* كان سقراط يقول: الفضيلة علم. والرذيلة جهل.. وفسر البعض ذلك القول بأن الذي يلزم الفضائل هو الذي يعلم أنها فضائل. فيتجنب بعلمه الرذائل.. والذي يفعل الرذائل يجهل الفضائل.. أي لابد من العلم لتكون هناك فضيلة.. الفضيلة ترافق العلم.. والرذيلة تصاحب الجهل.. والقول الأعم عندي. وربما الأصوب هو: أن الفضيلة حب والرذيلة كراهية.. فلا يلزم الفضيلة إلا محب. ولا يفعل الرذيلة إلا كاره.. الخير حب. والشر كراهية.. والقرآن يقول: "بل أكثرهم للحق كارهون".. يعلمون أنه حق ولكنهم يكرهونه.. وأهل الحق محبون.. وأهل الباطل كارهون.. يعني قد يفعل الرذائل عالم.. وقد يكون الجاهل فاضلاً.. والكُفَّار من أقوام كل الأنبياء كرهوا أولاً. ثم كفروا.. كانوا يعلمون أن الأنبياء جاءوا بالحق. لكنهم كرهوا أنبياءهم. فعاندوهم وعارضوهم وكذبوهم.. والكراهية هي عمي القلوب والبصائر "كلا بل ران علي قلوبهم ما كانوا يكسبون".. والران هو الصدأ الذي يصيب القلوب. فلا تبصر ولا تعلم.. عيون بصيرة. وقلوب وعقول عمياء وقصيرة.. وأداء العبادات علي وجهها الصحيح. هو المزيل لصدأ القلوب وقصور العقول.. لكن أداء العبادات بلا وعي ولا خشوع. هو العلاج المغشوش. الذي يزيد الصدأ ولا يزيله "من لمن تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر. فلا صلاة له.. ولا يزداد من الله إلا بُعداً".. والهداية حب. والضلال كراهية "ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم. وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان".. الله تعالي هو الذي يهدي إلي الحب والإيمان.. ويضبط الهوي علي ما بعث به رسله الكرام. والفكر القائم علي الكراهية لا جدوي من الحوار مع صاحبه.. لكن الحوار مع المحبين هو المثمر.. لذلك صار الحوار في مصر. وصارت الكتابة والبرامج والندوات والجلسات والمؤتمرات عبثاً ورفثاً وفسوقاً وعصياناً.. فكلما تحاورنا ازددنا فسوقاً وعصياناً وشراً. لأننا كارهون. وخلط الدين بالسياسة. وخلط السياسة بالدين من أسوأ الرذائل. والشرور التي ابتلينا بها.. لأن الدين حب. والسياسة كراهية. وهما لا يختلطان ولا يجتمعان أبداً.. وأهلنا الذين يدعون التدين إنما يمارسون الكراهية بأدوات الحب. أي يمارسون السياسة القائمة علي الكراهية.. بالدين المبني علي الحب.. ومعظم الذين يمارسون السياسة باسم الدين لديهم طوفان كراهية في قلوبهم.. ويريدون أن يعطوا الكراهية شرعية ليست لها.. "عايزين يلبسونا في الحيط".. "اللي يعارضهم كافر. واللي يؤيدهم مؤمن".. وهم وصلوا بالكراهية إلي حد إقناع الكثيرين بأنهم الدين نفسه.. وليسوا مجرد أتباع مزيفين للدين.. وهم يسلكون طريقهم في الحياة بشعار لويس الرابع عشر. ملك فرنسا قبل ثورة ..1789 وهو شعار "أنا الدولة".. وهؤلاء يقولون: "أنا الدين".. فلا يرون ديناً خارج جماعاتهم.. ولا يرون إسلاماً بعيداً عن تياراتهم وتنظيماتهم. والدين يجمعنا والسياسة تفرقنا.. وهؤلاء المتدينون المزعومون يستخدمون ما ينبغي أن يجمع فيما يفرق.. أي يستخدمون الدين في السياسة.. والدين عنهم تابع للسياسة. ويأتمر بأمرها. ويسمع لها ويطيع. ويفتي علي هواها.. بينما