النسيان أحيانا ما يكون نعمة وأحيانا ما يكون نقمة.. هو نعمة لانه بدون قدر من النسيان تصبح الحياة عبئا ثقيلا، حين نفقد واحدا من أهلنا أو أحبائنا ولا تفارقنا ذكراه ولو لبعض الوقت، حتي نستطيع أن ننهض بشئوننا الحياتية.. وهو نقمة حين ينسينا تواريخ مهمة مثل الوفاء بوعد وعدناه، أو تواريخ ميلاد أعزائنا الذين ينتظرون منا أن نتذكرهم فيها .. الخ. والنسيان ان كان قليلا لم يضر كثيرا، أما ان كان كثيرا فضرره اكيد.. كالملح.. القليل منه يصلح الطعام والكثير منه يفسده ويضر بالجسم.. والنسيان علي اي حالة ظاهرة إنسانية، أتي ذكرها في غير موضع من كتاب الله.. ومن ذلك قصة موسي عليه السلام وفتاة في رحلتهما للقاء العبد الصالح الخضر عليه السلام »وإذ قال موسي لفتاة لا أبرح حتي ابلغ مجمع البحرين أو امضي حقبا. فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيلة في البحر سربا. فلما جاوزا قال لفتاة آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا. قال أرايت اذا أوينا إلي الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانية الا الشيطان ان اذكره وإتخذ سبيلة في البحر عجبا. قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا علي آثارهما قصصا. فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما »الكهف 06- 56«.. والاسئلة التي سألها رسول الله صلي عليه وسلم فقال: »أجيبكم عنها غدا.. فأنزل الله في ذلك قرآنا ينتفع به« »ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا. إلا أن يشاء الله وإذكر ربك اذا نسيت وقل عسي ان يهدين ربي لاقرب من هذا رشدا »الكهف 32- 42« فهذا توجيه رباني بأن نقدم مشيئة الله اولا، لانه لايتم شيء الا بإذنه، ولا يتم شيء الا بعلمه.. وجاء ذكر النسيان ايضا في قصة يوسف عليه السلام، حين رأي اثنان من رفقاء السجن، رأي كل منهما رؤيا فسرها لهما يوسف، وتقضي رؤيا الاول بأنه سيصلب، والثاني بأنه سينجو وسيكون ساقي الملك »وقال الذي ظن انه ناج منهما إذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين« »يوسف 24« »فالشيطان يحاول ان ينسينا ما ينبغي عليناتذكره، ومن ذلك أساسا آخرتنا، وان البعض يستسلم ولا يأخذ حذره حتي يستولي عليه الشيطان فينسيه ذكر ربه »إستحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان الا ان حزب الشيطان هم الخاسرون« »المجادلة 91«.. ولذلك يدعو المؤمنون ربهم ألا يؤاخذهم في حال النسيان أو الخطا، وان يعفو عنهم ويرحمهم »ربنا لاتؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولاتحمل علينا اصرا كما حملته علي الذين من قبلنا ربنا ولاتحملنا مالا طاقة لنا به وإعف عنا وإغفر لنا وإرحمنا« »البقرة 682«.. والله يوجهنا ان نستعيذ به كلما احسنا بطنين الشيطان اي بوسوسته، والتي اشبهها بطنين الاذن وهو شيء مزعج لمن يعلم »وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فإستعذ بالله إنه هو السميع العليم »فصلت 63«..