اتفق الفقهاء علي أن الزكاة تجب علي كل مسلم حر بالغ عاقل مالك للنصاب ملكا تاما, ثم اختلفوا في وجوبها في مال الصبي والمجنون علي ثلاثة مذاهب. الأول: أن الزكاة تجب في مالهما, وهذا مذهب الجمهور من الفقهاء وهم المالكية والشافعية والحنابلة, كما قال به علي وابن عمر وجابر وعائشة رضي الله عنهم جميعا. والثاني: ان الزكاة لا تجب في مالهما مطلقا حتي يبلغ الصبي ويعقل المجنون, وقد ذهب إلي ذلك والحسن وسعيد بن جبر. والثالث: ان الزكاة إنما تجب في مالهما إذا كان من الزروع والثمار, ولا تجب في غير ذلك من النقد والماشية ونحوهما, وقد ذهب إلي ذلك الحنفية ويفسر الدكتور رشاد خليل أستاذ أصول الفقه زكاة الصبي والمجنون بقوله يرجع سبب اختلاف الفقهاء في هذه المسألة إلي أمرين: الأول أختلافهم في مقصود الشارع من الزكاة.. هل هي عبادة فيشترط في وجوبها البلوغ كالصلاة والصوم, أم هي حق الفقراء في مال الأغنياء فلا يشترط فيها البلوغ كنفقة الزوجات والأقارب؟.. فمن ذهب إلي أن الزكاة عبادة قال بعدم وجوب الزكاة في مالهما لأن العبادة يشترط في وجوبها التكليف, ومن ذهب إلي أنها حق للمستحق من الفقراء وغيرهم في أموال الأغنياء قال بوجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون ولأن هذا لايشترط له التكليف. والأمر الثاني: تعارض ظواهر النصوص الواردة في هذه المسألة. وقد استدل كل مذهب علي ما ذهب إليه بأدلة متعددة ولضيق المقام هنا عن ذكر جميعها فإننا نكتفي بذكر البعض منها, فقد استدل الجمهور علي وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون بما ورد في القرآن الكريم من العمومات في شأن إيجاب الزكاة ومنها قوله تعالي خذمنأموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها( الآية103 سورة التوبة) فإن قوله تعالي: من اموالهم عام يتناول جميع الاموال وعموم الخاطبين عن غير تخصيص لنوع معين ولا قدر معين ولا صغير ولا كبير ولا عاقل ولا مجنون لأن الجميع محتاج إلي تطهير الله تعالي وتزكيته له كما استدلوا بما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلي الله علية وسلم لما بعث معاذا إلي اليمن قال له: أدعهم أدعهم إلي شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوك فاعلمهم أن الله تعالي أفترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد إلي فقرائهم. كما استدلوا بدليل عقلي وهو أن الزكاة في مال الصبي والمجنون تقاس علي زكاة فطرهما والنفقات الواجبة التي تلزمهما للزوجات والأقارب وقيمة ما أتلفه كل منهما بجامع أن كل ذلك حق مالي مثبت للغير في مالهما, وقد وجب ما ذكر في الحقوق اتفاقا, فكذلك تجب الزكاة في جميع اموالهما لأنه حق مالي.وقد استدل من قال بأن الزكاة لاتجب في مال الصبي والمجنون مطلقا, بقوله تعالي خذمنأموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها فإنه يفهم من ذلك أن علة وجوب الزكاة هي التطهير من الذنوب فلم كان الصبي لا ذنب له لم يكن محتاجا إلي التطهير, فلا تجب الزكاة عليه لانتفاء عليته عليها وهي التطهير, كما استدلوا من السنة بقوله صلي الله علية وسلم: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتي تستيقظ وعن الصبي حتي يحتلم وعن المجنون حتي يعقل, كما استدلوا بعدة وجوه فيها: أن الزكاة عبادة قبل الصلاة والصوم وكل عبادة فيها الابتلاء والاختيار, والصبي ليس من أهل الابتلاء والاختيار فلا تجب عليه الزكاة كسائر العبادات. وقد استدل من قال بأن الزكاة تجب في مال الصبي والمجنون إذا كان من الزروع والثمار ولا تجب في غير ذلك من الاموال بأدلة أصحاب المذهب الثاني وقالوا إن هذه الأدلة تبقي علي عمومها إلا ما يخص منها بدليل وقد خصصت هذه الأدلة بقوله تعالي: وآتوا حقه يوم حصاده ويقول صلي الله عليه وسلم: فيما سقت السماء العشر فهذا يدل علي أن الزكاة في الزروع والثمار من حق الأرض, لان الخارج منها يغلب فيه معني المؤنة كنفقة الزوجات والأقارب. وقد زخرت المصادر الفقهية بالعديد من الإجتهادات والاستنباطات التي دارت حول هذه المسأله, وبعد النظر فيها والتأمل وفي محتواها, فإنه يرجع لدينا أدلة الفائلين بوجوب الزكاة في جميع أموال الصبي والمجنون وهم جمهور الفقهاء, فإن أدلتهم أقوي الأدلة وأولاها بالقبول فكان من الصواب ترجيح مذهبهم والله تعالي أعلي وأعلم.