الدين الحق لابد أن يكون متبوعاً. وليس تابعاً.. والمد الذي سموه إسلامياً. ليس سوي مد الكراهية. والكراهية هي أم الإرهاب والقتل والترويع "والسحنة المقززة. والوجوه التي عليها غبرة. وترهقها قترة". والدين لا ينقسم أبداً. لكنه من أجل عيون السياسة قسموه إلي أحزاب وتيارات وجماعات ومنظمات. وتنظيمات ومذاهب. ونحل وملل.. ولست أدري ما معني أن تكون هناك أحزاب إسلامية.. وما معني الالتفاف المكشوف والمفضوح بتسميتها أحزاباً سياسية ذات مرجعية إسلامية.. "يعني حد يقول لي الفرق بين أحزاب: النور. والأصالة. والراية. والبناء والتنمية. والحرية والعدالة"؟!!.. أليس الإسلام واحداً؟!.. فما معني تقسيم الواحد علي عشرة؟!.. السياسة هي التي تقسم ما لا ينقسم. لأن السياسة كراهية. وشر. والدين حب وخير.. ليس هناك خيار.. فالمرء إما أن يكون متديناً. وإما أن يكون سياسياً.. أما الإثنان.. فلا.. هما ضدان لا يجتمعان.. وخطان متوازيان. لا يلتقيان مهما امتدا. السياسة لعبة قذرة.. وهي مثل نافخ الكير. إما أن يحرق ثيابك. وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة.. وأدوات اللعب في ملعب السياسة لابد أن تكون قذرة.. وليس من المعقول أن يكون الدين أداة للعب القذر. وفي الملعب القذر.. ليس من المعقول أن يكون الحب أداة لعب في ملعب الكراهية. واللعب بالدين في ملعب السياسة.. يشبه بالضبط اللعب بالحب في ملعب الجنس.. يعني أهل السياسة يرفعون شعار الدين ليلعبوا سياسة.. وراغبو الجنس يرفعون راية الحب ليمارسوا تحتها الجنس والرذيلة.. والتسميات الدينية لأحزاب سياسية. ومنظمات وتنظيمات وتيارات وجماعات متعصبة وإرهابية.. هي نفسها تسمية الجنس حباً. وتسمية الشهوة عشقاً!! **** * والمخدوعون الذين يدخلون أفواجاً في تنظيمات وأحزاب وتيارات سياسية وإرهابية. ترفع راية الدين. يشبهون المرأة التي تسلم جسدها وتخون وتسقط فريسة للجنس تحت راية الحب.. والذين يظنون أن الطريق إلي الله سبحانه وتعالي. وإلي الجنة. هو الانخراط في تيارات وأحزاب وجماعات وتنظيمات سياسية ترفع راية الدين.. يشبهون المرأة التي تظن أن الطريق إلي الحب يمر عبر فراش الخيانة.. والذين يسلكون طريق السياسة للوصول إلي الجنة. إنما ضلوا الطريق. وأخشي أنهم سلكوا الطريق إلي النار.. تماماً مثل المرأة التي سلكت طريق الجنس للوصول إلي الحب. فوجدت الشيطان في نهاية الطريق يأخذ بيدها إلي النار. وأسوأ آفات هذا المجتمع الذي يوشك أن يكون منكوباً في قياداته وسياسييه. وإعلامييه وصحفييه. ونُخبته كلها. هي تسمية الأشياء والأفكار الشيطانية أسماء ملائكية. وإطلاق أسماء جميلة علي أمور قبيحة.. مثل تسمية السياسة ديناً. وتسمية المصالح والأهواء مبادئ وقيماً.. وتسمية الجنس حباً.. وتسمية الوقاحة صراحة.. وتسمية التهور والحماقة شجاعة. وجرأة.. وتسمية المكابرة والعناد ثباتاً علي المبدأ.. كما أن أسوأ ما ابتلينا به هو تبرير الرذائل والجرائم والسفالات.. فاللص يسرق لأنه فقير.. والموظف يأخذ الرشوة لأنه "مش لاقي ياكل. وعنده كوم لحم".. والبلطجية يعيثون في الأرض فساداً. لأنهم يعانون البطالة.. والمرأة