وزير الإسكان يبحث مع رئيس المنظمة العربية للسياحة تعزيز التعاون    مؤسسة العربى تحتفل بالعيد القومى للجيزة وتشارك الزفاف الجماعى للمحافظة    موسكو: واشنطن تعمل منذ فترة على تهيئة بنيتها التحتية للتجارب النووية    التشكيل الرسمي لمباراة إندونيسيا ضد السعودية.. سالم الدوسري يقود الهجوم    كل ما تريد معرفته عن مشاركة يد الأهلي في بطولة أفريقيا بالمغرب    محمد صلاح ينفرد بصدارة هدافى تصفيات أفريقيا عبر التاريخ برصيد 19 هدفا    الإسماعيلى يعلن عدم اكتمال النصاب القانوني لعمومية سحب الثقة    فريق من النيابة العامة ينتقل إلى موقع حريق مخزن قطع غيار سيارات بالسلام    تأجيل محاكمة 21 متهما بخلية دعاة الفلاح لجلسة 24 ديسمبر    عرض فيلم "هيبتا.. المناظرة الأخيرة" بسينما الشعب في 5 محافظات    وزير الثقافة: نعمل بشكل مكثف لتطوير البنية التحتية للمواقع الثقافية    نائب وزير الصحة: إدراج الإسكندرية بمنظومة التأمين الصحي الشامل    "التحالف الدولي" يعيد تموضع قواته في سوريا لمواجهة بقايا "داعش"    السيسي للمصريين: ربنا نجانا في 2011    "المنشاوي" يترأس اجتماعًا لمناقشة خطة الأنشطة الطلابية بجامعة أسيوط الأهلية    إصابة جديدة تضرب دفاع ريال مدريد قبل الكلاسيكو    سعر الحديد مساء اليوم الأربعاء 8 أكتوبر 2025    السبت.. نبيل فهمي في صالون ماسبيرو الثقافي    بيراميدز يحدد موعد استئناف تدريباته    مدير صندوق مكافحة الإدمان يستقبل المدير التنفيذي للوكالة الأوروبية للمخدرات    الداخلية تعلن قائمة الممنوعين من السفر لحج القرعة لعام 2026    وكيل «تعليم البحيرة» يشهد ندوة «التعليم بين تحديات الحاضر ورهان المستقبل»    تكاثر السحب الممطرة على هذه المناطق.. الأرصاد الجوية تكشف حالة الطقس في القاهرة والمحافظات    المشدد 6 سنوات وغرامة 100 ألف جنيه ل3 متهمين بالإتجار فى المخدرات بسوهاج    ألمانيا تمنح الشرطة صلاحية إسقاط الطائرات المسيرة بعد حوادث مطار ميونيخ    وزيرة التضامن تترأس اجتماع اللجنة العليا للأسر البديلة الكافلة    نائب محافظ الأقصر يشارك في احتفال مصنع سكر أرمنت بانتصارات أكتوبر | صور    شيرين عبد الوهاب.. صوت العاطفة وتحدي الصعاب في عيد الميلاد    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 8 اكتوبر 2025 فى المنيا    أحمد عمر هاشم.. تعرف على أبرز 10 معلومات عن جهوده الدعوية    «نادية عمارة» تكشف الأسس الشرعية والاجتماعية لاختيار شريك الحياة    محافظ الجيزة يعتمد حركة مديري ووكلاء الإدارات التعليمية    خالد العناني مديرًا عامًا لليونسكو.. والريادة الثقافية والحضارية موطنها مصر    انطلاق برنامج مصر جميلة لاكتشاف المواهب الفنية والأدبية بالوادي الجديد    ضبط كميات كبيرة من المواد الغذائية مجهولة المصدر بمدينة العاشر من رمضان    طارق العوضي: