بالبرازيل 1992. ثم قمة الأرض الثانية في جوهانسبرج بجنوب افريقيا عام 2003 تلاها قمم أخري في كيدتو في اليابان وكوبنهاجن بالدنمارك. وغيرها.. إلا أنها لم تحقق نجاحات تذكر بسبب الصراع الأزلي بين اعتبارات الحفاظ علي البيئة وبين الرغبة المحمومة من الدول الرأسمالية في تحقيق أعلي معدلات الربح دون الالتفات إلي أهمية الحفاظ علي البيئة. ولاشك أنه توجد صلة وثيقة بين الحق في أن نعيش في بيئة نظيفة وبين حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مثل الحق في التعليم والصحة والعمل وغيرها من الحقوق.. لأن البيئة السليمة الخالية من الملوثات توفر المناخ المناسب للإنسان حتي يكون أكثر قدرة علي التمتع بحقوقه وحرياته. وعندما ننظر إلي حالنا في مصر نعلم أنه لا يرضي أي إنسان. فها نحن نشاهد التلوث الشديد في نهر النيل والإهدار غير المبرر للمياه. وما تسببه عوادم المصانع وقمائن الطوب وحرق الأرز من تلوث وأكوام النفايات وتلال المخلفات الملقاة بالطرق والشوارع. وانبعاثات عوادم السيارات. والاستخدام الهيستيري لآلات التنبيه من السيارات والدراجات البخارية التي تصيب المواطنين بالازعاج الشديد والتوتر العصبي مما يؤثر علي حالتهم النفسية والصحية.. إضافة إلي العشوائيات في الكثير من المحافظات بسبب عدم الالتزام بقواعد منضبطة في أعمال البناء والتشييد وإنشاء الجراجات.. وغير ذلك الكثير والكثير. ألم يأت الوقت الذي نرحم فيه أنفسنا. وأن نقف وقفة جادة نراجع فيها تصرفاتنا. حتي نصلح من أحوالنا. ونعدل من سلوكياتنا. حتي نحيا في بيئة أفضل.. تحفظ لنا حياتنا وصحتنا. وتوفر لأبنائنا وأحفادنا حياة آمنة حتي يدعوا لنا بالخير.. بدلاً من أن يصبوا علينا لعناتهم.