تخون زوجها لأنه مشغول عنها. "وما بيقولهاش كلمة حلوة. ومش حاسة بكيانها".. والرجل يخون زوجته لأنها مهملة. وفقدت رشاقتها "ولما يدخل البيت يلاقي ريحتها بصل وثوم. وشكلها منعكش".. وكل هؤلاء يعطيهم المجتمع الحق فيما يفعلون من شرور ورذائل.. المجتمع الغبي صار يبرر أخطاء ورذائل وسفالات الأشرار.. لم يعد هناك إنكار مجتمعي للمنكر. بل أصبح هناك تبرير له. والتماس أعذار لأهل المنكر. والشرور.. المجتمع هو الذي يقول لك: "إن سرقت اسرق جمل. وإن عشقت اعشق قمر".. فإذا سرقت الجمل. فسوف تجد ألف تبرير لفعلتك. وأما إذا سرقت "فرخة". فسوف يلومك الناس قائلين: "ده حمار وعبيط.. فضح نفسه علي حتة فرخة".. وإذا ضبطوك في أحضان امرأة دميمة. فسوف يقولون: "أما حمار صحيح.. فضح نفسه علي حتة واحدة ما تساويس تعريفة"!!!.. والناس عندما يضبطونك في أحضان امرأة فاتنة. وفائقة الجمال. يحسدونك ويشيدون بك. ويقولون مثلما قال أصحاب قارون عندما خرج عليهم في زينته: "يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون.. إنه لذو حظ عظيم". وأصحاب قارون هم أجدادنا المصريون الأوائل الذين ورثنا عنهم "المنظرة". وحب المظاهر.. وطول اللسان والثرثرة. والجدال بلا عمل.. وهم أيضاً من نفس فصيلة الذين اجتمعوا يوم الزينة لتشجيع السحرة.. وهم الذين أضلهم السامري بالعجل الجسد الذي له خوار.. وهم الذين أخرجوا موسي عليه السلام عن شعوره وأغضبوه حتي أخذ برأس أخيه ولحيته.. هم الذين "نشفوا ريق موسي عليه السلام". بالتفاوض حول البقرة. ولونها. وما هي. وأحفاد هؤلاء الآن الذين يمارسون السياسة باسم الدين. وتحت رايته. يفعلون نفس ما فعله السامري.. ويخرجون لنا في كل يوم عجلاً جسداً له خوار. لنظل عليه عاكفين. حتي يرجع إلينا موسي "وموسي المرة دي مش راجع".. يعني سنظل عاكفين علي عجولهم السياسية المصنوعة من مواد دينية إلي ما شاء الله.. تماماً مثل عجل السامري.. مصنوع من ذهب. لكنه شيطان.. مصنوع من حلي براقة. وتخطف الأبصار. لكنه شر مستطير. وطريق إلي جهنم. نفس الرذيلة.. نفس المأساة.. نفس الرذيلة "يستخفنا فرعون فنطيعه".. وما أكثر الفراعين الذين يستخفوننا فنطيعهم.. ما أكثر الفراعين الذين نصنعهم يجهلنا وغفلتنا. ونفاقنا ومخادعتنا لله. وهو خادعنا.. فراعين الدعوة. وفراعين الفتوي. وفراعين الإعلام. وفراعين الفن. وفراعين الصحافة. وفراعين القانون.. ما أكثر العجول التي تصنع لنا ونظل عليها عاكفين. في انتظار موسي الذي لا يأتي أبداً.. ولن يأتي أبداً.. وأخطر العجول التي نظل عليها عاكفين هي العجول المصنوعة باسم الدين. وهي لا تمت للدين بصلة.. وإنما هي عجول السياسة. والأهواء. والمصالح والمنافع.. وكل عجل من هذه العجول يقول: "أنا الدين". **** * هذا الوطن توشك الكراهية علي تدميره.. مجتمع فقد الحب. واسود منه القلب. فراح يمارس الكراهية باسم الدين.. يدمر ويخرب ويهرطق. ويدجل ويشعوذ. ويهلك الحرث والنسل. والزرع والضرع تحت راية الدين.. وإنما هي راية الكراهية. والسُم وعَمَي البصائر والقلوب. وقصور العقول.. ولا جدوي من الحوار مع الكارهين.. والكراهية "هي اللي مخلية