ما أشبه الليلة بالبارحة.. هجوم إسرائيلي علي غزة. قصف وحشي بالطائرات. توغل بري. سقوط المئات من الضحايا الفلسطينيين. أغلبهم من النساء والأطفال. سيناريو مكرر لعمليات عسكرية لقوات الاحتلال الإسرائيلي علي قطاع غزة.. يحصد فيها مئات الآلاف من الأرواح البريئة. متعمداً قصف المنازل والمدارس التي أنشأتها وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. ومراكز الإيواء.. واستهدف القصف أيضاً المستشفيات والمساجد وسيارات الإسعاف التي تحمل المصابين التي لم تسلم من القصف.. وفي كل مرة تكون الحجة أن المقاومة تستخدم هذه الأماكن قاعدة لإطلاق الصواريخ علي إسرائيل. والقضية ليست إطلاق المقاومة للطواريخ علي إسرائيل. ولكن العقدة عندهم وجود غزة. التي أوجزها إسحاق رابين الرئيس الأسبق للوزراء حينما قال "أتمني أن أصبح يوماً لا أجد غزة. وقد ابتلعها البحر". حتي أصبح الجانبان لا يريدان أو لا يمكنهم أن يتحملا صراعاً طويلاً. لكنهما يسعيان إلي تحويل المعاناة إلي مكاسب ملموسة لكل منهما. لذا يؤكد المراقبون أن الحرب انزلقت إلي مرحلة لم تكن في حسبان من خططوا لها علي الجانبين. ستحتاج إسرائيل أن تثبت لشعبها أنها أحدثت أضراراً واسعة بالبنية التحتية لحماس. وبادرت مصر بتقديم خطة لوقف إطلاق النار بين الطرفين. وتكون القاهرة مقراً للمفاوضات. ورحبت بها إسرائيل وأمريكا. والجامعة العربية والرئيس الفلسطيني محمود عباس. أبدوا دعمهم للخطة.. لكن حماس استمرت في رفضها بحجة أن المقترح لا يضيف مقابلا بوقف القتال.. وبعدها تعالت الأصوات وطالب الكثيرون أحباء وأعداء مصر بالتدخل لصد هذا العدوان. وكانت جماعة الإخوان أكثر المتشدقين في هذا الموقف. وزايدت قطر علي موقف مصر وحاولت أن تظهر نفسها علي أنها البديل الأقوي وصاحبة القرار في المنطقة. وتقدمت بمبادرة لوقف العدوان. وسارعت حماس بقبول مبادرة قطر. لكن لم تقبلها إسرائيل. وكانت صفعة للقطريين تضاف إلي سجلهم الحافل بالندالة. وتنص المبادرة علي تجريد مصر من أداء دور الوسيط. والضامن.. وأخطر بنودها فتح معبر رفح بصورة دائمة. وأنا أري كيف يمكن تفعيل هذا البند علي دولة كبيرة مثل مصر لها حق السيادة علي حدودها دون التدخل. ولا تسمح لهم ولا لغيرهم بالعبث في الحدود المصرية. البند الثاني نسف المصالحة الأخيرة بإبعاد الحكومة الفلسطينية المشكلة مؤخراً من جميع الترتيبات الخاصة برفع الحصار المالي والاقتصادي عن القطاع.. ويعيد إحياء الشكوك عند سلطة أبومازن التي قد تقرأ مثل القيادة المصرية نية مبيتة بين قطر وتركيا وأمريكا. لإفشال المصالحة. وتحييد مصر والسلطة. ودخول تركيا مجدداً كلاعب محوري في أهم وأخطر القضايا العربية بعد أن فقدت الرهان علي سوريا لصالح إيران. وفي مصر لصالح السعودية والإمارات. والسؤال المقترح هل تقرب الأزمة الحالية المتغيرة بين حماس وإسرائيل هذا اليوم الموعود. يوم تسيطر فيه حماس علي غزة والضفة الغربية؟!.. وهل سنشهد أمام أعيننا ولادة محور جديد يتكون من الولاياتالمتحدة وقطر وحماس؟! ويبدو أن اقتراح جون كيري بضم قطر للوساطة مؤشر إيجابي إلي الجواب علي هذه الأسئلة.. والجواب "بنعم" خاصة أن قطر ليست فقط حليفاً للولايات المتحدة. بل هي الوسيط المفضل لدي حماس. أقول إن حماس تخاطر بالخطأ علي حساب قواتها في مواجهة تحالف من الأعداء الأقوياء ودعم دولة قليلة الأهمية عديمة الحيلة مثل "قطر" لها. ولا يعرف الجانبين النقطة التي يجب التوقف عندها.. لذلك ستكون أي مفاوضات لا يمكنها النجاح في إعطاء الجانبان الشعور بالنصر. وعندما يحدث ذلك سيكون أشخاص كثيرون قد لقوا مصرعهم.. ومن ثم فإن الحرب مستمرة حتي تظهر في الأفق غنيمة يمكن تقديمها للرأي العام الداخلي لكل منهما.