رئيس جيبوتي يستقبل كامل الوزير ووفد من شركات مصرية لتنفيذ مشروعات بنية تحتية    قطع المياه بشرق وغرب المنصورة اليوم في هذا الموعد    وزير التموين: أسواق اليوم الواحد بالجيزة تتجاوز ال20 وتوفر السلع بأسعار مخفضة    مناورات صينية واسعة تطوّق تايوان    "القاهرة الإخبارية" تكشف آخر تطورات دخول شاحنات المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى غزة    كأس الأمم، منتخب جنوب أفريقيا يسعى لحسم التأهل على حساب زيمبابوي اليوم    حالة المرور اليوم بالقاهرة والجيزة، كثافات متحركة بهذه المحاور والميادين    السحب الرعدية تسيطر.. تحذيرات من صواعق برق ورياح هابطة تضرب شمال الدلتا    الصحة تعلن تنفيذ 903 قوافل طبية مجانية بجميع محافظات الجمهورية فى 2026    الصين: نعارض أي محاولة لتقسيم الأراضي الصومالية    مصرع 16 شخصا جراء حريق فى دار للمسنين بإندونيسيا    اسعار الذهب اليوم الإثنين 29ديسمبر 2025 فى محلات الصاغه بالمنيا    ننشر نتائج الحصر العددي للدائرة الأولى بالفيوم    أسعار اللحوم الحمراء اليوم الأثنين 29 ديسمبر    التحقيقات تكشف مفاجآت فى واقعة الهروب الجماعى من مصحة الجيزة    قضايا الدولة تنعى المستشارة سهام صبري الأنصاري    جامعة بنها: صندوق التكافل يسدد المصروفات الدراسية عن الطلاب غير القادرين    الداخلية تكشف ملابسات فيديو «توزيع أموال على الناخبين» بسوهاج وتضبط المتورطين    استقرار نسبي بأسعار الخضروات والفواكه في أسوان اليوم الإثنين 29 ديسمبر 2025    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الاثنين    حظك اليوم الاثنين 29 ديسمبر.. وتوقعات الأبراج    أشرف صبحي يناقش ربط الاتحادات إلكترونيا وتعزيز الحوكمة الرياضية    قطرات الأنف.. كيف يؤثر الاستخدام المتكرر على التنفس الطبيعي    طبيب روسي يحذر: انخفاض ضغط الدم خطر بعد التعافي من الإنفلونزا    نجوم الفن فى ضيافة عمرو الليثى ليلة رأس السنة على «الحياة»    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29 ديسمبر 2025 في القاهرة وعدد من المحافظات    أوصاني بحذف أغانيه.. شحتة كاريكا يكشف اللحظات الأخيرة في حياة الراحل أحمد دقدق    طارق الشناوي: المباشرة أفقدت فيلم «الملحد» متعته ولم يُعوِّض الإبداع ضعف السيناريو    وزير الإعلام الصومالي: اعتراف إسرائيل بأرض الصومال انتهاك لسيادتنا.. وسنلجأ للأمم المتحدة    متحدث الوزراء: الحكومة تحاول تقديم أفضل الخدمات لمحدودي ومتوسطي الدخل وفق الموارد المتاحة    مئات الالاف في غزة يرتجفون بردا والصقيع يقتل الأطفال في الخيام    وداع موجع في كواليس التصوير... حمزة العيلي يفقد جده والحزن يرافقه في «حكاية نرجس»    أحمد عبد الله محمود يكشف ملامح شخصيته في «علي كلاي»    هل تتزوج لطيفة في 2026؟.. توقعات «بسنت يوسف» تثير الجدل    أمطار غزيرة تضرب الإسكندرية تزامنًا مع نوة الميلاد ورفع جاهزية الصرف الصحي    بالرقص والهتاف.. احتفالات واسعة في طهطا عقب إعلان فرز اللجان الانتخابية    مباحث العبور تستمع لأقوال شهود العيان لكشف ملابسات حريق مخزن كراتين البيض    نتيجة الحصر العددى للأصوات بالدائرة الثامنة دار السلام سوهاج    بشير التابعى: توروب لا يمتلك فكرا تدريبيا واضحا    يحيى حسن: التحولات البسيطة تفكك