قرفتنا وحشة. ونَفَسْنَا وحش".. نمارس السياسة بكراهية.. ونقوم بثورات كراهية.. ونكتب الدستور بكراهية.. ونعارض بكراهية. ونؤيد بكراهية.. لذلك "بيطلع إنتاجنا زي الزفت".. لأن الله تعالي لا يُصلح عمل المفسدين.. وكل مُفسد لابد أن يكون كارهاً.. فالمحبون لا يفسدون.. الكراهية هي الوقود الذي يدير كل حياتنا وأنشطتنا.. نحن نتحرك بوقود الكراهية. رغم أننا ملأنا الدنيا كلاماً عن الحب.. ولا يمكن للقلب الذي يكره الوطن ويكره الخير للناس. ويبلطج ويلوث البيئة. ويملأ الطرقات "زبالة".. ويختلس ويأخذ الرشوة. أن يكون محباً لامرأة أو لرجل.. وإنما هو جنس ورذيلة سميناهما حباً.. إنما هي كراهية سميناها حباً.. وسياسة قذرة سميناها ديناً.. وهذا المجتمع الذي أغرقته الكراهية ولم يعد أهله ينكرون المنكر.. لابد أن تتوه فيه الحقائق.. وينعدم الفرق فيه بين الحق والباطل.. وبين الخير والشر.. وبين المنكر والمعروف.. وبين السيئة والحسنة "أجدع واحد في البلد ما بقاش عارف الحقيقة فين.. ما بقاش عارف إيه الصح. وإيه الغلط؟!!... أفتح الشباك. ولا أسد الشباك.. ولا أرميك. أو ترميني من الشباك"!!!... وعلي رأي فايزة أحمد: "مالباب للشباك.. رايحة وجاية وراك.. لكن مش شايفاك.. من باب ولا شباك".. الكراهية جعلت حياتنا كلها بلا معالم.. وأصبحنا ضحايا العيون البصيرة. والعقول القصيرة!!! نظرة * انطلقت الدراجة النارية فوق رصيف المشاة كالسهم.. وكأن قائدها يمرق في طريق صحراوي. ليس فيه بشر.. وأنا عندي موقف لا أريد أن أحيد عنه.. وعندي قناعة لا تتخلف أبداً. وهي أن كل قائدي الدراجات النارية مختلون نفسياً وعقلياً.. كلهم عندي كارهون وموتورون.. "كل اللي يسوق موتوسيكل في رأيي مجنون ومريض نفسياً".. المهم أن الدراجة النارية بطلة حكايتنا. كادت تقتل رجلاً يمشي علي الرصيف مطمئناً إلي أنه علي صواب. وأنه ملتزم. وأن الرصيف ملكه. وملك أمثاله من المشاة.. وفرمل قائد الدراجة النارية "المختل".. وتوقف وراح يعاتب.. بل يسب الرجل الماشي علي الرصيف ويقول له: "أنت ماشي مسطول.. كنت حتودي نفسك في داهية"؟!!!... والأدهي أن الرجل الماشي علي الرصيف كان مهذباً إلي أبعد الحدود.. وراح يعتذر لقائد الدراجة النارية ويقول: "معلش.. أصل فيه موضوع شاغلني.. الحمد لله.. ربنا ستر.. وربنا يستر طريقك".. ألم أقل لك إنه بلد مقلوب؟!!.. يعتذر فيه المجني عليه للجاني. والفريسة للصياد.. استفزني الموقف. ولم أستطع معه صبراً.. فأقحمت نفسي في الحوار غصباً عني.. وقلت لقائد الدراجة النارية: يا سيدي "احنا خلاص اعتدنا الخطأ والخطايا.. لو بطلنا نغلط نموت".. لا نريد أن يكف الناس عن غيهم.. فقط نريد حمرة الخجل.. نريد شيئاً من الحياء.. "شيء من الكسوف وأنت بتغلط".. إنما "غلط وبجاحة كتير قوي"!!!... والمفاجأة أن قائد الدراجة النارية استوعبني وراح يضحك. ويردد خلفي "غلط وبجاحة.. غلط وبجاحة".. أما الرجل الضحية فهو الذي انبري لي قائلاً: يا عم أنت مكبرها ليه.. ما حصلش حاجة.. وانصرفت وأنا أغني بصوت مسموع: "ما بقاش في القلب حاجة.. ما أخدتوا كل حاجة.. هو انتوا وراكو حاجة.. غير تعب القلوب"؟!!!!