الساحة الاعلامية التي تعج بالفوضي والعشوائية والابتزاز في كثير من الاحيان ولا تتوقف في الافق السياسي أو ما يتعلق بالحكومات وحرية التعبير ضد السياسات الرسمية. تأخذ مظاهر متعددة ضد المجتمعات والافراد وحقوق الصحافة المكتوبة واتسع سوق الفضائيات ليصل الآن إلي ما يقرب من 005 فضائية يمكن لمن يتابعها ان يصاب بالجنون، فالقنوات التي تبث العري تتجاور مع القنوات التي تبث الفكر المتطرف وبعضها يخضع لمالك واحد يبيع النوعين بل ان هناك بعض القنوات يتتابع في الواحدة منها بث كل هذه العشوائية. فبرنامج عري مستفز يتبعه برنامج رياضي أو سياسي وليس في اصول الاعلام شيء كهذا بل يجب ان يكون لكل قناة هدف وتوجه معروف وهناك مصالح للمجتع واخلاقيات يجب ان تراعي وليس هناك مكان في العالم يسمح بهذه الفوضي المربكة. أما القضية التي لم تأخذ حقها في البحث حتي الآن في مسألة الفضائيات فهي حقوق النشر والاستغلال الذي تتعرض له الصحافة المكتوبة من جانب هذه الفضائيات ويكفي ان يتابع المشاهد اي برنامج حواري من البرامج التي صنعت نجوما ليكتشف ان كل افكارها وقضاياها منقولة حرفيا من صحيفة أو مجلة، بكسل وتبجح شديدين حتي ان بعض البرامج يعتمد علي مصدر وحيد ولا يتعب معدوها انفسهم في قراءة اكثر من صحيفة. انما يظل البرنامج زبونا دائما بجريدة أو مجلة واحدة ونظرا لجاذبية البث التليفزيوني الذي يصل إلي المشاهدين في بيوتهم، بعكس الصحيفة أو المجلة فإن الصيت يبقي للبرنامج لكن السرقة تكون واضحة لدي العاملين في الحقل الصحفي والاعلامي. هذه القضية ينبغي ان نجد لها حلا، وحقوق الصحفيين يجب ان تحترم مثلما يجب علي هذه الفضائيات ان تحترم حقوق مجتمعاتنا وقيمها. والاخطر من كل هذا الفتنة الطائفية التي تنشرها القنوات الدينية والتي لا يمكن ان تسمح بها دولة مثل فرنسا أو المانيا فالديمقراطية وحرية البث لها حدود تقف عند الاساءة والتخريب ومن يتجاوز هذه الحدود يجب ايقافه، اما الذين يصورون الامر علي انه معركة بين الفضائيات والقوي السياسية والاقتصادية والحكومات فقط فهم يحاولون الاحتماء بالفوضي تحت شعارات الحريات البراقة، وهروبا من ميثاق الشرف الاعلامي الذي كلما بحثنا عنه لوضعه موضع التطبيق نواجه بمعزوفة جديدة ونواح من الفضائيات والصحف المعروفة بتوجهاتها بأن هذا مقدمة للحد من الحريات الاعلامية وهذه عادة ما تكون ضجة استباقية لمنع أي جهة لتنظيم الساحة الاعلامية التي تعج بالفوضي والعشوائية والابتزاز في كثير من الحالات! والسؤال الآن: هل نحن بحاجة إلي كل هذا العدد من القنوات الارضية والفضائية، وهل هناك اختلافات بينها تبرر وجودها جميعا وهل لدينا القدرة علي رفع كفاءتها ام يجب الاستغناء عن بعضها بالدمج أو الخصخصة.. اعتقد ان الاذاعة والتليفزيون المصري الذي اصبح يناقش كل شيء بحرية بعد ثورة 52 يناير يستطيع ان يفتح نقاشا بين خبراء الاعلام ليتعرف علي ارائهم عن قرب ويشركهم في الوصول إلي الخيار الافضل من اجل الانطلاق ليساير فكر وطموحات ثورة يناير معبرا عن آلام وآمال الشعب في حياة تتسم بالحرية والكرامة والعدالة وليس اعلاما لتأليه الحاكم وتقديسه ووضعه في مرتبة فوق المساءلة، الشعب يريد اعلاما يساير العصر ويواكب مرحلة التنافس الاعلامي العالمي. ومن اجل ان يصبح التليفزيون والاذاعة مؤسسة اقتصادية ناجحة تؤدي دورها الكامل بدون ان تكون عبئا علي ميزانية الدولة، فالاعلام في النهاية صناعة ومن المؤكد انه عندما ينتج كصناعة ومشروع اقتصادي يكون قد نجح في رسالته ووظيفته الاعلامية. تزايدت في الفترة الاخيرة ظاهرة تأسيس القنوات الفضائية لتلحق بظاهرة الصحافة الخاصة بعد ان اكتشف رجال الاعمال