* ماذا تعني محاكمة المعزول.. وهل يمكن تسميتها "أم المحاكمات" إذا ما اعتبرنا مثول مبارك في القفص "محاكمة القرن" .. وهل يمكن اعتبار محاكمة مرسي هي كلمة النهاية في كتاب جماعة الإخوان التي تواجه هذه المرة شعباً وليس مجرد نظام أو رئيس أوقضاء.. وما تأثير المحاكمة علي مستقبل التنظيم الدولي للإخوان في المنطقة والعالم.. وعلاقتة بالحلفاء هنا وهناك .. وهل كان يوم المحاكمة محكاً ومخاضاً أخيراً لقدرة المحظورة وأنصارها علي الحشد.. هل أسقطت عنها ورقة التوت الأخيرة . وأظهرت مدي تشرذمها وضعف تأثيرها وفقدان قدرتها علي الدفع بالأنصار لإثارة العنف والشغب.. حتي أن أكثر تجمعاتها عدداً لم يزد علي بضع عشرات وربما مئات المتظاهرين.. وهل يفيق الإخوان وقادتهم وشبابهم من الصدمة. ويتعافون من حالة إنكار الواقع التي تثير الشفقة والتي تجلت في سلوك رئيسهم المخلوع ورفاقه الذين مثلوا في قفص الاتهام الاثنين الماضي.. حيث لم يعترفوا بالمحاكمة ورموها بالبطلان . ورفض كبيرهم ارتداء ملابس السجن إصراراً علي إنكار هذا الواقع.. بل ذهب مرسي لأبعد من ذلك حين قال: أنا الرئيس الشرعي وإن المحاكمة هزلية ولا أعترف بها وهو نفس ما قاله العريان والبلتاجي وإن ما حدث خيانة وانقلاب ولم يفته أن يرفع "إشارة رابعة" . ومضي المتهمون في غيهم فهتفوا في القاعة حتي أصدر القاضي قراراً برفع الجلسة عدة مرات . ولم يخل الأمر من اشتباكات بين المتهمين الإخوان والمدعين بالحق المدني.. وهكذا أجاب مرسي وعصابته في القفص.. عن السؤال المهم الذي كان البعض يود أن يطرحه هل استوعب الإخوان الدرس.. وهل هناك أمل في عودتهم للحق.. وتوبتهم عن الباطل وانخراطهم كمواطنين في الدولة وليسوا كتنظيم يعادي الدولة . ويرفع ولاءه للجماعة فوق ولائه للوطن وترابه وأمنه القومي..!! * وهكذا جاءت محاكمة المعزول كاشفة وباعثة برسائل عديدة للداخل والخارج ولشباب الإخوان وأتباعهم والمتعاطفين معهم ووضعت الجميع أمام مسئولياته.. فهي من ناحية أظهرت بؤس الجماعة وتهاوي قدرتها علي الحشد في الشارع في مقابل عودة قوة الدولة وقدرتها علي الضبط وبسط هيبة القانون . وأوقفت قدرة التنظيم الدولي علي تصدير المظلومية للخارج وتسويق صورة الجماعة علي أنها الضحية والشهيد . وتصور المعزول علي أنه رئيس معتقل أومختطف وليس متهماً يحاكم أمام قاضيه الطبيعي.. وتلك رسالة مهمة للغاية لشباب الإخوان قبل غيرهم كي يفيقوا من الأوهام ويتوقفوا عن إثارة العنف والفوضي في الجامعات فقد حانت لحظة الحقيقة والمراجعة والأسئلة الصعبة من عينة : ماذا خسر الإخوان بوصولهم للحكم .. وكيف ينبغي عليهم أن يراجعوا قياداتهم . ويحرروا عقولهم من الطاعة العمياء .. وأن يستبينوا حقيقة الواقع وتبعات الأزمة علي مستقبلهم . وأنه لا من مفر من العودة لحضن الوطن ولولاية الدولة والكف عن المهاترات ودفن الرءوس في الرمال والإصرار علي الموقف الخطأ كما يفعل قادتهم دون الالتفات إلي أن أول مقاصد الشرع والدين الحنيف هو درء المفاسد مقدم علي جلب المصالح.. * أما رسائل المحاكمة أو الدروس المستفادة للحكومة أو لبعض أجنحتها المترددة والمرتعشة في مواجهة عنف الجماعة أو المتماهية مع الفوضي بقصد أو بدون قصد وكذلك بعض الحنجوريين من القوي الثورية فقد أظهر يوم المحاكمة بوضوح أنه المخاض الأخير للجماعة ولا منطق في تعطيل القانون بدعاوي المصالحة . وأن الأمر موكول للقضاء يحكم فيه بالعدل وما وقر في عقيدته من أحكام . ومن لم يثبت تورطه في الجرائم لا تثريب عليه . ولا مانع من ممارسة حقوقه كاملة كمواطن .. فلم يعد وضع الدولة اقتصاداً ولا أمناً يسمح بإضاعة مزيد من الوقت ولا إطالة أمد الفوضي .. ومن يفعل ذلك غافلاً أو متعمداً فلا مجال لحسن الظن فيما يفعل. ولن يغفر له التاريخ ولن تسكت عنه الجماهير الثائرة المنتظرة لإنجازات الحكومة وثمرات التفويض..!! * أما رسائل المحاكمة للخارج فلا تقل أهمية عن رسائل الداخل وقد جاءت نتائجها مبشرة وقاطعة حتي قبل أن تبدأ وترجمت زيارة كيري لمصر والسعودية صاحبة الموقف الشجاع والمسانده لثورة 30 يونيو ولخارطة المستقبل تغيراً ملموسا في موقف أوباما وإدارته لاسيما بعد موقف الكونجرس