ألغاز التاريخ بين الواقع والافتراض    فوضى السوشيال ميديا    كشف ملابسات تعليق بشأن سرقة دراجة نارية لطفل بدمياط    كشف ملابسات مشاجرة بين أنصار مرشحين بدار السلام في سوهاج    اليوم، الاجتماع الأخير للجنة الرئيسية لتطوير الإعلام بعد انتهاء مهامها    الفرق بين الحزم والقسوة في التعامل مع الأبناء    طفرة غير مسبوقة بالمنيا.. استرداد 24 ألف فدان وإيرادات التقنين تقفز ل2 مليار جنيه    ما هو فضل الدعاء وقت الفجر؟    مشروبات تهدئ المعدة بعد الإفراط بالأكل    كأس عاصمة مصر - أحمد عبد الله يدير لقاء الأهلي ضد المقاولون العرب تحكيميا    الجزائر يتصدر المجموعة الخامسة ب6 نقاط ليحسم تأهله رسميا لدور 16 بأمم أفريقيا    الداخلية السورية: احتجاجات الساحل نتيجة دعوات انفصالية    لا رب لهذه الأسرة    حسم التأهل مبكرًا.. مصر ونيجيريا والجزائر إلى دور ال16 من أمم أفريقيا 2025    طاهر أبو زيد: مكاسب حسام حسن مع المنتخب إنجاز رغم الظروف.. والمرحلة المقبلة أصعب    الأزهر للفتوي: ادعاء معرفة الغيب والتنبؤ بالمستقبل ممارسات تخالف صحيح الدين    صاحب الفضيلة الشيخ / سعد الفقي يكتب عن : شخصية العام!    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة في صورة بطاطين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم فى سوهاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شوك الورود .. ولا لبن القرود !!
نشر في الجمهورية يوم 18 - 11 - 2012

* يا صديقي العزيز أشرف الحسانين.. مدرس اللغة الإنجليزية.. نبروه دقهلية.. تقول: إنها المرة الأولي منذ وعيت علي الحياة أجد الشارع المصري غير مهتم بالمرة بالانتخابات الأمريكية بعدما كانت أخبارها الشغل الشاغل للمصريين قبلها بعام علي الأقل.. ويبدو أن همومنا وأحزاننا صارت أكبر من كل شيء.. والله أكبر وأعز وأجل.
يا صديقي.. إنني أزيدك من الشعر بيتاً ولم أعتد سوي الصدق في القول والرصد.. لقد بلغ الأمر أكثر من هذا وأخطر وهو أننا أقل اهتماماً بضرب غزة.. بل إن أصواتا كثيرة تلقي بعض المسئولية أو كلها علي دولتي فلسطين في غزة ورام الله.. أصوات كثيرة تقول: إن حماس وفتح باعتا القضية الفلسطينية بلا مقابل.. وإن المصالحة بين الفلسطينيين وإسرائيل أقرب نوالاً من المصالحة بين فتح وحماس والفصائل الفلسطينية التي لم يعد ممكناً رؤيتها بالعين المجردة.
الانقسام الفلسطيني يا أصدقائي حمادة بدران أبودوح وسعد نبيه صابر وخميس السروجي والمهندس إسماعيل العوضي ومحمود عبدالشافي الصيدلي بالسعودية.. وأحمد عبداللطيف سالم موجه اللغة العربية بثانوي المنوفية.. صار أمراً واقعاً لا سبيل لإنكاره أو تداركه.. وقضية فلسطين تقزمت حتي صارت قضية التعاطف مع غزة.. والأمة العربية لم تعد أمة ولا عربية!!.. ومساحة الحركة العربية صارت أقل من شبر.. ولا تتعدي سحب السفير للتشاور للدولة التي لديها سفير.. وعقد اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية يصدر نفس بيان العام الماضي.. ونفس بيان عملية الرصاص المصبوب "من كام سنة وأنا.. ميال ميال".. وإرسال أدوية وبطاطين وخيام "وهات يا تصوير ويا خُطَب وبيانات".. والجديد الذي لا جديد فيه بعد ما يسمي "ثورات الخريف العربي" هو تنظيم مليونيات "وجمعة ورا جمعة".. و"هات يا هتاف ويا صراخ ويا عويل"..
