سؤال.. اعترف بأنه ليس بريئاً ولا منزهاً.. لماذا لا تصدر قرارات الازالة لجميع العقارات المخالفة إلا بعد اكتمال بنائها وبيع وحداتها وامتلائها بالسكان بحيث يصبح قرار الازالة بحكم القانون المعيب مستحيل التنفيذ؟.. الحقائق علي الأرض تؤكد ان هناك مئات الآلاف من الأبراج المخالفة اقيمت في وضح النهار وعلي شوارع رئيسية.. واستمر بناء كل منها شهوراً.. دون ان يقترب منها أحد أو يصدر قرار بهدمها ومحاكمة أصحابها قبل ان تصل إلي مرحلة الأمر الواقع عندما تملأ بالسكان ويصبح أقصي ما يمكن الوصول إليه هو غرامة هزيلة مضحكة لا تعادل ثمن غرفة واحدة في شقة من عشرات الشقق التي يضمها كل برج؟.. الإجابة عن السؤال سوف تزكم أنوفنا بالتأكيد برائحة الفساد المستشري في المحليات وفي جميع أجهزة الدولة ذات العلاقة بالكارثة التي سوف تتوالي فصولها الدامية وتستمر لسنوات وسنوات..سؤال آخر ليس بريئاً أيضاً.. لماذا لا نري في كوارث القطارات والسيارات والميكروباصات والتوك توك وكل ما يسير علي الطرقات والسكك الحديدية والمجاري المائية.. سوي الجانب الأقل أهمية ونترك المهم والأهم.. لتكون النتيجة الحتمية هي تكرار الكوارث بنفس التفاصيل واستمرار نزيف الدم المصري الذي لم يعد غالياً ولا مهماً.. ما دمنا كلنا سنموت والميت في أي كارثةله الجنة.. والحي سوف يلحق به ان عاجلاً أو آجلاً بحسب كلمات الدكتور حسن البرنس نائب محافظ الاسكندرية والتي نشرت علي الموقع الاليكتروني لصحيفة يومية.. عندما رد علي سيدة فقدت عدداًمن أفراد عائلتها في كارثة انهيار عقار المعمورة البلد قبل أيام والتي قال فيها: من ماتوا سبقوكي إلي الجنة وكلنا سنموت.. والمعني هنا يقودنا للمرة الثالثة إلي تساؤل ليس بريئاً: لماذا الحزن والعويل ما دام الموت هو مصيرنا ومن لم يمت الآن فسوف يموت غداً.. بل ولماذا التحقيق والمطالبة بالحساب والعقاب ما دام وكلاء الموت في بلادنا لا يفعلون اكثر من تنفيذ مشيئة الخالق سبحانه وتعالي؟ دعونا من هذا العبث وتعالوا نتأمل بعض الحقائق المسكوت عنها في الكوارث التي لاحقتنا وملأت حياتنا كآبة ومهانة خلال الأيام القليلة الماضية.. ففي حادث قطار البدرشين تحدث الجميع عن الصيانة المفقودة والإهمال المنتشر في مرفق السكك الحديدية.. ولم يتحدث أحد عن حشر أكثر من 200 إنسان مصري فقير بسيط ذاهب لتأدية الواجب الوطني.. في عربة قطار لا تستوعب نصف هذا العديد.. بلا اضاءة أو دورة مياه.. حتي ان بعضهم جلس علي الأرض والآخر تمدد علي الارفف المخصصة للحقائب في صورة لا علاقة لها بالانسانية ولا بالرحمة.. وكأنهم رحمة الله علي من استشهد منهم.. لا ينتمون إلي سلالة البشر.. ألا يذكرنا ذلك بحادث قطار أسيوط الذي ادمي قلوبنا عندما حصد أطفالاً أبرياء.. فقد انتهي الأمر إلي إحالة عاملين إلي المحاكمة ونسينا أو تناسينا عن عمد ان حافلة الموت كانت محملة بثلاثة اضعاف طاقتها الاستيعابية من الأطفال.. لم نفكر في محاسبة المسئولين في التربية والتعليم ولا في المدرسة الإسلامية التي سمحت بذلك ولم ترفضه أو تحتج عليه أو تمنعه.. ولا حتي أجهزة الشرطة التي لم تنتبه إلي هذه المخالفة الجسيمة التي كانت تتكرر كل يوم وربما لا تزال تتكرر في حافلات مدرسية أخري.. والنتيجة المؤكدة هي استمرار الظاهرة.. وتوقع المزيد من الكوارث..نعود إلي الثغر الذي لم يعد باسماً.. في هذا المكان وقبل أشهر قليلة حذرت مما نري بعض نتائجه الكارثية الآن وما سنراه غداً وبعد غد.. حذرت من كارثة مخالفات البناء التي لا تزال مستمرة تحت أعين كل من يهمهم الأمر.. قلت ان بعض الحارات الضيقة التي لا يزيد اتساعها علي مترين أو ثلاثة تقام فيها أبراج من عشرين طابقاً دون أي مراعاة لقواعد البناء أو مواصفات السلامة.. ولم نسمع عن هدم عقار واحد تحت الانشاء.. فقط نسمع عن قرارات إزالة لم تنفذ وسكان مجرمون لم يتركوا بيوتهم.. بعد ان يسقط العقار علي رؤوسهم. إذا كانت الظروف قد أتاحت لي مشاهدة بعض المخالفات الصارخة الكارثية في الثغر.. فإن الحقائق تؤكد ان فوضي البناء العشوائي والذي يضيف كل يوم آلاف القنابل الموقوتة في جميع المحافظات وصلت إلي حد ينذر بجحيم سوف نصطلي به جميعاً.. فالعقار المخالف عندما يتهاوي يأخذ معه عقارات مجاورة أخري لا ذنب لاصحابها ولا لسكانها في هذه الفوضي.. وها هي تصريحات مدير جهاز التفتيش الفني تؤكد ما حذرنا منه وما زلنا.. حيث يشير علي ان عدد المخالفات التي تم حصرها ورصدها في جميع أنحاء مصرتضم حوالي 318 ألف عقار.. هذا بالطبع لا يكشف كل الحقائق.. لأن هناك آلاف العقارات التي يجري بناؤها الآن ولا ولن تدخل في الحصر ولا في قائمة قرارات الازالة إلا بعد اكتمالها.. أي ان هناك علي أقل تقدير نصف مليون عقار مخالف وما لا يقل عن خمسة ملايين شقة آيلة للسقوط في أغلبها.. يسكنها أو سوف يسكنها أكثر من 25 مليون مصري ليصبحوا في مرمي الحوادث الكارثية.. والسبب قانون هزيل وعقوبات هزلية وتراخي متعمد وتواطؤ مؤكد وفساد لم يعد يستثني أحداً.