الأخير مما يحدث مع مصر وفيها .. جاء الرجل بخطاب مختلف حاول قدر إمكانه رأب الصدع في علاقات أمريكا بمصر والسعودية. وهي أول زيارة لمسئول أمريكي بعد 30 يونيو. الأمر الذي يعني ضمنا اعتراف الإدارة الأمريكية بما حدث في مصر. وتخليها عن مشروع الإخوان وعن مساندتهم. وامتناعها عن التدخل في شأننا الداخلي أو التطرق للمحاكمة إلا بإشارة علي استحياء لضرورة أن تكون محاكمة عادلة ومنصفة وأمام القاضي الطبيعي وهو ما حدث بالفعل بفضل قضائنا النزيه المشهود له بالعدالة والإنصاف .. هكذا رسمت ثورة يونيو مساراً جديداً لعلاقة مصر بالخارج وخصوصاً أمريكا. وأعادت مصر لبعض مكانتها . واستعادت سيادة قرارها الوطني واستقلاله الذي جُرح زمن الإخوان .. وهكذا رسمت زيارة كيري خطا مغايراً للتعامل مع مصر يقوم علي الشراكة والمصالحة . ويسقط الإخوان من حساباته ويكف عن تنفيذ المخطط المشئوم بتقسيم المنطقة واستهداف جيش مصر ..؟! * لقد مر يوم المحاكمة بسلام . وتجاهلت البورصة. كمؤشر اقتصادي. ما حاول الإخوان تخويفنا به وربح مؤشرها نحو ملياري جنيه .. وهو ما يعني الكثير والكثير . وينقلنا بالضرورة إلي أسئلة المستقبل دون انتظار لأن يغير الإخوان وخصوصاً قادة التنظيم الدولي نظرتهم لمصر ومخططهم الجهنمي لتعطيل الحياة ووقف تنفيذ استحقاقات التحول الديقراطي بدءاً بالتصويت علي الدستور مروراً بانتخابات البرلمان ثم الرئاسة وانتهاء بالمحليات. * تطبيق القانون بحسم علي الجميع هو مفتاح المستقبل بعد ما شهد العالم أجمع كيف حاكم شعب مصر رئيسين في عامين . وكيف خلعهما في أقل من 3 سنوات .. مع الفارق بينهما .. فمبارك ومن معه امتثلوا للمحاكمة وتعاملوا معها كرجال دولة يعرفون منزلة القضاء ويذعنون لإرادته .. بينما تعامل مرسي وعصابته بفوضوية ورفض وعصيان وبلطجة .. وكأن ذلك يعزز موقفهم أويعفيهم من المساءلة عن اتهامات كبري ترقي لحد الخيانة والتخابر مع تنظيمات خارجية خرقت أمننا القومي وعرضته لخطر عظيم..!! * لم تكن محاكمة المعزول مجرد محاكمة لرئيس أجرم في حق شعبه. بل هي محاكمة لتنظيم بأكمله. أفكاره وسلوكياته وجرائمه الممتدة لأكثر من 80 عاماً .. أفكار آن الأوان لأن تراجعها الجماعة وتثوب لرشدها حتي يقبلها الشعب ولا يضيق بها الوطن!! * لم يكن المعزول مجرد رئيس استبد وانقلب علي الديمقراطية التي جاءت به للحكم وصادر إدارة الجماهير . واستغني بالأهل والعشيرة عما سواهم من بني وطنه . بل رئيس متهم بالتفريط في أمن الوطن واستغلال نفوذه في العفو عن مجرمين متطرفين استوطنوا سيناء واستهدفوا دماء الجيش والشرطة باسم الإسلام. رئيس لم يعرف له تاريخ وطني ولاسياسي ولا بصمة أو كاريزما تاريخية. بل أهان منصب الرئيس واسألوا رئيس روسيا ومستشارة ألمانيا ورئيس فرنسا كيف ولماذا تعاملوا معه بهذه الطريقة في زياراته الرسمية . بل ماذا فعل حكام الشقيقة قطر ومن أرسلوا لاستقباله في المطار حين زارها. الأمر الذي جعل مقارنته برؤساء سابقين لمصر ظالمة له ولهؤلاء الرؤساء . فعبد الناصر خدم في جيش مصر وقاد ثورته في يوليو 1952. وترك من الأمجاد والمآثر ما ترك رغم ما وقع فيه من أخطاء كبري .. لكنه في الحالين كان قامة وقيمة وزعيماً علي قدرالمسئولية والمنصب.. ولم يخل سجل السادات من إنجازات كبري ويكفيه أنه صاحب قرار الحرب والسلام والعبور العظيم.. ورغم ثورة الشعب ضد مبارك فإنه شاء البعض أو أبي جزء من تاريخ هذا الوطن وليس أقل من أنه كان قائداً للقوات الجوية في حرب أكتوبر المجيدة..!! * المحاكمة إذن خط فاصل بين الأوهام والحقائق .. لا مجال معها للعودة للوراء بل ينبغي الإصرار علي اقتحام المستقبل الآن والبحث عن إجابات فورية لأسئلته المعلقة: كيف نعيد الإنتاج لأقصي معدلاته .. كيف نتخلص من اهتزاز بعض أطياف الحكومة في اتخاذ وتنفيذ القرارات .. كيف نستثمر تداعيات المحاكمة في استعادة الهيبة الكاملة للدولة وتطبيق القانون بحسم علي الجميع .. كيف نمضي بلا تردد في تنفيذ استحقاقات خارطة المستقبل حتي يمتنع المزايدون والحنجوريون والطابور الخامس والمتلونون .. لامجال للتردد ولا للتراجع ولابديل عن الحسم والشفافية والانصياع لإرادة الشعب .. فهل نحن فاعلون؟!