لا يريد التاريخ أن يبتسم لجماعة الإخوان.. توقف عند يوم 3 أغسطس 2011 عندما وقف الرئيس المخلوع حسني مبارك في قفص الاتهام يواجه قائمة الاتهامات التي تلاها ممثل النيابة، ولكن التاريخ أعاد نفسه بعدما سار الرئيس المعزول محمد مرسي في نفس الطريق الذي سار عليه «مبارك» في الحكم، فكان من الطبيعي والمنطقي أن يلحق به إلي سجن طره ليواجه نفس الاتهامات التي وجهت إلي مبارك. التاريخ كتب علي جماعة الإخوان التي لم تستجب إلا لأصوات الاستحواذ علي السلطة واستعباد الدولة أن يقف رئيسها المعزول في نفس القفص الذي وقف فيه المخلوع «مبارك» ليجد نفسه في لحظة فارقة يواجه قائمة من الاتهامات يتلوها عليه ممثل النيابة وليجبر علي الرد مثلما قال مبارك للمستشار أحمد رفعت «أفندم أنا موجود» ربما يكرر مرسي نفس الكلمات أيضاً. جماعة الإخوان تقاتل من أجل أن تفسد المقارنة الإجبارية التي سيعقدها الشارع بين المخلوع والمعزول تتحرك في كل الاتجاهات حتي تمنع إذاعة المحاكمة أو علي الأقل تعيد إخراج مشهد المحاكمة ليخرج مرسي بمشهد بطولي يكسب فيه تعاطفاً شعبياً مثلما فعل مبارك الذي اختار أن يدخل المحكمة علي سرير طبي ولكنه فشل في أن يحصل علي تعاطف أي من طبقات الشعب وربما يختار مرسي - بحسب مصادر داخل جماعة الإخوان - أن يطلق خطبة عصماء يدافع فيها عن نفسه ويؤكد أنه الرئيس الشرعي مثلما فعل الرئيس الراحل صدام حسين. في يوم 3 أغسطس وهو يوم محاكمة الرئيس المخلوع مبارك تباري قيادات الجماعة في الشماتة من مبارك، وتوعدوه بالإعدام، فالرجل يحاكم علي قائمة من الجرائم استطاع فيها أن ينقض الحكم الصادر بحقه بالسجن المؤبد ليعيد القضية إلي نقطة الصفر بل أنه عندما خرجت تسريبات قبل أسابيع من عزل مرسي بإمكانية صدور عفو رئاسي عنه خرج القيادات يهددون مرسي بالتظاهر ضده لو أقدم علي تلك الخطوة. الآن مرسي في نفس المشهد وهناك أربع تهم يواجهها في المحكمة وهي التحريض علي القتل واستخدام العنف والبلطجة وإحراز أسلحة نارية والقبض علي متظاهرين وتعذيبهم، وهي نفس التهم التي واجهها مبارك باستثناء قضية استغلال السلطة وتربيح حسين سالم بدون وجه حق، فمرسي لم يحاسب علي تهم مالية مثل مبارك، ولكنه يواجه ما هو أشد منها وهي التخابر التي تحقق فيها النيابة العامة التي كشف تسجيلات عديدة لمرسي تدينه. الجماعة لم تجرؤ الآن علي تكرار ما فعلته أثناء محاكمة مبارك، فهي تنتقد محاكمة مرسي رغم أنه ارتكب نفس جرائم مبارك، فميادين الثورة طوال عهد مرسي ظلت تروي بدماء الشهداء واكتسبت فعاليات أي مظاهرة باللون الأحمر ووصل أعداد الشهداء في عهد إلي أضعاف الشهداء في عهد مبارك. «مرسي» كان الوجه القمعي لنظام «مبارك»، فبدايات كل منهما كانت واحدة، مبارك قال: «الكفن مالوش جيوب»، ومرسي قال: «اطيعوني ما أطعت الله فيكم»، وكلاهما حاول أن يبني جسور الود بينه وبين الشعب ولكن سرعان ما انهارت علي رأسيهما بعد 30 عاماً من حكم مبارك، وبعد عام واحد فقط من حكم مرسي. فمرسي ارتكب في عام ما لم يفعله مبارك في 30 عاماً، وكلاهما أنهي عصره بدماء الشهداء التي ستبقي لعنة تلاحقهما أينما ذهبا، وسيتذكر التاريخ أن مرسي أول رئيس مدني منتخب كرر أفعال الديكتاتور حسني مبارك ولطخ حكمه بدماء الشهداء الذين كانوا سبباً في وصوله إلي الحكم، بعد أن وقفت القوي الثورية بجانبه حتي لا يصل مرشح الثورة المضادة أحمد شفيق إلي سدة الحكم، ولكن مرسي خان عهوده التي قطعها علي نفسه وتورط في جرائم أخري كانت سبباً في أن يقبع خلف قفص اتهام ينتظر مصيراً مجهولاً. الغريب أن مرسي اختتم فترة حكمه بنفس ما فعله مبارك، فمبارك قال لم أكن يوماً طالب سلطة في خطابه الأخير قبل أن يقرأ اللواء عمر سليمان نائب الرئيس الراحل بيان التنحي وهو نفس ما فعله مرسي أيضاً حينما قال في خطابه قبل الأخير «لم أكن يوماً حريصاً علي السلطة يوماً ما ولست بباق عليها» وبعدها ثار الشعب ضده وعزل من منصبه. التاريخ يعيد كتابة نفسه الآن ويكرر أحداث ما قبل ثورة يناير، فنظام مبارك سقط بعد أن انهارت كل الأعمدة الشرعية التي كان يستند عليها وكانت الانتخابات البرلمانية التي أجريت في عام 2010 هي المسمار الأخير في نعش نظامه وسارت جماعة الإخوان في نفس طريق النهاية وبفضل الانتخابات البرلمانية أيضاً والتي أصر فيها الرئيس المعزول مرسى علي أن تجري بقانون انتخابات لا يعبر إلا عن رؤية فصيل واحد ويخدم مصالحهم فقط وفي نفس الوقت يعاني من شبهة عدم الدستورية. سيقف مرسي أمام قفص الاتهام مثلما وقف مبارك من قبله لتبقي الصورة جرس إنذار لأي رئيس قادم لا يحمل في جيبه وثيقة إصلاح وتلبية لمطالب الشعب فلا أحد سيبقي فوق المحاكمة حتي لو كان منصب الرئيس ولن يفلت أحد غضب منه الشعب مهما كانت قوته ولنا في مرسي أسوة، فجماعته كانت ترهب المعارضين وتتصور أنها امتلكت الدولة وما عليها، فإذا بها تفقد كل شيء لتعود جماعة محظورة ويتحول رئيسها إلي رئيس معزول ينتظر المحاكمة.