البيت مثابة وسكن وفي ظله تدرج الحداثة وتنبت الطفولة ومن سماته تأخذ سماتها وطابعها وفي جوه تنتفس وتتكيف.. وكم من أحداث وحوادث وقعت علي مسرح المجتمع واثرت وفي سير التاريخ تكمن بواعثها الخفية في مؤثرات بيتية.. يصور الإسلام العلاقة البيتية تصويراً رفافاً شفيفاً يشع منه التعاطف وترف فيه الظلال ويشع فيه الندي ويفوح منه العبير.. والقرآن الكريم لا يذكر المرأة في الغالب إلا مقرونة بالنسل مسئولة عن البيت المسلم: الخلية الأولي في المجتمع المسلم.. ولنقصر علي تلك الآية من سورة النحل كنموذج من آيات كثار: يقول تبارك وتعالي "والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات" النحل "72": أراي كيف ساق القرآن نعمة التزويج والانجاب وذكر البنين والحفدة للايحاء بجوء الأسرة والاحساس بحياة البيت المسلم؟ ذلك ليفقه المسلمون إن وظيفة المسلم اساساً هي تلك الوظيفة لا تتجاوزها إلي غيرها.. ولا تتخلي عنها إلا حين تختل القيم؟؟. ولكي يهيئ الإسلام للبيت جوه ويهييء للفراخ الناشئة فيه رعايتها: اوجب علي الرجل النفقة وجعلها فريضة كي يتاح للأم من الجهد ومن الوقت ومن هدوء البال ما تشرف به علي هذه الفراخ الزغب وما تهييء به للمثابة نظامها وعطرها وبشاشتها: فالأم المكدودة بالعمل للكسب المرهقة بمقتضيات العمل. المقيدة بمواعيده المشتته للطاقة فيه.. لا يمكن أن تهب للبيت جوه وعطره ولا يمكن أن تمنح الطفولة النابته فيه حقها ورعايتها فحقيقة طمأنينة البيت لا تتحقق إلا عن طريق المرأة الصالحة الودود.. واريج البيت لن يفوح إلا أن تطلقه زوجه وحنان البيت لن يشبع إلا أن تتولاه أم.. والمرأة أو الزوجة أو الأم التي تقضي وقتها وجهدها وطاقتها الروحية في العمل لن تطلق في جو البيت إلا الارهاق والكلال والملال وأن خروج المرأة لتعمل كارثة علي البيت قد تبيحها الضرورة.. أما أن يتطوع بها الناس وهم قادرون علي اجتنابها فتلك هي المصيبة التي تصيب الأرواح والضمائر والعقول.. وفي سبيل الاستقرار البيتي وقطعاً لدابر الفوضي والنزاع فيه جعل الاسلام القوامة للرجل فيه.. وذلك تمشيا مع سياسة التنظيم التي يحرص عليها الإسلام حرصاً شديداً والتي جعلت الرسول يأمر الجماعة أن يؤمروا عليهم أحدهم حتي لو خرج اثنان في امر فاحدهما امير. ولست اجد ارق ولا أندي ولا الطف من تلك النسائم المعطرة بأريج الحب والتي تنبعث من جو تلك الآية الكريمة "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" الروم "21": فهي صلة النفس بالنفس وهي صلة السكن والقرار وهي صلة المودة والرحمة حتي صلة الستر والتجمل.. وانك لتحس في الألفاظ ذاتها حنوا ورفقاً.. وتستروح من خلالها نداوة وظلاً. وأولي ما ينبغي أن يتوفر للخلية الأولي في المجتمع المسلم: هو الجو الديني: يقول الله تعالي " وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوي" طه "132" وهذا يعني أن يأخذ رب الأسرة أهله بالحزم ليتعلموا منه قواعد الدين ويؤدوا الصلاة. وكم يجد في سبيل ذلك مشقة مع الأولاد والزوجة ولكنه مطالب بأن يصبر ويتحمل ليحقق رسالته مع أسرته.. ومن هنا ورد الفعل في الآية "اصطبر" دون "اصبر" ليؤكد المعاناة التي يجدها رب الأسرة من أولاده تلك المعاناة التي لا ييسر امرها إلا "الاصطبار" أي الصبر الواسع العريض أما قوله تعالي "لا نسألك رزقاً نحن نرزقك" ففيه اعطاء المطالب الدينية حقها وتقديمها علي مطالب العيش لأنها السبيل إلي تيسير الرزق والوصول إلي فضل الله.. وكأنما الآية تقول لرب كل أسرة: تفرغ لأولادك واسرتك لتقودهم إلي التقوي ودع الرزق لله فانه الرازق المتين.. ومعني أن الله بفضله وكرمه ييسر سبيل الرزق لمن جعل الدين نصب عينه وحرص علي رعاية اولاده.. وقد جاء في هذا الصدد قوله سبحانه "يا أيها الذين آمنوا قوا انفسكم واهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة" التحريم.. وانما نتوقي النار إذا قدنا أولادنا قيادة رشيدة.. فعلمناهم الدين واخذناهم بالعبادة ووصلناهم بالقرآن.. ذلك وقاية لنا ولهم من النار.. ولقد ضرب الرسول الأعظم اكرم الامثال في ذلك لاسرته في البيت.. كان ينام مبكراً ويستيقظ مبكراً ويتعهدها بالدين.. ويقود الحسن والحسين إلي المسجد ليدربهما علي الصلاة.. كما كان يفزع إلي الصلاة في أوقات الحرج ويعتمد ذلك اسلوباً يطبقة علي أهله.. وقد روي" ثابت "رضي" قال كان النبي اذا اصابته خصاصة فقر وشده نادي أهله يا أهلاه يا اهلاه: صلوا.. صلوا.. وقد روي عنه قوله "رحم الله امرءاً قام من الليل فصلي فأيقظ اهله فان لم تقم رش علي وجهها الماء رحم الله امرأة قامت من الليل لتصلي فايقظت زوجها فان لم يقم رشت علي وجهه الماء". وكذا يحيط الإسلام هذه الخلية أو هذا الحضن أو هذه المثابة بكل رعايته وبكل ضماناته: فلابد في هذا الارتباط من الرضي والاستئذان.. ولابد من العلانية والاشهاد.. ولابد من نية التأبيد لا التوقيت.. ولابد من التكافل العائلي: صحيح أن عاطفة الامومة وحدها تكفي في رعاية الوليد.. وأن عاطفة الأبوه تكفي وحدها في النهوض له وللأم بالنفقة ولكن الإسلام يضيف إلي العاطفة الغامضة التكليف الصريح.. يقول تعالي "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن اراد أن يتم الرضاعة وعلي المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ولا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والده بولدها ولا مولود له بولده" البقرة "233". فأما الوالدان.. فلهما حقهمنا المقابل.. وكذلك أفراد الأسرة جميعاً: فالتكاليف يقوم بها أقرب عاصب ثم من يليه حتي يأتي دور ذوي الأرحام.. ويرث كذلك أقرب عاصب فالذي يليه علي ذات النظام لكي يكون هنالك نوع من التأمين الاجتماعي في داخل الأسرة.