قال تعالي في سورة الكهف: "ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله وأذكر ربك إذا نسيت وقل عسي أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا" "الآيتان: 23. 24". وقد ذكر محمد بن إسحاق في سبب نزول سورة الكهف عن ابن عباس. قال: بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلي أحبار يهود بالمدينة. فقالوا لهم: سلوهم عن محمد. وصفوا لهم صفته. وأخبروهم بقوله. فإنهم أهل الكتاب الأول. وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء. فخرجا حتي أتيا المدينة. فسألوا أحبار اليهود عن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - ووصفوا لهم أمره وبعض قوله. فقالوا لهم: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن. فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل. وإلا فرجل متقول. فتروا فيه رأيكم: سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم. فإنهم قد كان لهم حديث عجيب؟ وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها. ما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح ما هو؟ فجاءوا رسول الله - صلي الله عليه وسلم - فسألوه عما أمروهم به. فقال - صلي الله عليه وسلم - "أخبركم غدا عما سألتم عنه". ولم يستثن - أي لم يقل إن شاء الله - فانصرفوا عنه. ومكث رسول الله - صلي الله عليه وسلم - خمس عشرة ليلة لا يُحدث الله له في ذلك وحيا. ولا يأتيه جبريل عليه السلام. حتي أرجف أهل مكة. وقالوا: وعدنا محمد غدا. واليوم خمس عشرة قد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشيء عما سألناه عنه. وحتي أحزن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - مكث الوحي عنه. وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة. ثم جاءه جبريل - عليه السلام - من الله - عز وجل - بسورة أصحاب الكهف. وفيها: "ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت". فكان هذا إرشادا من الله - تعالي - إلي الأدب فيما يعزم الإنسان علي فعله في المستقبل. أن يرد ذلك إلي مشيئة الله - عز وجل - الذي لم يترك المستقبل لأحد سواه. ولذلك فقد أخبرنا الله - تعالي - في سورة القلم عن قصة أصحاب البستان الذي أثمر. ورأوا ثمره بأعينهم. فأقسموا أن يأتوا في المساء ليجنوا الثمر قبل أن يراه الفقراء في الصباح. ولم يعلقوا ذلك علي مشيئة الله. فأرسل الله عليها حاصبا فأصبحت عدما. ليس فقط من أجل عدم تعليق المستقبل علي مشيئة الله. وإنما أيضا من أجل كفر النعمة. قال تعالي: "إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم" "القلم: 17 - 20". وقوله تعالي: "واذكر ربك إذا نسيت" قيل في معناه: إذا نسيت أن تقول علي الفعل أو الترك في المستقبل إن شاء الله. ثم تذكرت ذلك فقل: إن شاء الله. قال ابن عباس: حتي ولو كان ذلك بعد سنة وقيل: إن قوله تعالي: "واذكر ربك إذا نسيت" أعم من ذلك. فهو إرشاد لكل من نسي شيئا في كلامه. وأراد أن يتذكره. فعليه أن يذكر الله تعالي. لأن النسيان منشؤه الشيطان. كما قال فتي موسي: "وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره" "الكهف: 63". وذكر الله تعالي يطرد الشيطان. فإذا ذهب الشيطان ذهب النسيان. فكان ذكر الله تعالي سببا للذكر. ولهذا قال: "واذكر ربك إذا نسيت وقل عسي أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا". أي إذا سئلت عن شيء لا تعلمه فاسأل الله تعالي فيه. وتوجه إليه أن يوفقك للصواب والرشد في ذلك. والله أعلم.