البرلمان الحالي غير مؤهل للنظر في «الإجراءات الجنائية»    بلخي: إعادة بناء النظام الصحي في غزة ضرورة إنسانية عاجلة    علاج 1928 مواطنا مجانا ضمن قافلة طبية بقرية في الشرقية    «فصل الشتاء».. نصائح للوقاية من الأمراض الموسمية    بلخي: اجتماع اللجنة الإقليمية بالقاهرة يناقش إصلاحات جذرية لمستقبل الصحة في المنطقة    عزاء الدكتور أحمد عمر هاشم اليوم بمسجد الشرطة بالتجمع الخامس بعد صلاة المغرب    السيسي: الوضع الاقتصادي يتحسن يومًا بعد يوم.. ولسه الأفضل قادم    رجال لا يكررون الخطأ مرتين.. 4 أبراج تتعلم بسرعة من التجارب    الإحصاء: 36.8 % زيادة بقيمة المبالغ المودعة فى صندوق توفير البريد 2024 / 2025    "بجوائز مالية للمرة الاولى".. بطولة مصر المفتوحة للهواة تجمع نجوم الجولف من 15 دولة    وفد لبنانى يزور هيئة الاعتماد والرقابة للاطلاع على تجربة مصر بالإصلاح الصحى    وزير الصحة: إنهاء 20 مشروع بتكلفة 11.7 مليار جنيه خلال 2025    بن جفير يقتحم الأقصى مجددًا وسط توتر أمني في عيد العرش اليهودي    «الشكاوى الحكومية» تتلقى 13.5 ألف شكوى واستغاثة صحية    مصرع صغير وإصابة 3 آخرين في مشاجرة بالأسلحة النارية بسوهاج    الصحة: تنفيذ 348 مشروعًا لتطوير المستشفيات ب 27 محافظة    يد - بعثة الأهلي إلى المغرب للمشاركة في بطولة إفريقيا    تزوجت بقصد الإنجاب عبر الحقن المجهرى دون جماع والطلاق بعده.. ما حكم الدين    أكسيوس: ويتكوف وكوشنر يصلان شرم الشيخ للانضمام لمفاوضات إنهاء حرب غزة    «كنت أسير خلفه».. كيف بشر نبي الله الراحل أحمد عمر هاشم بمستقبله    اعرف اسعار الدولار اليوم الأربعاء 8-10-2025 في بني سويف    سعر سبيكة الذهب اليوم الأربعاء 8-10-2025 بعد الارتفاع الكبير.. بكام سبيكة ال10 جرام؟    منتخب مصر المشارك في كأس العرب يواصل تدريباته استعدادًا لمواجهة المغرب وديًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السكوت في وطن آيل للسقوط!!
نشر في الجمهورية يوم 11 - 11 - 2012

* شكراً لك من القلب والعقل يا صديقي سعيد الأديب من المحلة الكبري.. وصدقت فيما رويت عن الشاعر الراحل أمل دنقل: إذا سكت مِت.. وإذا قلت مِت.. قُل ومُت.. نموت قائلين كاتبين. خير لنا من أن نموت صامتين.. وصدقت فيما رويت عن الشاعر الراحل نزار قباني: وكيف أهرب منه.. إنه قدري.. هل يملك النهر تغييراً لمجراه؟!.. لكن البشر يا صديقي يملكون تغيير مجري النهر.. وأنت حين تكتب وتقول: لابد من أن تحرس ما تكتب. وتقول: لابد أن تحميه من البتر والتشويه. والقطع والمونتاج.. لابد أن تكون لديك القدرة علي أن يبلغ قولك مأمنه.. ليتني أمتلك وسيلتي لأحقق غايتي.. أخشي بعد الاعتزال والمعاش أن يصل إليكم ما أكتب كسيحاً "برجل واحدة.. أو عين واحدة".. أخشي أن يصل إليكم قولي معاقاً.. وأن تصل رسالتي مشوهة.. علي طريقة "ولا