والسياسة اهمية الاعلام في خوض حروبهم الهجومية علي اعدائهم سياسيا واقتصاديا والحروب الدفاعية عن انفسهم، كل رجل اعمال اصبح الان يسعي إلي اطلاق جريدة أو قناة فضائية والبعض يجمع بين الحسنيين والخطير في هذه القنوات والصحف انها تلون اخبارها وتعليقاتها طبقا لمصالح اصحابها وارتباطاتهم في السوق. العالمون ببواطن الامور في مجتمع رجال الاعمال ومجتمع الاعلام يستطيعون قراءة اتجاهات الريح ومعرفة الاحلاف والصداقات من خلال ما ينشر أو يذاع ولكن المشكلة في الجمهور العام الذي لا يعرف الكواليس ويتخذ مما ينشر أو يذاع وسيلة للمعرفة ويتخذ قراراته واتجاهاته بناء علي مواد إعلامية ملغومة! لقد اكتشف المستثمرون ان القنوات التليفزيونية والصحف ليست مجرد منصات لإطلاق الصواريخ فقط ولكنها مشروع رابح في النهاية وليتحول من خسارة محسوبة يقتطعونها من مخصصات الاعلان في شركاتهم إلي مشروع ناجح يدر عليهم الارباح في النهاية، وكذلك بعض اصحاب الفكر الديني والتيارات السياسية بدأوا يفعلون.. ولكن المشكلة ان هذه المنابر الاعلامية من المفترض ان توسع هامش الحرية تتخذ من حرية النشر رهينة في أيديها ويتحول اعلاميوها إلي ما يشبه الدروع البشرية التي تستخدم أثناء الحروب. أما أوضاع البيت الصحفي، تهم كل المهتمين بالشأن العام في مصر وعندما نلح في الكتابة عنها فاننا لا نكتب عن شأن خاص يهم فئة خاصة وقد وصل انقلاب الاوضاع في الصحافة حدا ينبيء بالخطر سواء من حيث الاداء المهني أو الوضع الاقتصادي للصحف والصحفيين. تلك الاوضاع تتطلب تدخلا عاجلا من نقابة الصحفيين المسئولة عن رعاية المهنة وشرفها الضائع الذي كشفت عنه احداث ما قبل ثورة 52 يناير بسنوات. معادلة صعبة تواجه الاعلام الصحافة المكتوبة التي وجدت لها منافسين أشداء في القنوات الفضائية والصحافة الاليكترونية فلم تعد الكتابة المطبوعة هي الوسيلة الوحيدة للحصول علي الخبر أو المعلومة بل طارت الاحداث بشكل اسرع واكثر ابهار أو تلوينا فوق امواج الاثير، لتنساب الاخبار والتحقيقات والمعلومة الطازجة علي ألسنة مذيعات فاتنات فمن ذا الذي يحفل بالصحافة المكتوبة أو يرهق عينيه بما يكتبه كتاب غلاظ شداد ما لم يجد مستوي رفيعا من التميز والاحتراف؟ وليس أضر علي العمل الصحفي من ان يلون بطبيعة المصالح الشخصية أو واسطة للعلاقات العامة. لذلك علي الصحافة ان تبتكر وأن تغامر وإلا حكمت علي نفسها بالذبول، واصبح الحفاظ علي ارقام التوزيع انجازا فالقاعدة هي ان تتراجع الارقام اما زيادة التوزيع فقد بدا حلما من احلام الماضي، لا نريد صحافة تقوم مع القائمين وتقعد مع القاعدين ولكن نريدها صحافة تحاور مباشرة في الشأن الوطني والهم القومي تنتقد المسئولين وتختلف مع سياسات وتحاور وتقترح وتحقق وتجادل وحيثما كانت مصلحة الناس تكون الصحافة ولا غير ذلك. لقد كشفت ثورة 52 يناير وميزت الغث من السمين، في الاعلام بل وحملته المسئولية الاولي في التستر علي الفساد وخنق حريات الشعب والهائه بعيدا عن الديمقراطية.. وتستر علي فاسدين استباحوا حقوق الشعب وحرماته وصادروا علي مستقبله وزيفوا ماضيه وابعدوه عن عالمه العربي والافريقي وقربوا عدوه رغما عنا اللدود ومكنوه منا.. نعم ارتكب الاعلام هذه الاخطاء والخطايا في حق الشعب، وتصور المخطئون انهم اعلام جيد اعتادا علي الصراخ أو الفهلوة أو سقط الحديث! ثورة 52 يناير تريد إعلاما نزيها حرا وطنيا لتعطيه من غيرته الوطنية حماسا ومن حرصها علي المصلحة العامة عزيمة وقوة لترقي مصر وتأخذ مكانتها اللائقة عندما يؤدي الاعلام دوره بالحوار المجتمعي وبالرقابة الوطنية. وتلك رسالة للصديق المتميز اسامة هيكل وزير الاعلام الجديد.