وسط حالة من الترحيب سواء في الداخل الفلسطيني أو الخارج الاقليمي والدولي نجحت حركتا فتح وحماس في التوقيع علي بنود المصالحة الوطنية لتنتهي حالة الانقسام التي دامت أكثر من 7 سنوات انست الجميع القضية الأساسية للفلسطينيين وهي تحقيق الحلم بإقامة الدولة المستقلة علي حدود يونيه 67 وعاصمتها القدسالشرقية. الاتفاق اراح كل المخلصين والمهمومين بالشأن الفلسطيني لأنه يتضمن اقتراحات عملية للم الشمل وانهاء حالة الانقسام بشكل سريع بتشكيل حكومة ائتلاف وطني برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في غضون 5 أسابيع واجراء الانتخابات التشريعية بعد 6 أشهر من تشكيل الحكومة وبالتشاور مع القوي والفصائل الفلسطينية. تضمن إعادة هيكلة وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية لتصبح لسان حال لكل الفصائل والاستئناف الفوري لعمل لجنة المصالحة المجتمعية وملف الحريات وتفعيل المجلس التشريعي وممارسة دوره الرقابي والتشريعي في البلاد وهي مطالب كان الجميع يتطلع إليها. يري المراقبون ان تعنت حماس كان حجر عثرة في وجه اي محاولة للتقارب خصوصا في فترة حكم تنظيم الإخوان الذي يعتبر حماس جزءاً منه الا ان المعادلة انقلبت بعد خروجه من الحكم وانكشف ظهر الحركة وزادت الضغوط عليها وبالتالي لم يكن أمامها خيار إلا الجلوس مع فتح والتوصل لهذه النتيجة. بعد زوال الحكم الإخواني في 30 يونيه وعمليات التطهير التي يقوم بها الجيش المصري في سيناء لضرب العناصر الإرهابية وتدمير الانفاق لتحقيق الأمن القومي بدأ الحصار والضغوط تتزايد علي حماس وتخلت بعض الدول في دعمها وخشيت ان تلاقي مصير الجماعة في مصر فقبلت مكرهة الدخول في شراكة مع حركة فتح بدلا من عزلها لذلك قامت بالتوقيع علي المصالحة. الرئيس محمود عباس اثبت في الفترة الأخيرة انه داهية وثعلب سياسة حيث مهد الأرض لعملية المصالحة بعد ان تيقن ان إسرائيل تماطل في التفاوض وغير جادة في عملية السلام وبالتالي لم يكن أمامه إلا خيار التقارب مع حماس لتكون ورقة ضغط جديدة في يده لدفع إسرائيل ومن خلفها الولاياتالمتحدة للجلوس معه والتعامل بجدية مع هذا الملف خصوصا انه يري عدم التعارض بين المصالحة والسعي للتوصل للسلام وإقامة الدولة علي عكس ما تري واشنطن وتل أبيب. طرح كل أوراقه دفعة واحدة بدلا من الحفاظ علي سريتها للوصول إلي هدف اقامة الدولة الفلسطينية وتعزيز شرعيته فتحول من التصريح بالتصدي لاسرائيل في الأممالمتحدة كدولة جديدة إلي التهديد بتسليم حكومته لإسرائيل لانها بلا سلطات. فوجئت واشنطن الاربعاء الماضي بقرار الرئيس الفلسطيني الذي يواصل محادثات السلام والتي تتم برعايتها توقيع مصالحة مع حركة حماس التي يعتبرها الغرب منظمة إرهابية ما أكد ان عباس يملك الكثير من الخيارات ويعمل علي ترتيب أوضاعه ببراعة في وقت كان يهاجمه خصومه ويصفونه بأنه منفصل عن الواقع ومشتت الذهن ويتخبط بحثا عن افكار خصوصاً انه علي مشارف الثمانين من العمر. أبومازن يدرك جيدا ان شرعية النظام السياسي الفلسطيني ككل انتهت وان الوضع الفلسطيني كارثي وفي اسوأ حالاته علي مدي تاريخ القضية الفلسطينية ومن الواضح ان مسألة الشرعية تقلق خاصة وانه انتخب عام 2005 وفي ظل الانقسام لم تجر انتخابات جديدة وظلت حماس مسيطرة علي قطاع غزة بينما ظل عباس يتمتع بقدر محدود من الحكم الذاتي في الضفة الغربيةالمحتلة. مساعي الرئيس العاجلة لتحقيق المصالحة الوطنية لاقت قبولاً واسعاً في الدخل ويبدو انه يقوم بخطوة احترازية لاكتساب تفويض في مواجهة الفشل المتوقع للمفاوضات الاسرائيلية التي سينتهي اجلها غداً وبالتالي لم يعد أمامه إلا اجراء انتخابات باعتبارها كما قال الخيار الفلسطيني من حيث المبدأ سواء نجحت المباحثات أم فشلت مؤكداً علي ضرورة