تقربوا الصلاة".. أو علي طريقة: "فويل للمصلين".. لذلك يا أصدقائي المهندس إسماعيل العوضي وحمادة بدران أبودوح من إسنا الأقصر.. ولمياء الجديدة.. والصديق الظريف الذي لم يذكر اسمه.. والنائب السابق محمد فريد زكريا. رئيس حزب أحرار الثورة.. الأمين العام لائتلاف الثوار الأحرار.. لا أحب الظهور في التليفزيون. رغم الدعوات الكريمة التي أتلقاها.. أخاف القطع والمونتاج والاستدراج والتشويه.. الإعلام في مصر ليس أميناً ولا شريفاً ولا نزيهاً مثل كل شيء في هذا البلد.. لابد أن تملك وسيلتك لتبلغ غايتك.. فإذا كانت الوسيلة بيد غيرك فإنك ستبلغ غاية غيرك لا غايتك.. ومن الأفضل ألا تصل أبداً إذا كان وصولك إلي الهدف الخاطئ.. وفي الكتابة أنا مؤمن بمبدأ أو شعار: الكل أو لا شيء.. إذا أردت أن تبتر ما أكتب.. فاحذفه كله.. لسنا وحدنا يا أصدقائي.. هناك زحام وتدافع و"شنكلة.. وعرقلة".. هناك صدور تضيق بالحق.. ولا تطيق الصدق.. وإذا أوتي أصحاب هذه الصدور الضيقة السلطة.. سلطة المنع والمنح. فخير للمصممين علي الحق والصدق أن ينسحبوا أو يبحثوا عن فضاء يملكونه وحدهم ليحلقوا فيه بحرية.. ونحن لا نملك ثمن هذا الفضاء. ولا حتي القدرة المالية علي إصدار صحيفة حائط.. لا نستطيع أن نكتب حتي علي الجدران.. وعلي الأرصفة.. هناك مَن سيمحو أو يكتب تحت ما نكتب.. أو يقاضينا بتهمة تلويث البيئة.
الإعلام امرأة لعوب. أو زوجة خائنة. تعطيها عمرك فتوليك دُبرها وظهرها. وتشتري غيرك بعمرك أنت ومالك أنت.. تطارد وتلاحق من يطرُدها.. وتطرد وترفض وترفس من يطاردها ويلاحقها.. تحقق لها أحلامها. فتتركك وتترك لك الكوابيس.. وأخشي أن يكون الوطن كله امرأة خائنة.. فإعلام أي وطن مرآة له. وتعبير عنه.. ولم يحدث أن أنصفت مصر مَن أحبها. ولم يحدث أن أكرمت مَن أكرمها.. لقد أهانت مَن أكرمها.. وكرهت مَن أحبها.. ووضعت مَن رفعها.. ورفعت مَن وضعها.
.. كل شيء في هذا البلد يبدو غير منطقي وغير مفهوم.. يستعصي علي التفسير والشرح.. مصر من زمان بلد اللامنطق. واللامعقول.. بلد "هو كده".. ليست فيه إجابة لسؤال: لماذا غير إجابة "هو كده.. إن كان عاجبك.. ولو مش عاجبك.. عُض في الأرض".. وقد تخلعت أسنان الباحثين عن منطق من كثرة عضهم في الأرض.. وتحطمت رءوسهم من كثرة ضربها في الحائط.. وانفجرت بطونهم من كثرة شربهم من البحر.. المبدعون في هذا الوطن صعاليك. والمدعون ملوك وزعماء وساسة ونجوم.. الفقراء لا يستحقون الفقر. والأغنياء لا يستحقون الغني "مافيش طوبة في مكانها الصحيح".. لذلك يبدو الوطن دائماً آيلاً للسقوط.. لا ينقض فنقيمه.. ولا يعتدل فنفرح.. مصر في كل عصورها آيلة للسقوط "مائلة".. لذلك فإننا في حالة قلق.. لا يزورنا النوم خوفاً من أن "تتطربق علي دماغنا".. وتمر الأيام ولا "تتطربق".. ويأتي مَن يقول إن جمالها في ميلها مثل برج "بيزا المائل".. معجزتها أنها مائلة