أجمع الفقهاء علي وجوب الزكاة في الزروع والثمار في الجملة. لعموم قوله تعالي: "يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض" "البقرة: 267". وقال تعالي: "كلوا من ثمرة إذا أثمر وأتوا حقه يوم حصاده" "الأنعام : 141". قال ابن عباس: حقه أي الزكاة المفروضة. وأخرج البخاري عن ابن عمر. أن النبي. صلي الله عليه وسلم. قال: "فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر. وما سقي بالنضح نصف العشر". والعثري هو النبات الذي يشرب بعروقه لأنه عثر علي الماء وحده دون جهد صاحبه. ويشترط لوجوب زكاة الزروع والثمار أن يبلغ النتاج النصاب. ومقداره خمسة أوسق عند الجمهور. وهو ما يعادل ستمائة كيلو تقريباً. لما أخرجه البخاري عن ابن عمر أن النبي. صلي الله عليه وسلم. قال: "ليس فيما دون خمسة أو ساق من ثمر ولا حب صدقة". وقال أبو حنيفة: لا يشترط نصاب لزكاة الزروع والثمار. بل هي واجبة في القليل والكثير. لعموم الآية الكريمة: "وأتوا حقه يوم حصاده" "الأنعام : 141". ولا إشكال في وجوب زكاة الزروع والثمار في حال كونها مملوكة لصاحب الأرض. بحيث تكون الأرض والثمار مملوكة لشخص واحد ممن تجب عليه الزكاة. ولكن المشكلة فيما لو كانت الزروع والثمار مملوكة للمستأجر. والأرض مملوكة لصاحبها. فهل تجب الزكاة علي المستأجر مالك الثمرة. أو تجب علي المؤجر في الأجرة التي حصلها بصفته مالكاً للأرض؟ مذهبان للفقهاء.. المذهب الأول : يري وجوب زكاة الزروع والثمار علي المستأجر. ومقدارها العشر فيما لو كان السقي بماء المطر. أو نصف العشر إذا كان السقي بالندح. وهو مذهب جمهور الفقهاء. قال به أبو يوسف ومحمد من الحنفية. وإليه ذهب المالكية والشافعية والحنابلة. وحجتهم: أن العبرة في زكاة الزروع والثمار بملكيتها لا بملكية الأرض أو الشجر. فمن ملك الثمرة وقت حدوثها هو من تجب عليه الزكاة. لأن الزكاة متعلقة بالثمرة لا بالأرض. كما قال تعالي: "وأتوا حقه يوم حصاده" "الأنعام: 141". المذهب الثاني : يري وجوب الزكاة علي المؤجر في الأجرة التي استحقها من المستأجر. ومقدارها العشر. فإذا كان قد أجر الفدان بألف جنيه مثلاً وجب عليه أن يخرج العشر وهو مائة جنيه في الألف. ولا شيء علي المستأجر في زرعه الذي زرع. وهو قول أبي حنيفة وعليه الفتوي في المذهب. وحجتهم: أن الزكاة وجبت في الزرع لكونه نماء الأرض. فإذا كان صاحب الأرض قد استثمر أرضه بالإجارة فقد أصبحت الأجرة مقصودة كالثمرة. فكان النماء له معني مع ملكه. فكان أولي بالإيجاب عليه. أقول : وحتي لا يضيع حق الفقراء في إساءة استخدام هذا الخلاف الفقهي فيما يتعلق بزكاة الأرض الزراعية المؤجرة. إذ يمكن للمستأجر أن يمتنع عن زكاة نتاج الأرض بدعوي أن مذهبه كمذهب أبي حنيفة في وجوب الزكاة علي المؤجر دون المستأجر. كما يمكن لصاحب الأرض أن يمتنع عن زكاة أجرة الأرض الزراعية بدعوي أن مذهبه كمذهب الجمهور في وجوب الزكاة علي المستأجر مالك الثمرة. فإنه يجب أن يتضمن عقد إجارة الأرض الزراعية بنداً يتفق عليه العاقدان المؤجر والمستأجر علي تحديد مسئولية الزكاة بينهما حتي لا يضيع حق الفقراء. عملاً بقول النبي. صلي الله عليه وسلم: "المسلمون عند شروطهم" "أخرجه البخاري تعليقاً والدار قطني مرفوعاً من حديث عوف المزني".