الخريف العربي أجهز علي ما يسمي الأمة والجامعة العربية.. وصار ما يسمي "العمل العربي المشترك" نكتة سخيفة غير مضحكة ولا مبكية.. لم يكن ربيعاً عربياً.. بل إنه ربيع إسرائيلي وخريف عربي.. نهاية الأمة العربية وبداية الحقبة الشرق أوسطية بزعامة إسرائيل.. ومَن أراد الإنكار فلينكر. ومَن أراد رفض قولي فليرفض.. كل دولة عربية الآن منكفئة علي همها. وعلي "بلاويها".. والأمة العربية ماتت. لكننا لا نريد أن ندفنها. ولا نريد أن نستخرج لها شهادة وفاة.. ورغم أنها صارت "أمة رِمَّة" وتعفَنت. وتحللت. وصارت رائحتها تُزكم الأنوف. فإننا لا نعترف بموتها.. واعترافنا أو إنكارنا لا ينفي. ولا يخفي أن هذه الأمة صارت رمة وجثة عفنة. نحن نسد أنوفنا ونهتف في الميادين بحياة أمة ميتة ومتعفنة.. نحن قوم لا نشم. أو اعتدنا الرائحة العفنة. ولم نعد نشعر بالقرف والاشمئزاز.
أي دولة عربية صارت مثل عجوز خرف أصابه تلف في خلايا المخ. ففقد السيطرة علي كل أعضائه.. لا يستطيع التحكم في حركات يديه أو رجليه أو أطرافه.. يتبول ويتبرز لا إرادياً.. تسيل عيناه وأنفه وفمه بشكل لا إرادي.. أصابه خلل في المركز. ففقد السيطرة علي الأطراف.. وهذا العجوز الخرف المختل دماغياً. فقد السيطرة علي جسده.. فكيف يمكن بالله عليكم أن ننتظر منه التحكم في جسد غيره والسيطرة عليه؟ دولة غير قادرة علي إدارة نفسها. كيف يمكن أن تدير أزمة دولة أخري. أو كيان آخر؟!.. أي دولة من دول الخريف العربي لم يعد شعبها يحترمها. أو يعبأ بقراراتها.. فكيف يمكن أن تحترمها إسرائيل. أو تعبأ بها؟!.. دولة غير متصالحة مع نفسها كيف يمكن أن تحقق مصالحة بين الفصائل الفلسطينية؟!.. الخريف العربي أخذ ما بقي من الهيبة. وترك للدول التي ضربها كل الخيبة!!
دولة لا تستطيع إدارة أزمة في محطة مترو. وتبدو هشة ومرتبكة وفاشلة في التعامل مع أي مؤسسة لديها.. هل يمكن أن ننتظر منها حلاً لأزمة غزة؟!.. إسرائيل الآن أكثر إحساساً بالأمان. وأكثر حرية في الحركة. ولا تخشي أي رد فعل عربي..
.. الفرق بين عملية غزة السابقة والعملية الحالية أن إسرائيل الآن أكثر اطمئناناً وأن بطنها "مليانة بطيخ صيفي"..
.. فلا توجد أمة عربية ولا توجد قضية فلسطينية.. كما لا توجد شعوب عربية غاضبة مما يحدث في غزة.. الشعوب الآن حزينة علي نفسها. ومحبوسة في أزماتها. وعندها فائض من النكد الداخلي يكفيها خمسمائة سنة هي فترة حكم الجماعات والتيارات والآئتلافات "والتعلب فات. فات.. وفي ديله سبع ائتلافات".. وكل امرئ يلقاك أو تلقاه وتسأله عن انتخابات أمريكا. أو مجازر غزة يقول لك: "يا عم.. اللي فينا مكفينا".. هناك من يزعم مثلاً أن عودة الدوري الكروي "حتعدل مزاج الشعب المصري".. وقد علقت علي ذلك بقولي: يا حبيبي.. لا الفوز صار يسعدنا. ولا الخسارة صارت تحزننا "الزعل خلص.. والفرح خلص"!!.. وهذا موقفنا مما يحدث في غزة "الزعل خلص.. والنكد خلص".. لم يعد لدينا فائض منه.. لم يعد لدينا المزيد.. الدهشة أيضاً "خلصت".. لم يعد شيء يصدمنا أو يذهلنا أو يدهشنا.. نحن نتوقع وننتظر الأسوأ كل لحظة.. وحراكنا السياسي الذي نتباهي به. حراك إلي أسفل.. إلي الحضيض. وليس إلي أعلي.. الأمور "في النازل".. والذي بلغ القاع لا يخشي الهبوط.
