لم تكن استقالة رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض وليدة الساعة.. فقد سبقها مقدمات طويلة أبرز ما جاء فيها جولات الخلاف بين فياض والرئيس الفلسطيني محمود عباس.. فكانت الاستقالة ترجمة متوقعة ونهاية طبيعية لإنهاء الخلاف بين مؤسستي الرئاسة والحكومة. وكشفت استقالة فياض عن مدي دعم الغرب له خاصة بعد الاستماتة من أجل اثناء فياض عن قراره لضمان بقائه في السلطة.. هذا الرجل الذي يعتبره الغرب - خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية - الصديق الوفي والرجل الفلسطيني الأفضل علي الاطلاق. في المقابل لا يتمتع فياض بهذا الدعم داخل بلاده.. فطموحاته وسياسته مع الغرب جعلت الجميع يصنفه كخائن لا يبحث إلا عن مصلحته الشخصية ولو علي حساب المصلحة القومية وهو ما صنع صفوفا من الأعداء ضده وصلت اتهاماتهم له إلي حد مساعدته قوات الاحتلال علي حساب الطموحات الفلسطينية. لسنوات عديدة تمتع فياض - الذي كان مسئولا في البنك الدولي - بثقة الغرب.. فقد ضغطت أمريكا علي عباس لرفض استقالة فياض إلا انها فشلت في اقناعه.. وبعد الاستقالة أعربت الولاياتالمتحدة وكندا عن خيبة أملهما وأسفهما لفقد الرجل الذي كان مصدر اعجاب شديد من قبل القادة الغربيين. وقال وزير الخارجية الكندي جون بيرد: "فياض كان شخصا موثوقا فيه وصديقا لكندا" مؤكدا انه يأمل ان يستمر الخبير الاقتصادي في دفع قضية السلام ومواصلة العمل من أجل تحسين حياة الشعب الفلسطيني. كما وصفته الولاياتالمتحدةالأمريكية بالحليف القوي للأسرة الدولية والقيادي في دفع النمو الاقتصادي إلي الأمام وبناء الدولة والأمن من أجل الشعب الفلسطيني. في حين ان مصادر فلسطينية مطلعة أكدت أن فياض استعجل استقالته بعدما استمرت فتح في الهجوم عليه واظهاره كرجل الولاياتالمتحدة في الضفة الغربية مشددة علي ان فياض أراد التأكيد علي انه ليس باقيا بقوة الأمريكيين وانه غير متمسك بالمنصب. وفي تعليقها علي الاستقالة رأت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية ان استقالة فياض - الذي يحظي باحترام دولي - تثير المخاوف والقلق حيال الاستقرار السياسي في الضفة الغربية عقب أيام من اقتراح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مبادرة واسعة النطاق لمساعدة الاقتصاد الفلسطيني هناك لدعم مساعي السلام. علي الصعيد الداخلي كان فياض يعاني بشدة من توتر العلاقات بينه وبين الرئيس الفلسطيني وكذلك بينه وبين أعضاء حركة فتح التي أكدت مرارا وتكرارا علي دعم الاحتلال لفياض ورفضها لمسعاه الدائم وراء السلطة حيث كان حتي العام الماضي رئيسا للوزراء ووزير المالية في آن واحد فضلا عن اعلانه سابقا رغبته في الترشح للرئاسة وخلافة عباس. كما ان فياض قد استبعد أعضاء فتح تماما في بداية تشكيل حكومته عام 2007 ولكنه ادرج بعض منهم ضمن حكومته تدريجيا ولكنها كانت عناصر اضعف من ان تتحدي فياض الذي كان قويا حد الاختلاف مع الرئيس الفلسطيني حول صلاحيات كل منهما. يبدو ان حركة فتح لم تنس ما فعله فياض معها فكانت أول المرحبين باستقالته مشيرة إلي ان هناك الكثير من المتعلمين قادرين علي الخدمة في رئاسة الوزراء بدلا من فياض ومؤكدة علي رفضها للتدخل الأمريكي في الشأن الفلسطيني وتحديد من يصلح لهذا المنصب ممن لا يصلح. أما علي الجانب الأخطر والأهم في استقالة فياض هو انه ترك الرئيس الفلسطيني في موقف لا يحسد عليه.. فبات علي عباس أن يشكل حكومة أخري دون مصادقة المجلس التشريعي وتطبيق اتفاقيات المصالحة التي تم التوصل إليها بين حماس وفتح وآخرها اتفاق الدوحة الذي نص علي تولي عباس نفسه رئاسة الحكومة لمدة 3 شهور يعقبها انتخابات عامة. ويقول مراقبون ومسئولون ان عباس لن يقدم علي تطبيق تلك الاتفاقيات في ظل جهود أمريكية متواصلة لاستئناف المفاوضات.. الأمر الذي يتركه مع خيار وحيد وهو تشكيل حكومة انقسام جديدة مقابل حكومة الانقسام الأخري التي تقودها حماس في قطاع غزة وهو ما يقطع الطريق أمام اتمام المصالحة وإنهاء الانقسام الذي يمزق فلسطين منذ سنوات.