جاءتني رسالة يقول صاحبها: تقدمت للحج بالقرعة وسوف يأتيني مبلغ من المال بإذن الله تعالي بعد موعد الحج بشهرين. فهل يجوز لي اقتراض المال من أخي أو من زوج ابنتي وسداده بإذن الله بعد عودتي من الحج؟!! أقول: قال تعالي: "ولله علي الناس حج البيت مَن استطاع إليه سبيلاً" "آل عمران: 97". ولذلك أجمع الفقهاء علي عدم وجوب الحج إلا بالاستطاعة. وإن اختلفوا في معني الاستطاعة وصورها. ومن ذلك: حكم الاقتراض للحج. خاصة أن القرض مشروع في حكم الأصل بالإجماع. عملاً بعموم قوله تعالي: "مَن ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً. فيضاعفه له أضعافاً كثيرة" "البقرة: 245". وما أخرجه مسلم عن أبي رافع أن رسول الله. "صلي الله عليه وسلم" استسلف بكراً أي جملاً فتياً.. فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة. فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره. فرجع إليه أبورافع فقال: لم أجد فيها إلا خياراً رباعياً أي جملاً أجود وأفضل من البكر فقال "صلي الله عليه وسلم": "أعطه إياه. إن خيار الناس أحسنهم قضاءً".. وأخرج ابن ماجة بسند فيه مقال عن عبدالله بن مسعود. أن النبي "صلي الله عليه وسلم" قال: "ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقتها مرة".. وإذا صح الاقتراض من أجل متاع الدنيا. فهل يصح الاقتراض من أجل أداء فرض الحج؟!!.. أو بمعني آخر: هل القدرة علي الاقتراض تحقق الاستطاعة التي توجب الحج؟!!.. خلاف بين الفقهاء. ذهب جمهور الفقهاء إلي أن القدرة علي الاقتراض لا تحقق الاستطاعة الموجبة للحج. ونحوه من الواجبات الدينية كصدقة الفطر. ومع ذلك فلو اقترض وحج بمال القرض فحجه صحيح بالإجماع إذا تم بأركانه وشروطه. وهل يأثم أو لا يأثم؟!!.. خلاف عند هؤلاء الجمهور. لأنه بالقرض قد عجل أداء فريضة الحج واستراح من جهة. ومن جهة أخري فإنه قد حمل نفسه أكثر مما يطيق. وألزم نفسه بمشقة غير واجبة. وقد أخرج البيهقي عن عبدالله بن أبي أوفي. أنه سأل النبي "صلي الله عليه وسلم" عن الرجل لم يحج.. أيستقرض للحج؟!!.. فقال "صلي الله عليه وسلم": "لا". وذهب بعض المالكية وغيرهم من أهل العلم إلي التفصيل بين من يرجو الوفاء إذا اقترض. كمن ينتظر مستحقاته المالية التي تأتيه في القريب مثل صاحب السؤال. أو من يمتلك تجارة أو عقاراً يخلفه. بحيث يستوفي منه قيمة القرض إن نفذ القضاء ومات في سفره. فهذا يجب عليه أن يقترض لأداء حجة الفريضة وهي حجة الإسلام الأولي. لأنه بهذا الاقتراض الآمن بالوفاء يكون مستطيعاً.. أما إذا لم يكن يرجو وفاء القرض كالفقير المعدم فلا يجوز له الاقتراض من أجل الحج إلا بعلم المقرض بحاله ومسامحته إن مات قبل الوفاء. لأن المنع كان لحقه. وقد أسقط حقه بإعطائه. مع علمه بحاله من الفقر والعدم.. يقول ابن حجر الهيتمي: يعلم من ذلك أنه لا يحل لفقير أن يتظاهر بالغني عند الاقتراض.. وأو أن يستر حاله من الفقر والعدم.. لأن فيه تغريراً للمقرض. وقد أخرج البخاري عن أبي هريرة أن النبي "صلي الله عليه وسلم" قال: "مَن أخذ أموال الناس يريد أداءها أدي الله عنه. ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله".