أمس علي صفحات «روزاليوسف» نشرت الزميلة انتصار الغيطاني تقريرا مفزعا عن أزمات مالية طاحنة تتعرض لها الفضائيات المصرية الخاصة، ومبعث هذا الرعب أن هذا النوع من الإعلام الخاص، هو إعلام وطني وضروري، رغم تجاوزاته، لتطور المسيرة الإعلامية بما يؤدي في النهاية إلي ترشيد مسيرته لصالح المواطن. لكن المشكلة هي أن معظم هذه القنوات خاصة الكبيرة منها أصبحت علي وشك الإفلاس، ولجأت إلي تخفيض أعداد العاملين بها، فيما يواجه من تبقي صعوبات في الحصول علي مستحقاته بشكل منتظم ودون تأخير. ورغم إشادتي السابقة عدة مرات بتجربة قنوات الحياة، واستحواذها علي نسبة كبيرة من المشاهدين، وأنها عكس القنوات الأخري ليست قائمة علي برنامج النجم الأوحد، لكن الحياة هي في الحقيقة من أدي إلي هذه الأزمة سواء كان ذلك بتخطيط أو بسعي للاستحواذ علي أكبر عدد من المشاهدين. وحسب ما أعلم فإن محمد عبد العال مدير قنوات الحياة يتسم بطموح شديد، وهو يعشق النجاح، لكنه في طريقه لتحقيق ما أراد اتخذ عدة خطوات هي السبب في ما تعانيه الفضائيات الخاصة، منها المبالغة الشديدة في أجور مقدمي البرامج والذي وصلت إلي عدة ملايين سنويا، وزيادة الانفاق علي إنتاج البرامج، والتي وصل إلي ثلاثة أمثال ما كان قائما قبل ظهور الحياة، وآخرها تخفيض ثمن الإعلانات علي شاشات الحياة، لجذب أكبر نسبة من الإعلانات التليفزيونية. ولم يكن أمام القنوات الأخري مثل دريم والمحور ومودرن سوي محاولة السير في إطار سقف الأسعار المبالغ فيه الذي صنعته الحياة، مما أدي في النهاية إلي تراكم خسائر الفضائيات الخاصة، وعدم قدرتها علي سداد مرتبات العاملين فيها، ومن ثم أصبحت علي وشك الإفلاس. وكما يحدث في السوق حين يريد منتج أو مستورد السيطرة علي السوق فإنه يلجأ إلي عدة طرق مثل الدعم والإغراق، أي يقوم بدعم السلع وطرحها في السوق بأقل من تكلفتها الحقيقية، مما يؤدي إلي خروج المنافسين من السوق، ولا يبقي فيه سوي القادر علي الاستمرار وتحمل الخسائر لفترة طويلة، ثم سرعان ما يعيد الأسعار ليس لتكلفتها الفعلية، وإنما وفقا للسعر الذي يفرضه. وإذا كانت الدولة قد أنشأت أجهزة رقابية لمنع الاحتكار وحماية المستهلك في قضايا السوق وحركة التجارة علي السلع المادية الملموسة، فإن ما حدث في مجال الإعلام لا يختلف كثيرا، حيث تم إغراق سوق الفضائيات الخاصة، مما أدي إلي إرتفاع أسعار هذه الصناعة بشكل غير حقيقي يهدد بخروج الكثير من الفضائيات من السوق، وقد تبقي الحياة في النهاية بمفردها.. رغم أنها وحسب التقرير المنشور في روزاليوسف بدأت في تأجيل صرف مستحقات المنتجين المنفذين الذين تتعامل معهم. سوق الفضائيات الخاصة في مصر مثل أي سوق تجاري، والإعلام باعتباره صناعة يحتاج إلي قواعد تنظمه، تحمي المنافسة، وتمنع الاحتكار، وتحافظ علي حقوق المشاهدين.. وقد يكون الجهاز القومي لتنظيم البث هو أول خطوة علي هذا الطريق.. نحن المشاهدون في انتظارها.