"أستغفر الله العظيم.. شعب محترم" هذه العبارة ليست لي.. ولكنها غالباً كتبها أحد المواطنين الشرفاء بخط واضح كبير علي جزء من السور الممتد بجوار مترو مصر الجديدة في منطقة كوبري القبة بالقرب من ضريح الزعيم الراحل جمال عبدالناصر ووزارة الدفاع.. وذلك بعد أن كلف نفسه بطلاء مساحة كبيرة من هذا السور لتغطية العبارات والألفاظ النابية التي كتبتها بعض القوي السياسية المعارضة التي اتخذت أسوار القاهرة والمحافظات وسيلة لعرض آرائها ونشر أفكارها وشعاراتها.. وهي ضامنة ان عشرات الآلاف من المواطنين والمسئولين والزائرين سوف يشاهدونها في ذهابهم وإيابهم في مثل هذه المنطقة الحيوية والمناطق الأخري في أنحاء مصر. وبالتأكيد إن هذا المواطن المحترم لم يكلف نفسه مع أسعار البويات الباهظة وأجور العمال سدي.. فهو له هدف أو غاية أو رسالة أراد أن يعلنها لشعب مصر وخاصة لهذه الفئة من المعارضة التي اتخذت من الأسوار وسيلة مضمونة وسهلة لكي تعارض النظام وللأسف تستخدم في هذه المعارضة أقذع الشتائم وأحط الألفاظ غير عابئة بمشاعر الشعب المصري العريض الذي يشعر بالحرج ولا سيما أمام الزوار والسائحين الذين يرون هذه التقليعة الجديدة في المعارضة.. مع كل التقدير لثورة يناير التي أطلقت الناس كل الناس في حرية غير مسبوقة تخطت كل الخطوط الحمراء والصفراء والزرقاء.. وتجاوزت كل الضوابط في وسائل التعبير سواء في الإعلام أو عبر المظاهرات والاحتجاجات والوقفات والاعتصامات.. بل حتي في مواقع العمل والإنتاج. ولا شك أن هذا كله أمر طبيعي في أعقاب ثورة أسقطت نظاما حاكماً اعتمد في استمراريته ومكوثه في السلطة عقوداً طويلة اعتمد فيها علي السياسات الأمنية والبوليسية وحملها أكثر من طاقاتها في ظل مشكلات اقتصادية واجتماعية متفاقمة عجز النظام عن التصدي لها ولا سيما مع الزيادة السكانية المتلاحقة والفساد المالي والإداري وانهيار التعليم والقيم والمباديء التي يفترض أن يقوم عليها ويبني علي أساسها كل مجتمع متحضر وكل دولة راسخة مستقرة. ولكن غير الطبيعي. وغير المنطقي أن يتخذ هذا التعبير بكل وسائله وفعالياته مظاهر وأشكالاً غير سلمية وكثيرا عنيفة ومتطرفة قد تؤدي إلي إراقة الدم المصري لأبناء الوطن الواحد.. وحتي في أبسط فاعليات هذا التعبير عن الرأي بالكلمة والرسم والصورة. رأينا علي مدي العامين وخاصة في الفترة الأخيرة شططاً وجنوحاً وخروجاً عن التقاليد وعن الأعراف وعن أخلاق المصريين المعروف عنهم السماحة والطيبة والتدين الفطري دون تزيد أو تطرف أو تصور فئة أو جماعة انها تقدم اختراعا جديدا للمصريين اسمه الدين الممزوج بالسياسة أو الإجبار الذي لا تقره شريعتنا الإسلامية السمحاء. وقد كان مسيئاً لكل المصريين العقلاء والنبلاء هذا الصراع المحتدم بين أطراف العملية السياسية وقد أدي إلي الانقسام والتفكك والصراع والدماء ثم الكراهية والتطاحن والبغضاء والتطاول بالألفاظ البذيئة والشتائم والسخرية الفجة ليس علي الأسوار الكثيرة المنتشرة في كل أنحاء مصر بل أيضا في وسائل الإعلام والصحف والفضائيات والبرامج بل حتي في أسلوب بعض مقدمي هذه البرامج التي تسمي التوك شو وأداء وحتي طريقة أداء البعض منهم تلمس فيه شططاً وانحيازا وخروجاً عن المهنية والمواثيق