* * * *
* لقد دقت علي رءوسنا طبول بلا عدد.. فلم يعد يزعجنا شيء.. وعندما تبتعد عن الفضائيات والصحف والإذاعات وتجول في الشوارع لا تري أثراً لغزة ولا لعزة.. وزمان بعد عملية الرصاص المصبوب كتبت مقالاً بعنوان.. "لا شعر بعد عزة. ولا عروبة بعد غزة".. استعرت كلام كُثَيْر بن عبدالرحمن الخزاعي. أو كُثَيْر عزة عندما كف عن الشعر. فسألوه عن ذلك؟!.. فقال: ماتت عزة. فمات الشعر..
ونحن الآن بعد كل الطبول التي دقت ومازالت تدق علي الرءوس. أصبحنا قوماً محايدين.. رماديين.. لا نغضب. ولا نرضي.. لا نفرح ولا نحزن.. لا نسعد ولا نشقي.. لا نحب ولا نكره.. أصبحنا مثل أهل النار. لا نموت فيها ولا نحيا.. يأتينا الموت من كل جانب. وما نحن بميتين.. ليس إلي خروج من سبيل.. ونقول لمالك: ليقض علينا ربك.. فيقول: إنكم ماكثون..
.. لا تعنينا غزة ولا عزة. ولا بثينة ولا ليلي ولا لُبْنَي.. كأننا في يوم الحشر.. لكل امرئ منا شأن يغنيه.. أنبوبة بوتاجاز.. فاتورة كهرباء أو تليفون.. لتر بنزين أو سولار.. رغيف عيش.. بدل وجبة.. بدل وقفة احتجاجية.. بدل مليونية.. بدل جمعة.. منحة مدارس.. بلغ الأمر حد القول: أهل غزة أكثر راحة ورخاءً منا.. لا وقت لدينا للتعاطف مع أحد.. نريد من يتعاطف معنا. ويمصمص شفتيه حزناً علينا.. لا وقت لدينا "ليصعب علينا أحد.. نريد أن نصعب علي الجميع".
نحن دائماً في انتظار الأسوأ. فلا شيء يدهشنا أو يصدمنا أو يبهتنا.. لا ننتظر شيئاً مباغتاً.. لم تبق لنا سوي دهشة واحدة وبغتة أخيرة هي قيام الساعة ويوم القيامة.. فهي التي ستذهل كل مرضعة عما أرضعت.. وتضع كل ذات حملي حملها.. وتري الناس سُكاري. وما هم بسكاري. ولكن عذاب الله شديد.. اللهم اجعلنا من فزع يومئذي آمنين.
وانظر جيداً لتاريخ العرب.. الإخفاق يعيد نفسه.. الفشل يتكرر مئات المرات.. الهزائم تتوالي.. السيناريوهات السوداء يُعاد إنتاجها بشخوص مختلفين.. لكن الإنجاز صدفة.. والنجاح لا يتكرر.. والنصر رمية من غير رام.. نكسة يونيه عام 1967. تتكرر مائة مرة في العام. لكن في مجالات مختلفة.. وانتصار أكتوبر حدث مرة واحدة. ولن يتكرر!!.. "اللي فات دائماً أفضل من الحاضر. والحاضر خير من المستقبل".
تلك "حدوتة عربية قديمة" لم تفارقنا أبداً.. وقد قال أبوالدرداء رضي الله عنه عن زمانه وزمان سبقه : كان الناس ورقاً لا شوك فيه.. وصاروا اليوم شوكاً لا ورق فيه.. ويقول أحد حكماء العرب: ما بكيت من زمان إلا بكيت عليه بعدما ولي.. ويقول الشاعر:
عَتَبْتُ علي سَلْمي فلما فقدته .. وجربت أقواماً بكيت علي سلم
وقال الأحنف بن قيس رحمه الله:
وما مر يوم أرتجي فيه راحة .. فأخبره .. إلا بكيت علي أمسي
حكام كل عهد هم وحدهم الذين يرون أن الحاضر أحلي وأجمل.. لأنهم حكام يملكون الرقاب. لكن الشعوب تري ورأيها الصواب أن الأمور دائماً إلي الأسوأ.. وأن من كرهناهم في الماضي أحببناهم بسبب علقم الحاضر.. ويقول الناس: إن أي حاكم عربي لو أنفق ما في الأرض جميعاً ما أحبه الشعب.. وما عليه إلا أن يرحل ويأتي من بعده ليحقق له حب الناس دون أن ينفق مليماً واحداً.. عتبت علي سلم فلما فقدته وجربت أقواماً بكيت علي سلم.. ويضرب في ذلك مثل بهتلر زعيم الحزب النازي الألماني. فقد قالوا علي لسانه. ولا أظن أنه قال ذلك. لكنه مثل بليغ: لقد أحرقت اليهود وتركت لكم بعضهم لتعلموا أنني كنت علي حق.
