* وإذا تكلمنا عن المنافسة بين الصحافة القومية والخاصة حاليا. أيهما سيفوز في المستقبل, وهل سنشهد نهاية للصحف والمؤسسات القومية؟ لاتزال الصحافة القومية تحصل علي الحصة الأكبر من كعكة التوزيع وبرغم نشاط بعض الصحف الخاصة ونجاحها في تجاوز العديد من الحواجز, وأصبحت في موقع المنافسة لهذه الصحف القديمة والمؤسسات الكبيرة فلا يزال الأمر مقصورا علي صحيفة أو صحيفتين علي الأكثر لكن القيم التوزيعية لباقي الصحف الخاصة لا يمكن مقارنتها بالصحف القومية. * لماذا؟ لأن عوار الصحف القومية يقابله عوار آخر في الصحف الخاصة, وهناك خطر شديد وبطء شديد جدا علي طريق اكتمال الديمقراطية وبالتالي ستظل الدولة علي ملكيتها لهذه الوسائل, ربما تعتقد الآن أن هذه الصحف لم تعد بنفس التأثير السابق, وشكواها من الصحف تتدني مقارنة بشكواها من مجموعة النجوم الجدد في الفضائيات الذين يخاطبون عوام الناس وملايين الناس. * هذا يعني أن تأثير الصحافة يتراجع خاصة في ظل تراجع التوزيع؟ توزيع الصحف في مصر يكاد يكون ثابتا لأن الزيادة المستمرة في الأسعار تطرد نسبا عالية من القراء, ومن كان يشتري صحيفتين اصبح يشتري واحدة, ومن كان يشتري صحيفة ومجلة اصبح يفضل الصحيفة, حتي وصلنا إلي حرب شرسة بين المجلات في محاولة لكسب قاريء جديد لان فائض الدخل لايمكن رب الاسرة من شراء مجلة للأم ومجلة للابن وصحيفة له.. الوضع صعب جدا. طيب.. هذا شكل خطرا علي الصحافة القومية, نعم.. لكن في المستقبل لاتزال امامها فرصة للاستمرار, وإذا اجريت استفتاء بين الصحفيين في الصحف الخاصة باستثناء صحيفة او اثنتين لوجدت كل الصحفيين يريدون الانتقال للصحف القومية لأن وضعها الاقتصادي, رغم سوئه, لايزال افضل من الصحف الاخري. وفي جميع الاحوال مطلوب من صحف المستقبل جهد أكبر, لأنه يكفي الجلوس امام نشرة الاخبار المسائية في التليفزيون حتي لاتكون بحاجة لقراءة الصحف, وهو ما يستدعي وقفة انتباه من الصحفيين انفسهم لان مهنتهم في خطر وحياتهم ايضا. في هذا الحوار تحدثت عن تقدم بعض الصحف العربية علي الصحف المصرية.. الا يشكل هذا تحديا جديدا؟ نعم.. لكن صحيح ايضا انه ليست هناك صحافة في العالم العربي تعادل شجاعة الصحافة المصرية, لاتوجد مقدسات, وحرية اقتصاد الافكار والاشخاص تكاد تكون بدون سقف وبالتالي لايستطيع احد المزايدة علينا.. واعتقد ان الشوط الكبير الذي قطعته الصحافة المصرية في حرية الرأي, قد يحتاج اعواما طويلة حتي تصل إليه دول كثيرة.. والفارق لايزال شاسعا. لكن القياس بالمقاييس الأوروبية قد يعني ان الامر مختلف؟ الصحافة في مصر عمرها أكثر من مائة عام, في مصر ثلاث مؤسسات هي الأهرام ودار الهلال والايجيبسيان جازيت تقترب من051 عاما, مما يعني وجود صحافة اصيلة في هذا البلد تحكمها تقاليد عريقة, وتوجد ايضا مؤسسة نقابية قوية وقديمة. والمنافسة بين الصحافة والفضائيات ستحسم لمن؟ برامج التوك شو عبارة عن متابعة للكثير من الأخبار التي تنشرها الصحف, وللأسف من يعملون في تلك الصحف هم انفسهم سيعملون في هذه البرامج, ويكاد يكون العمل في البرامج علي حساب صحفهم القومية, قديما كان الانتماء للصحيفة مقدس, لايجوز التفريط فيه, لكن للأسف لم يعد موجودا بسبب ضعف الدخول, وما يحصل عليه الصحف من الاعداد التليفزيوني يساعده علي ستر حياته لان راتبه من الصحيفة التي يعمل بها لايساوي شيئا. وفي اعتقادي اننا لم نجرب بعد في العمل الصحف الجودة, والتفرد وعمق المعالجة الخبرية واذا جربناها يمكن ان تصمد الصحافة في سوق المنافسة. خلال انتخابات نقابة الصحفيين الأخيرة وقبلها هناك حديث طويل عريض عن تحدي الأوضاع الاقتصادية للصحفيين انفسهم.. كيف سيؤثر ذلك علي مستقبل الصحافة المصرية.. خاصة ان بعض المؤسسات القومية والخاصة علي السواء تعاني من مشاكل اقتصادية. رغم الزيادات المحدودة التي تطرأ في شكل بدلات, لايزال وضع الصحفيين الاقتصادي صعبا جدا, ولايستقيم مع وجود صحفي نزيه قادر علي الحفاظ علي كلمة وضمان حياة مقبولة, والتوجه لحل هذه المشكلة عبر الضغط علي الحكومة ليس أكثر من حلول مؤقتة لكن الاصل ان يحصل الصحفي علي حقوقه من صحيفته. اذا انتقلنا إلي مستقبل التليفزيون وهو اعلام اخر, كيف تري مستقبل التليفزيون الحكومي القومي في مواجهة الفضائيات الخاصة. الذين يتصورون انهم يمكنهم اغلاق السموات موهومون, واشك إنهم لايزالون موجودين فبضغطة زر تستطيع الانتقال إلي عوالم كثيرة سواء علي الانترنت أو الفضائيات.. السموات ونصف اطالع16 صحيفة عالمية. نحن في سباق منافسة, والسوق مفتوحة, النيوزويك الأمريكية تصدر بالعربية, واللوموند الفرنسية وتركيا افتتحت فضائية تبث بالعربية, إذن العالم العربي مفتوح علي أسواق جديدة, أو يتحول إلي سوق جديدة لكثير من أدوات الإعلام من صحف وفضائيات تسعي لتعزيز مصالح دول أخري, وبالتالي المنافسة تشتد, والصحيفة أو المحطة التليفزيونية سلعة إذا لم تجودها سيلجأ الناس إلي المنافس, وإذا لم يجدوا في المنافس العربي ما يرضيهم سيلجأون إلي السلعة الأجنبية ونحن نري بدايات ذلك الآن. * هل هذا يعكس خوفا علي مستقبل مهنة الصحافة والإعلام في مصر؟ نعم هناك تخوفات لكن في نفس الوقت يجب ألا نستهين بتراث الصحافة في هذا البلد, فهذه المهنة لم تتوقف عن انجاب مواهب جديدة, ولدينا أجيال جديدة في بعض الصحف قدموا أخبارا مختلفة, ومجتمعا أخباريا مغايرا, وأنشأوا اهتمامات جديدة داخل القارئ, ولفتوا انتباهه إلي وجود عالم أوسع بكثير جدا من دواوين الحكومة. لدينا أيضا عشرات الكتاب الذين لم يتربوا في ظل الرقابة يكتبون بجرأة, صحيح أنهم مستعجلون, ولديهم بعض المشاكل المهنية مثل غياب التدقيق, لكن في النهاية نري كتابا وصحفيين موهوبين, يكتبون تحقيقات صحفية كافية وشافية, ممايعني أن الإبداع الصحفي المصري لا يزال نهرا فياضا ومستمرا رغم كل المشاكل التي نتحدث عنها. * لكن المهم هو تصحيح الأخطاء والمشاكل التي تحدثت عنها. يوجد إدراك للمشكلة, الصحفيون يعرفون, ونقابتهم تدرك مشكلتهم, وتحارب من أجلها, وندق الأبواب بعنف, وهذا يعطينا الأمل في التغيير للأفضل لأن من لا يغيرون يجب أن يتغيروا. * وكيف تشكل المدونات خطرا وتحديا علي الصحافة التقليدية في ظل وجود عشرات الآلاف من المدونيين والمدونات؟ هذا خطر مهم جدا جدا, لأن اجيالا بأكملها لا تعتمد علي الصحافة الآن, تنتج أعلامها بنفسها في المدونات, وتستهلكه بعيدا عن الرأي العام, وهذا معناه أن جزءا كبيرا من المستقبل يهرب منا, وأنا استغرب عدم وجود صفحة يومية في أي صحيفة مصرية لإجراء حوارات مع المدونيين والمدونات, تنشر عنهم بعض الأخبار الصحيحة, وتنتقدهم في الاخبار الخاطئة, تتكلم عن نبوغهم في الكتابة. أعتقد أن الصحافة القومية والخاصة تركتب خطأ جسيما حينما تترك المدونين والمدونات والحوار يكاد يكون مقطوعا بينهم, وهذا غير موجود في أي مكان آخر في العالم, النيويورك تايمز مثلا فيها باب للمدونين, بل أن بعض المدونين يقفزون من المدونات إلي الصحف الكبري. * هل تعتقد أن صدر الدولة يمكن أن يضيق بهذه الحرية أو حتي الانفلات في الصحافة والفضائيات والمدونات؟ صدر الدولة يضيق, لكن أدواتها لم تعد كالسابق, فأنت لا تعيش معزولا عن العالم, وما كنت تفعله في الأمس, لا يمكن القيام به اليوم. * مثل ماذا؟ يعني موضوع مظاهرة6 أبريل ماذا كان سيحدث لو احاطهم الأمن وتركهم في الشارع يقولون ما لديهم.. المظاهرات أمام مجلسي الشعب والشوري والناس يبيتون علي الرصيف ويقولون ما يحلو لهم.. وهناك صحف تكتب أقصي مما يقوله هؤلاء. * لكنهم لم يحصلوا علي ترخيص؟ نعم.. لكن علينا أن نكون أكثر صبرا علي هذا الجيل, وألا نخطئ في التعامل بحيث لا نصنع من ظواهر بسيطة ومحدودة كرة ثلج تكبر كل يوم. * أستاذ مكرم بعيدا عن أوضاع الصحافة والاعلام كيف تقرأ حال ومستقبل الجماعات الاسلامية وقد سبق لهم حوارهم في أكثر من مناسبة؟ التطورات داخل تلك الحركات مهمة جدا وجميلة جدا, انتهي عصر التنظيمات الكبري مثل الجماعات الاسلامية التي كانت مكونة من عدة آلاف, وكذلك الأمر بالنسبة للجهاد أما الجماعات الصغيرة فهي متناثرة ولاتزيد علي مجموعات صغيرة إلي ان يأتي الخطر من الخارج مثل القاعدة. في كل الأحوال القوة الكبيرة التي كانت موجودة للفكر الديني السلفي تتراجع كثيرا في مصر والعالم أجمع, وهذا الخطر لم يعد حالا علي الاطلاق. ** وماذا عن الإخوان؟ الاخوان شيء آخر فهم تنظيم دقيق لايزال لاينكر رغبته في الاستيلاء علي السلطة, وهو يسعي دائما ان يكون له وجه خارجي بشوش, وآخر داخلي يعد عدته لكي يقفز علي السلطة متي ظهر له ذلك.. وللأسف البعض يقول ان لهم مشروعية, وأنا لا أري ذلك لأن مشروعيتهم ينبغي أن تنبع من أمرين الأول وضوح المقاصد والأهداف هل هم حزب أم جماعة دينية, فاذا كانوا حزبا عليهم تقديم برنامج سياسي واضح نتعامل به علي أساس عقلاني وسياسي.. لايقولون الملا ولا المرشد العام, ولا حتي النص الديني, فاذا كانت لهم رؤية في النص الديني, أنا لي رؤية أخري, وليس لديهم تخويل بأن يكونوا الجهة الوحيدة التي تحتكر التفسير الصحيح.. ولا أنا أيضا.. وباب الاجتهاد مفتوح لم يغلق. والقاعدة الصحيحة التي قام الأزهر عليها هي في اختلاف الفقهاء رحمة.