لا يقتصر نجاح الصحافة الخاصة علي أنها أصبحت تحصل علي نسبة معتبرة من توزيع الصحف في مصر، ولا في أنها أصبحت تحصل علي نسبة من سوق الإعلانات في مصر، ولا في أنها أصبحت هي المصدر الذي يلجا إليه باحثون ومواطنون وبرامج تليفزيونية للحصول علي المعلومات، ولكن النجاح الحقيقي هو أنها دفعت الصحف القومية الي تبني أجندة مختلفة حتي لا تخرج من السوق الصحفية. فهي أصبحت تنشر ، وإن كان علي استحياء، أخبار الاحتجاجات الاجتماعية، وتهتم بقوي وحركات سياسية شرعية أو محجوبة عن الشرعية بعدما كانت تتجاهلها في السابق وأصبحت زوايا التناول مختلفة عن زوايا التناول في السابق، حيث كانت تتخذ مواقف عدائية واضحة من هذه القوي والحركات السياسية والاجتماعية وهي الآن تحاول أن تبدو وكأنها محايدة، وهذا الأمر لم يكن ليحدث عندما كانت الصحف القومية تحتكر السوق الصحفية وتحتكر عقل قرائها، ولكن ظهور الصحف الخاصة أجبر الصحف القومية علي نشر جزء من الحقيقة حتي لا تفقد مصداقيتها لدي قرائها. وزاد الأمر إلي حد أن الصحف القومية أصبحت تستفيد من الصحف الخاصة في نشر أبواب كانت في السابق مقتصرة علي الصحف الخاصة فقط، وتستعين بكتاب لم يكن من الممكن أن يكتبوا فيها من قبل، وبعضهم كان من نجوم الصحف الخاصة. وهو ما يعني أن الصحف الخاصة غيرت جدول أعمال الصحافة المصرية، فضلا عن أنها غيرت من ذائقية القراء واهتماماتهم. لقد قدمت الصحف القومية الدليل الواضح علي نجاح تجربة الصحف الخاصة بالتعديلات التي أجرتها علي توجهاتها، وهو ما يعني أنها تدرك أن سياستها السابقة كانت خاطئة، وأن سياسة تغييب الحقيقة لم تنجح، فقررت أن تغير من سياستها إلي منطقة وسط بين السياسة السابقة وسياسة الصحف الخاصة التي تنحاز للقاريء ولا أحد غيره، في الوقت الذي تحولت فيه الصحف القومية إلي نشرات حزبية للحزب الوطني. وأعتقد أنه علي الصحف القومية أن تقيم تجربتها، فمن خلال استطلاع آراء عدد من بائعي الصحف، يبدو أنه كلما اقتربت الصحيفة القومية من الحزب الوطني تأثر توزيعها سلبا، أما إن اقتربت الصحيفة القومية من أمانة السياسات وعبرت عنها ولمعت قياداتها، كلما انهار توزيعها تماما. وبالطبع تختلف الصحف الخاصة واحدة عن الأخري، سواء في الانحياز الاجتماعي أو التعبير السياسي أو اللغة، ولكن هناك حد أدني لها فيما يتعلق بالخدمة الصحفية التي تقدمها لقارئها، لأنها تدرك أن المنافسة الصعبة تفرض عليها أن تلتزم بالاعتبارات المهنية ولو في حدها الأدني وهو مالم تكن الصحف القومية تلتزم به من قبل خاصة في السنوات التي سبقت ظهور الصحف الخاصة . وبالطبع فإن المنافسة بين الصحف الخاصة بعضها البعض وبينها وبين الصحف القومية، هو في النهاية لصالح القاريء، الذي تغيرت خريطة اهتماماته، والذي أصبح علي وعي كامل ويدرك من يتلاعب بعقله ومن ينحاز له، الأمر الذي أدركته الصحف القومية مؤخرا، وأصبحت تسعي لأن تثبت له أنها لم تعد كما كانت في السابق وإنما تسعي لإرضائه، وهذا لم يكن ليحدث لو لم تكن الصحف الخاصة موجودة بقوة في المنافسة، وبجدول أعمال مختلف عن جدول أعمال الصحف القومية التي أصبحت تدرك أنها لو لم تتكيف مع المتغير الجديد لخرجت من المنافسة تماما غير مأسوف عليها. وهذا في حد ذاته يمثل رد اعتبار للقارئ ونجاحاً للصحف الخاصة .