ابتلانا الله في بلاد الخريف العربي ببشر مثل الطوفان والجراد والضفادع والدم والقمل.. وابتلانا أكثر بالاضطرار للتعايش معهم.. وهضمهم. كما نهضم الزلط.. أصبحنا مضطرين غير باغين ولا عادين إلي أن نأكل الميتة والدم ولحم الخنزير والمنخنقة والمتردية والنطيحة.. "هو ده اللي موجود في سوق السياسة والاقتصاد والثقافة والفن والإعلام والصحافة".. لا مفر من أكل المنخنقة والمتردية والنطيحة والميتة والدم ولحم الخنزير.. إننا نعيش مخمصة ونعاني مجاعة سياسية وأخلاقية.. حتي أننا نستهلك ونأكل ما نكره وما نعافه وما نقرف منه.. إنه ابتلاء عظيم.. "الصبر يا رب"!!!
* * * *
* "هو ده اللي موجود في السوق".. ناكل أو نموت.. ليس مطلوباً منا أن نفهم.. مطلوب منا أن نوافق ونؤيد "ونضرب رأسنا في الحائط".. فقدنا ترف الاختيار وعلي رأي إخواننا في الخليج: "يا ناقتي ولا اشربي ولا العصا".. أي إما أن تشربي أو أضربك بالعصا.. اشربي ولو كان الماء عكراً وقذراً.. الاختيار ترف.. والشعور بالقرف.. ترف.. "يا راجل.. الأمور وصلت إلي أخطر من كده".. لقد تركنا الغضب لأن الله ابتلانا بأناس يغضبون نيابة عنا.. ويقررون في الميادين نيابة عنا.. ويهتفون باسمنا.. ويقولون: الشعب يريد غصباً عنا.. ويفصلون ونحن نلبس.. ويقولون ونحن نسمع ونطيع.. ولن يفلح بلد حكامه أضعاف محكوميه.. وسلاطينه أضعاف رعيته.. وأمراؤه أضعاف خفرائه.. وخذ بيتاً آخر من الشعر.. أزيدك بيتاً آخر.. لقد بلغ الأمر حد أننا كرهنا الحق علي ألسنة هؤلاء البشر.. "حد يكره الحق"؟!.. أيوه.. كرهنا الحق علي ألسنتهم وبأقلامهم.. كرهنا الصدق في وجوههم الكئيبة.. "كرهنا اللبن من وش القرد.. اللبن هو اللبن. لكن كرهناه ونقول: يغور اللبن من وش القرد"!!..
والوجوه الكئيبة تصرفنا تماماً عن الحق.. لابد أن يكون رُسُل الحقيقة حِسان الوجوه.. مشرقي الطلعة.. عليهم علامات وأضواء التقوي.. لكن دول الخريف العربي ابتليت بالطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم.. في كل واد ينقون نقيق الضفادع.. لا تسمع إلا نقيقاً وفحيحاً وقلوباً تطفح علي الوجوه والألسنة سُماً زعافاً.. لقد برعوا في نشر الأحقاد والكراهية "واحنا عندنا استعداد طبيعي للكراهية".. هذه بضاعتنا التي نحسن صناعتها وترويجها.. نحن نكره. إذن نحن موجودون "لو بطلنا نكره نموت".. والكراهية ضعف وعجز.. الكاره ضعيف. وعاجز. ومنافق.. والكراهية تتعب الكاره وتقتله. ولا تزعج المكروه ولا تؤثر فيه.. والدولة التي تحكمها الكراهية والأحقاد وتصفية الحسابات بنيانها دائماً علي شفا جُرف هار.. وكلما كرهنا إسرائيل ازدادت علواً وصارت أكثر نفيراً. وازددنا نحن سفالة وعجزاً وهشاشة "موتوا بغيظكم".. الغيظ يقتل المغتاظ ولا يقتل الذي اغتاظ منه.. الكراهية هي الوقود الذي يدير ماكينات الشعوب العاجزة الضعيفة المتخلفة.. حركة المجتمعات المتخلفة تدور بالكراهية والأحقاد والضغائن.. الحاكم كاره والمحكوم كاره.. الكراهية عنوان عريض يجمع كل شئوننا.. سياستنا كراهية. وإعلامنا كراهية. وتديننا كراهية.. هناك أناس تولوا إدارة مخازن الكراهية عندنا وراحوا يوزعون منها علي الناس.. وغاية الوطنية والقومية أن نهتف ضد إسرائيل "الموت لإسرائيل".. لكن الموت لا يسمع كلامنا. ويكون الموت لنا والحياة والرفعة لإسرائيل!!.. الأمة ماتت والعروبة ماتت.. والقضية الفلسطينية ماتت.. وفتح ماتت. وحماس ماتت.. والجامعة العربية ماتت.. و"عبدالفتاح مات.. مين عبدالفتاح؟!.. أنا اعرف!!.. أكيد فيه واحد اسمه عبدالفتاح مات"!!
