يخطئ من يظن أن سقوط صحفي شاب مثل البطل ¢الحسيني أبو ضيف¢ شهيدا وهو يؤدي عمله بحرية وأمانة وموضوعية سوف يرهب الصحفيين شبابا وشيوخا ويصرفهم عن كشف الحقائق كاملة للشعب ورفع الأقنعة عن وجوه المخربين والمضللين وتجار الشعارات الدينية والوطنية. فسوف يظل صحفيو مصر جنودا مخلصين يستهدفون مصلحة الوطن ويضحون بكل غال ونفيس في سبيل الدفاع عن مهنتهم والرقي بوطنهم ومهما كانت قسوة رصاص القتلة الذين يستهدفونهم. يخطئ من يتوهم أن اقتحام فئة ضالة لمقر صحيفة الوفد وإتلاف سيارات الصحفيين العاملين فيها وترويعهم في ليلة سوداء سوف يخيف صحافة مصر الحرة ويصرفها عن القيام بواجبها الوطني في توجيه الرأي العام لممارسة حقه في التعبير عن رأيه بحرية دون أن تتحكم في توجهاته واختياراته فئة أو جماعة أو حزب. فلو اقتحمت قوي الظلام كل يوم صحيفة فلن تتمكن من كسر أقلام الصحفيين ومصادرة حريتهم وسوف تظل صحافة مصر معبرة عن كل أطياف المجتمع مجسدة لآلام الشعب وأماله كاشفة لكل القوي والجماعات التي تريد اختطاف الوطن ومصادرة حرية كل أو بعض من يعيش علي ترابه. يخطئ من يعتقد أن محاصرة مدينة الانتاج الإعلامي وإرهاب الإعلاميين في فضائيات مصر سوف يخيف الأصوات الحرة ويفرض عليها الصمت عما يحدث في مصر الثورة من محاولات لمصادرة إرادة شعبها وفرض رؤي بعض الجماعات علي جموع الشعب المصري الذي يتطلع الي حرية حقيقية ودستور محترم يعبر عن طموحاته ويجسد عظمة حضارته .. فسوف تظل الفضائيات المصرية - مع رفضنا لبعض ما يتردد في بعضها من إسفاف- منبرا حرا يتصدي بكل شجاعة لكل محاولات تزوير إرادة الشعب والتلاعب بمستقبله. *** مشكلة بعض القوي السياسية في مصر أنها لا تؤمن إلا بالحرية التي تحقق أهدافها وطموحاتها. فكل جماعات الإسلام السياسي - التي تتهم الاعلام المصري الآن بالانحراف والتخريب وتطالب بتطهيره - استفادت كثيرا من كل وسائل الإعلام المصرية من صحافة وإذاعة وتليفزيون ووصلت من خلالها للناس. وعبرت من خلال صحفها وقنواتها عن أفكارها المقبولة والمرفوضة شعبيا ولم تصادر صحيفة قومية أو حزبية أو خاصة رأي واحد من رموز هذه الجماعات والتيارات والأحزاب السياسية ذات التوجهات الدينية.. كما صدعتنا الفضائيات المصرية برموز تيار الإسلام السياسي وفرضتهم علي علينا كل ليلة وحرقت دمنا بآراء بعضهم الصادمة. وجعلت الفضائيات المصرية من هؤلاء المشايخ نجوم مجتمع وكان أداء هذه الفضائيات مقنعا لهم وكانوا يتسابقون في الظهور بها وترديد كل ما يحلو لهم من خلالها. لكن المؤسف والمحزن أن احتضان وسائل الاعلام المصرية من صحافة وفضائيات لهؤلاء المشايخ والتسابق في نقل أخبارهم وأفكارهم جعلهم يتوهمون أنها أصبحت ملكية خاصة لهم ولابد أن تسير في فلكهم ومحظور عليها الحديث عن أخطائهم وتجاوزاتهم باعتبارهم معصومين من الخطأ أو باعتبار أنهم أصبحوا أصحاب البلد وليس من حق أحد مساءلتهم. لقد توهم هؤلاء أنهم أصحاب الغلبة في الشارع المصري وليس من حق أحد أن يقول لأفكارهم وتوجهاتهم "لا". هم يحشدون الجماهير بكل الوسائل لتقول " نعم للدستور" ولا يعترفون بحق الآخرين في توعية الجماهير بأن "لا" هي الأفضل. هم يستخدمون كل الوسائل لإقناع الشعب بما يريدون ولا يعترفون بحق الآخرين في الاختلاف معهم ورفض أفكارهم ومقترحاتهم وتبني وسائل الاعلام لكل فئات وطوائف الشعب. لذلك غضبوا وثاروا عندما قالت لهم الصحف والفضائيات " لا" وجهوا الاتهامات العشوائية للإعلام المصري كله ورددوا الهتافات المعادية لكل العاملين فيه وشهروا بهم من فوق منصات المظاهرات والمليونيات وحرضوا كل أجهزة الدولة علي معاداة الاعلام ورددوا في كل مكان شعارات تطهير الاعلام من الإعلاميين الفاسدين والمنحرفين. وحاصروهم في مدينة الانتاج الاعلامي واقتحموا إحدي الصحف الحزبية وكانوا في طريقهم لاقتحام صحف أخري لولا صمود الصحفيين وبسالتهم وتضامنهم. *** يجب علي هؤلاء أن يراجعوا مواقفهم وأن يدركوا رسالة الاعلام الحر الذي يعبر عن توجهات كل فئات الشعب ويقود ثورات التحرر الحقيقية ويقف في وجه كل قوي التسلط والقهر. يجب أن يدرك هؤلاء أننا أصبحنا في مجتمع ديمقراطي حر ومن أبرز مظاهر الديمقراطية الترحيب بالرأي الآخر وتوعية المجتمع بكل الأخطار المحدقة به. ينبغي أن يدرك هؤلاء أن الشعب المصري محبط ويائس وحزين علي ثورته التي تسرق وتدمر إنجازاتها وأن واجب الاعلام المصري بكل وسائله وأدواته ورجاله أن يجسد آلام وطموحات هذا الشعب ولا يسير علي هوي فئة أو جماعة أو حزب لا يعبر عن توجهات وطموحات كل المصريين أو أغلبيتهم. يجب أن يدرك هؤلاء أن الحوار العقلاني هو الحل وأن محاولة ترويع الصحفيين والإعلاميين لن تثنيهم عن التعبير عن قناعاتهم وقيادة الرأي العام لما فيه الخير للشعب والوطن ولن تجدي في ذلك محاولات استقطاب من هنا أو هناك. لن تستطيع قوة سياسية أو حشد جماهيري أيا كان انتماؤه السياسي أو الديني أن يصادر حرية الصحفيين والاعلاميين وفرض رؤي معينة عليهم وسوف يستمر الاعلام المصري بكل أدواته يؤدي دوره الوطني والسياسي والتنويري دون خوف من جماعة أو طائفة حتي ولو انتهجت العنف ومارست القتل والتعذيب وترويع الصحفيين والاعلاميين. سيظل إعلام مصر حرا قويا مساندا للدولة المدنية الديمقراطية الدستورية التي تحترم السلطة التنفيذية فيها سلطة القضاء ورسالة الاعلام ويأخذ كا فرد فيها حقه بصرف النظر عن انتمائه الفكري أو عقيدته الدينية أو توجهه السياسي.