تجديد الشرعية. لم يغلق عباس الباب امام إسرائيل قائلاً ان الأمر ليس اختياراً بين حماس وإسرائيل وانه مع المصالحة إذا تم الاتفاق علي اجراء الانتخابات وان تظل إسرائيل ايضا شريكاً في عملية السلام مشدداً علي ان الدولة الفلسطينية ذات السيادة لن تتحقق الا من خلال التفاوض الا ان الاسرائيليين والامريكيين لا يشاركونه الرأي ويهددون ويتوعدون بمعاقبته علي هذه الخطوة. جاء رد فعل بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي سريعاً حينما القي اللوم علي عباس في فشل المحادثات فيما حذرت واشنطن من انها ستعيد النظر في المساعدات التي تقدمها بمئات ملايين الدولارات والتي ساهمت في استمرار السلطة الفلسطينية. يعتقد البعض ان الرئيس والقادة الفلسطينيين يجازفون مجازفة كبيرة بالسير في طريق المصالحة مع حماس بعد ان كانت قد فشلت في الماضي عندما فازت الحركة في الانتخابات الفلسطينية عام 2006 وبعد عام سيطرت علي القطاع ودخلت في حرب مع حركة فتح التي يدعمها الغرب وعدد كبير من الدول العربية الإسلامية وحدث شقاق عميق بين الجانبين شهد قيام كل طرف بسجن قياديين من الطرف الآخر. ياسر عبدربه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية يتحدث بحذر عن الاتفاق مبديا تخوفاً بأنه قد لا ينفذ أبداً ولا يجب عدم المبالغة في خطوة المصالحة ومن الضروري مراقبة تصرفات حركة حماس في كثير من الأمور خلال الايام والأسابيع المقبلة. قرار الرئيس محمود عباس التوقيع المفاجيء علي 15 اتفاقية دولية من خلف ظهر حلفائه الامريكيين كان خطوة تمهيدية لاغراء حماس بالجلوس مع فتح مرة أخري لأن ما قام به كان خطوة ترمي إلي تعزيز مساعي اقامة الدولة المستقلة وهو ما تنادي به حماس وبالتالي لم يكن لديها اي حجة لرفض التصالح وستظهر في موقف الرفض للم الشمل وانهاء الانقسام. ورغم ان مصر منشغلة بمشاكلها الداخلية واستحقاقات خريطة المستقبل الا ان لها دورا بارزاً في عملية المصالحة وكانت علي الخط بشهادة القياديين في فتح وحماس عزام الأحمد وإسماعيل هنية حيث ترجع بنود المصالحة إلي المفاوضات والمحادثات بين الجانبين في القاهرة عام 2011 وملحقاتها بما تم الاعلان عنه في الدوحة .2012 كان من أهم القضايا الخلافية والتي عرقلت المصالحة قضية المعتقلين وافراج حركة فتح عن معظم المعتقلين ممن ليست عليهم قضايا أمنية بعد توقيع الاتفاقية ومن يتعذر الافراج عنهم يتم تحديد أسباب ذلك مع الزام حركة حماس بالافراج عن كل المعتقلين قبل توقيع الاتفاق وتوضيح أسباب من يتعذر الإفراج عنهم اضافة إلي ملف الأمن واعادة جميع المفصولين من الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة. كان اتفاق القاهرة يتضمن ايضا استيعاب 3 آلاف عنصر في الشرطة والأمن الوطني والدفاع المدني وتشكيل لجنة أمنية عليا يوافق عليها الرئيس ويصدر بها مرسوما رئاسياً تعمل علي تنفيذ الاتفاق الأمني الموقع في القاهرة وتمارس عملها بدعم ومشاركة مصرية واثباتا لحسن النوايا قامت حركتا فتح وحماس بالافراج عن بعض المعتقلين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة. يذكر ان الخلاف نشأ بين الحركتين بعد نجاح حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006 وقامت بتشكيل الحكومة برئاسة إسماعيل هنية وفي عام 2007 اعتقلت عددا من قيادات فتح وحدثت علي اثرها مواجهات مسلحة راح ضحيتها العديد من الأبرياء وتمت إقالة الحكومة التي استأثرت بالقطاع. ورغم تشكك البعض في نوايا الجانبين وان الاتفاق سرعان ما سينهار لاختلاف أيديولوجية كل طرف الا انها خطوة مهمة في النهاية تصب في صالح القضية الفلسطينية التي اختزلت طوال السنوات الماضية في الانقسام والسعي لانهائه ونسي الجميع اصل القضية وهي انهاء الاحتلال وإقامة الدولة.