تعجبت من كثرة عدد المرشحين لانتخابات الرئاسة عام2012 والتي فاز فيها مرشح جماعة الإخوان محمد مرسي في جولة الإعادة ضد الفريق أحمد شفيق بأصوات عاصري الليمون, مبعث التعجب تلك النهاية المأساوية للرئيس المخلوع حسني مبارك, ذلك الفرعون الذي حكم الشعب المصري لمدة30 عاما, وكان يطمع في توريثها لنجله لولا ثورة25 يناير التي أحبطت مخططه وأسقطت نظامه وقدمته للمحاكمة, وظهر رجل مصر القوي في مشهد درامي جالسا فوق سرير العدالة ليواجه تهمة قتل المتظاهرين السلميين, عندها كان لابد لكل من تسول له نفسه حكم مصر أن يتأمل هذا المشهد جيدا, ويعلم أن الشعب المصري ودع زمن الفرعون وهبط به من منزلة الإله أو نصف إله إلي مصاف البشر, يخطئ ويصيب ويحاكم عند الضرورة. كان حريا بمرسي أول من جلس علي كرسي مبارك أن يتعظ بسلفه ويفعل كل ما من شأنه أن يجنبه تجرع كأس المحاكمة, لكن الرجل الذي عاهد ثوار التحرير علي أن يكون خادما للشعب وأن يبادر بالتنحي إذا خرج عليه المصريون يطالبونه بالرحيل, لحس كل وعوده وبدله الكرسي الوثير إلي شخص آخر وبدأ السير باتجاه مصير مبارك منذ اللحظة التي تحايل فيها علي أداء القسم أمام المحكمة الدستورية العليا, عبر تجديده للقسم في التحرير, ثم في جامعة القاهرة, في خروج مقصود علي البروتوكول وبهدف مجاملة أهله وعشيرته في مجلس الشعب المنحل بقرار من المحكمة الدستورية العليا قمة السلطة التشريعية في البلاد. تذكرت هذه الخواطر بمناسبة مثول الرئيس المعزول محمد مرسي اليوم أمام المحكمة للتحقيق معه بتهمة قتل المتظاهرين التهمة التي يحاكم بسببها مبارك وكذلك التخابر مع جهات خارجية في قضية اقتحام السجون إبان ثورة25 يناير, وسواء كانت الجلسة إجرائية كما هو معلن أو علنية, فالأمر المؤكد أنه يحسب للشعب المصري نجاحه في إسقاط نظامين دكتاوريين, وفي تقديم رئيسيين إلي المحاكمة خلال أقل من ثلاث سنوات مما يعني أنه استعاد كامل حريته ولم يعد مستعدا أن يفرط فيها تحت أي مبرر وهو ما يتعين أن يستوعبه كل من يفكر في حكم مصر مستقبلا, حتي يتفادي مصير مبارك ومرسي. إن محاكمة المخلوع ومن بعده المعزول بفاصل زمني قصير دليل دامغ علي أن مصر تغيرت إلي الأبد, وأن الحديث عن عودة الفلول أو الإخوان إلي الحكم مثل الحديث عن طلوع الشمس من المغرب أو بتعبير سيدة الغناء العربي وعايزنا نرجع زي زمان.. قول للزمان ارجع يازمان أيضا فإن المحاكمة تعد ترسيخا لدولة القانون وتأكيدا علي تساوي جميع المواطنين في الحقوق والواجبات, لا فرق بين رئيس ومرءوس, وهو المعني الذي يتعين أن نكرسه حفاظا علي مقام كرسي الرئاسة ومستقبل الوطن بعيدا عن نزعات التشفي والكيد السياسي المستعر بين أنصار مرسي وخصومه. ولعل المقارنة بين موقف الرجلين من المحاكمة تفرض نفسها, فمبارك الذي نزل مضطرا علي إرادة الشعب وتنحي مرغما عن العرش, رفض عروضا بالسفر إلي الخارج وتمسك بمواجهة مصيره وأن يدفن في تراب مصر, ولا ننسي أن تنحي مبارك عن السلطة للمجلس العسكري حقن الدماء وقطع الطريق علي التدخلات والوساطة الخارجية والانقسامات وتحديدا داخل المؤسسة العسكرية, كما أن الرجل تعامل مع المحكمة بما تستحقه من احترام باعتبارها تمثل إرادة الشعب, ولم يرفضها أو يشكك في شرعيتها, وهو موقف سيسجله له التاريخ أيا يكن الموقف من جرائمه السياسية التي أثرت سلبا علي مكان ومكانة مصر في محيطها الإقليمي والدولي, ناهيك عن جريمة التوريث السياسي لنجله التي عجلت بانهيار نظامه, في المقابل فإن مرسي رفض الاعتراف بثورة30 يونيو التي أسقطت شرعيته وعزلته عن الحكم وراح يغمز في قناة الإرهاب والجهاد دفاعا عن الكرسي الذي لم يثبت يوما أنه جدير به أو أنه رئيس لكل المصريين, وليس أكثر من مندوب