البديهية للإعلام. وللأمانة لابد أن نشهد ان هذا الشطط والجنوح في التعبير عن الرأي كان ولايزال يصدر عن المعارضة أكثر منه من مؤيدي السلطة الحاكمة.. وإن كان هذا لا ينفي ان هناك أيضا رد فعل في فترة سابقة اتخذ أشكالاً تميل إلي العنف أو تهدد به رأيناه في بعض المسيرات في الاتحادية ووقفات أمام الانتاج الإعلامي وفتاوي غريبة دخيلة بدأت تخرج علينا تعطي ذرائع لأعداء الإسلام. *** ولكن رغم خطورة كل هذه التداعيات الثورية. تبقي ظاهرة استغلال الأسوار في مصر في المعارضة البذيئة بأقذع الشتائم والسباب ظاهرة غريبة دخيلة علي حرية التعبير الموضوعية والمحترمة.. وهي الرسالة التي وجهها هذا الرجل النبيل الذي استغفر الله علي الأسوار. وأكد ان الشعب المصري شعب محترم لا يليق به أن ينشر هذه البذاءات علي الأسوار ليشاهدها الملايين من المصريين والزوار والنشء الصغير الذي يجب أن يربي علي القيم والأخلاق.. ولعل الرجل الذي أخذ هذه المبادرة وربما يكون ذا خلفية عسكرية يعرف تأثير هذه التربية والتنشئة. فكلف نفسه أموالاً وجهداً يمحو به هذه الألفاظ النابية ليس دفاعا عن النظام الذي ربما يكون من غير أنصاره أو غير راض عن أدائه.. ولكنه يدافع عن أخلاق المصريين ويحاول أن ينأي بأبصارهم عن مشاهدة هذا القبح وهذه الفجاجة في التعبير. التي لا تليق بثورة يناير النبيلة ولا شعب مصر العريق. ولكن للأسف لا أدري من وراء هذه الوسيلة الممنهجة في الكتابة المسيئة علي الأسوار.. إذ انه حدث مع هذا الرجل ومبادرته الفردية في تجنيب الناس هذا الفحش ما حدث أيضا مع جهود محافظ القاهرة التي حاولت التصدي لهذا الجرم من خلال الأجهزة المحلية أمام قصر الرئاسة أو ما يسمي الجدارية أو الرسوم التذكارية في محيط ميدان التحرير.. مع تقديرنا للرسوم والشعارات المحترمة إذ سرعان ما قام هؤلاء المعارضون بالكتابة مرة أخري علي الأسوار بادئين بعبارة هزلية تقول: "مبروك البويه الجديدة".. وليتواصل هذا الأسلوب الفاحش الخادش للحياء مرة أخري علي كل أسوار القاهرة في الميادين والشوارع ومحطات المترو بل حتي دور العبادة.. فقد طال التعدي هيبة الدولة وطال المرافق العامة كمترو الأنفاق الذي ينقل الملايين ويتم تعطيله يومياً.. ولا عجب فهل هناك ما هو أهم من قصر الرئاسة الذي صار الآن "ملطشة" لكل المعارضين للنظام.. في إشارة أن مصر كلها الآن صارت مستباحة للفوضي والإنهيار. بالأمس القريب كانت المعارضة بالكتابة ولو بألفاظ خارجة علي الأسوار.. ولكن في الفترة الأخيرة تطور الأمر بمحاولة تسلق الأسوار واقتحام قصر الرئاسة ثم محاولة هدم الأسوار بالبلدوزورات ثم أخيراً قذف الداخل وحرق الأشجار واصابة الجنود والحراس بالقنابل الحارقة والمولوتوف.. ولا ندري ماذا سيحدث في أيام "جمع" الغضب القادمة بمثل هذه الأفعال الطائشة المجنونة وربما المأجورة التي تريد حرق مصر. ليس هذا دفاعاً عن النظام الذي ربما نختلف معه ومع سياساته وبعض أشخاصه.. ولكن ليس هكذا تكون المعارضة سواء في البرامج الكوميدية التي تجعل من رمز الدولة مجالاً للضحك والسخرية.. ولا بالكتابة النابية علي أسوار مصر. وتبقي الكلمة الأخيرة لشعب مصر "المحترم" صاحب المصلحة الحقيقية.. وللقانون الصارم لكي يوقف هذا العبث.. !!