كرهنا ما يجري علي ألسنتهم وبأقلامهم وعلي منابرهم ولو كان حقاً.. يا أخي الإناء ملوث وكل ما ينضح به مسموم. ولو كان ترياقاً.. وإذا أراد الله بقوم خيراً أجري الحق علي لسان أتقاهم وأنقاهم وأطهرهم سريرة. وإذا أراد بهم سوءً جعل الحق علي ألسنة وأقلام أراذلهم بادي الرأي. وجعل العلم عند جهلائهم. والحكمة عند بلهائهم. والمال عند بخلائهم. والحقيقة عند سفهائهم.. والقرار في أيدي أسافلهم ونكراتهم.. إذا أراد الله بقوم سوءً وإذا غضب عليهم أعطاهم كثرة المليونيات "والجُمع" والوقفات والاعتصامات والمسيرات والثورات. وقلة القيمة وانعدام الجدوي.. إذا ثقل قوم علي بعضهم خفوا علي عدوهم.. وهذا ما نحن فيه الآن. وما سنظل فيه.. قوم ثقال غلاظ شداد. لكنها أجسام البغال وأحلام العصافير.. قوم "دمهم يلطش مثل دم البق.. ونحن كرهنا الحق علي ألسنة البق.. مستعدون لتحمل شوك ودماء الورود.. لكننا نرفض لبن القرود"!!!
نظرة
نحن في زمن المسخ.. نرضي من الغنيمة بالإياب.. لا نريد منهم خيراً ولا نرجو منهم عطاء.. "يسيبونا في حالنا بس".. جهلنا خير لنا من أن يعلمونا.. يا نحلة لا تقرصيني ولا عايز عسل منك.. وانقطاع الأمل من هؤلاء الذين يتمخضون ويلدون فئراناً راحة.. الأمة ليست حبلي بالثورة. ولا حبلي بالنصر ولا حبلي بالرخاء.. حمل الأمة دائماً كاذب.. عدنا إلي أيام المماليك.. نخاف من ضحكنا ونقول كلما ضحكنا "الله اجعله خيراً.. عدنا نقول: يا قاعدين يكفيكوا شر الجايين".. نتمني أن يقع البلاء.. فوقوع البلاء خير من انتظاره.. قال عمر بن الخطاب ر ضي الله عنه: الناس أشبه بأزمانهم منهم بآبائهم.. ونحن في زمن منافق ولابد أن يكون أبناؤه منافقين مثله.. يا أصدقائي الكرام.. اليأس إحدي الراحتين.. لا تنتظروا ولادة طبيعية لأمة حملها كاذب.. بطنها لا يُخرج إلا أجنة مشوهة.. دستور مشوه.. قانون مشوه.. قرار مشوه.. فقه مشوه.. فتوي مشوهة.. ثورة مشوهة معاقة كسيحة.. عقمها خير من حملها وولادتها.. ملك النواصي فيها زبانية جهنم الدنيا.. حالنا معهم كحال الشاعر الذي ظل يرجو العطاء والخير من الوالي وعماله.. "فطلع نقبه علي شونة" فقال:
كنا نؤمل أن ننال بجاهكم .. خيراً يكون علي الزمان معينا
الآن نقنع بالسلامة منكمو .. لا تأخذوا منا ولا تعطونا!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.