للأهل والعشيرة داخل القصر الجمهوري, كما أن كل قراراته لم نشتم منها رائحة أنه رجل دولة, فما بالك إذا كانت في حجم مصر ومن عجب أن مرسي الذي لم يمكث في حكم مصر سوي12 شهرا فقط, ارتكب من الجرائم ما يعادل جرائم مبارك وربما أكثر إذا أضفنا إليه تهمة الخيانة العظمي والتفريط في تراب الوطن عبر التنازل عن مثلث حلايب وشلاتين للسودان أو عبر فتح الحدود أمام إخوانه في غزة وجعل حدودنا معهم سداح مداح ناهيك عن التورط في اتفاقيات تفضي إلي تقسيم مصر وتوطين الفلسطينيين في سيناء بما يخالف ثوابت السياسة المصرية وقدسية التراب الوطني. ليس هذا فحسب بل إن مرسي وتنظيمه المحظور رفضوا الذهاب إلي انتخابات رئاسية مبكرة, أو طرح حلول لاحتواء معارضيه, وترك الأمور تتصاعد حتي كان الخروج العظيم للشعب المصري في30 يونية مطالبا برحيله وهو ما اضطر الجيش الي لتدخل لمنع انجرار البلاد إلي الحرب الأهلية, وبدلا من أن يسلم مرسي وتنظيمه بالأمر الواقع الجديد, ويحترم إرادة المصريين إذا بهم يعلنون حربا غير مقدسة ضد الجيش والشرطة وكل من يعارضهم في سيناء وسائر محافظات الجمهورية, أسفرت عن وقوع آلاف الشهداء والمصابين, وراحوا يحرضون علي مصر بمعرفة التنظيم الدولي للإخوان وبرعاية تركيا وقطر وكل من لا يحب الخير لمصر الوطن والشعب وهي كلها جرائم يعاقب عليها القانون المصري. والأمر المؤكد أن مثول مرسي للمحاكمة اليوم رسالة لا تخطئها عين مفادها أن الإرهاب الذي يمارسه إخوانه والمتدثر بتحالف دعم الشرعية, محكوم عليه بالفشل, فلا تظاهرات العبث التي تنشر القبح وتشل المرور في الشوارع ولا مسيرات الإجرام التي تعطل الدراسة في الجامعات وتتطاول علي الأساتذة يمكن أن تكون سبيلا لعودة مرسي ومجلس الشوري الباطل والدستور المسلوق بليل, ويتعين أن يعلم المغرر بهم والمخدوعون في تنظيم الإجرام الدولي أن انتقام الشعب المصري قادم قادم, ومن كان يتصور في30 يونية2012 أن مرسي سيجلس في قفص مبارك يوم4 نوفمبر2013 ؟ أيضا فلا يزال مرسي يعيش في أحلام اليقظة ويصر علي أنه الرئيس الشرعي للبلاد ويرفض محاكمته, متناسيا أنه هو الذي انقلب علي نفسه قبل أن ينقلب عليه الشعب, عبر تحديه للمحكمة الدستورية ومحاولته إعادة مجلس الشعب المنحل, وعندما فشل أعلن نفسه ديكتاتورا وحصن مجلس شوري الأهل والعشيرة من الحل وأوكل إليه مهمة التشريع وحصن إعلانه الباطل من الملاحقة القضائية, كما أنه هو الذي سمح لأنصاره بحصار مدينة الانتاج الإعلامي والمحكمة الدستورية العليا لمنعها من حل مجلس الشوري الباطل, ثم يتمسح الآن في الشرعية التي أهدرها وأحالها إلي مطية للتمكين لأهله وعشيرته علي حساب جموع المصريين. إنني أطالب بمحاكمة عادلة لمرسي أمام قاضيه الطبيعي وأن تتوافر له كل الضمانات القانونية, من منطلق أن المتهم بريء حتي تثبت إدانته, ونشدد علي معاملته بطريقة لائقة باعتباره رئيسا سابقا, لكنني أحذر في الوقت نفسه من تحويل المحاكمة إلي وسيلة دعائية لفكرة وفكر جماعته المعوج وأن يتحول إلي شهيد. ومن المؤكد أن محاكمة اليوم تبعث برسالة قوية إلي العالم مفادها أن الأمن استعاد عافيته, وأن تهديدات الإرهابيين لم تثن الدولة عن تقديم مرسي و14 من إخوانه للمحاكمة, ورغم توقعنا أن يلجأ التنظيم الإجرامي إلي تسيير مظاهرات هنا وهناك للتغطية علي المحاكمة ومحاولة نشر الفوضي, إلا أن ثقتنا في الشرطة والجيش بلا حدود لتأمين المحاكمة وردع كل محاولات الخروج علي القانون. تري هل تكون محاكمة مرسي سببا في أن يفكر المشتاقون لكرسي الرئاسة أكثر من مرة قبل خوض هذه التجربة أم اننا شعب بلا ذاكرة, مما يعني أنه لن يمضي زمن طويل قبل أن نشاهد رئيسا جديدا يقدم للمحاكمة بعد المخلوع والمعزول؟ رابط دائم :