ولا تسقط.. لذلك صارت مصر من عجائب الدنيا.. لكن ميلها يزعج مَن يحبونها. وهي تكره مَن يحبونها. وتحب مَن يكرهونها.. ضحكوا عليها وقالوا إن جمالها في ميلها.. وعظمتها في أنها آيلة للسقوط ولا تسقط.. وقالوا: إنها تمرض ولا تموت.. وقلت: إنها تمرض ولا تموت. ولا تشفَي أيضاً "حلاوتها في مرضها".. مصر مثل دساتيرها ترفضها كلها أو تقبلها كلها.. والمرفوض فيها أضعاف المقبول. ولكنك مطالب بنعم أو لا.. نعم حتي للمرفوض. أو لا حتي للمقبول.. المصريون يخترعون دساتير ليخالفوها.. ويخترعون قوانين ليخرقوها.. في مصر تستطيع وأنت مرتاح البال أن تقول إن الدستور غير دستوري. والقانون غير قانوني.. الدساتير والقوانين عندنا "معمولة" لتفصل بين فريقين من الناس.. فريق فوقها. وفريق تحتها "ناس فوق القانون والدستور. وناس تحتهما".. وكل الناس في بلدي مجرمون وجُناة.. لكن لا أدلة ضد فريق من المجرمين.. بينما يوجد ألف دليل ضد الفريق الآخر.. وكل متهم لا يقول لك إنه بريء. ولكنه يقول لك: "لو جدع امسك عليَّ حاجة".. ورق اللصوص والفسدة سليم.. وورق الأبرياء مزور. ويدينهم.. القانون لا يحمي السُذَّج والمغفلين.. لكنه يحمي عباقرة الشر ومحترفي الفساد والإجرام.
***
* في مصر.. الفساد مشموم فقط.. لا تعرفه إلا بحاسة الشم.. في كل مؤسسة وهيئة تشم رائحة الفساد بكل ركن.. لكن حاسة الشم لا تصلح دليلاً.. في النهاية.. الأوراق سليمة.. وقضايا الفساد في مصر مقرونة بهوي ومزاج النظام الحاكم في كل عهد.. إذا أراد للصالح أن يكون فاسداً. كان له ما أراد.. وإذا أراد للفاسد أن يكون صالحاً وقديساً. فلتكن مشيئته.. إفقار الناس في عهد سابق ظلم.. وإفقارهم في عهد لاحق عدل.. استرجاع سيناء المحتلة في عهد سابق عمالة وخيانة.. وضياعها في عهد لاحق عمل عروبي وواجب إسلامي ديني نحو الأشقاء.. مصر بلد اللامنطق.. بلد المضحكات. ولكنه ضحك كالبكاء.
لم يعد المصريون يعرفون ولن يعرفوا أبداً ما هي الوطنية. ومَن هو الوطني.. وما هي الخيانة. ومَن هو الخائن.. ومَن هو الشهيد. ومَن هو "الميت فطيس"؟!!.. خمسة وسبعون في المائة من موتانا الآن شهداء.. الجنة لم يعد فيها سوي مصريين الآن.. ولم يجرؤ أحد من الزاعقين الناعقين باسم الإسلام علي أن يخرج ليقول كلمة حق.. ليقول: تأدبوا مع الله.. الحكم علي أي ميت بأنه شهيد. أو ميت عادي "فطيس" ليس شأنكم.. هذا حكم الله وحده.. من العصيان الذي يبلغ حد الكفر أن يشارك المرء الله في حكمه وعلمه.. ويقول: هذا شهيد.. وهذا غير شهيد.. الشهادة في مصر صارت سبوبة.. ومصدر رزق.. كل أسرة تصارع من أجل أن يكون فقيدها من الشهداء لتقبض الثمن!!.. ولا أحد من الناعقين الزاعقين باسم الدين يقول: عيب.. حرام.. خذوا ما شئتم من النقود والتكريم. لكن ليس شأننا ولا شأنكم أن نقول: هذا شهيد وهذا غير شهيد.
مصر بلد العجائب. واللامنطق.. مصر آيلة للسقوط. لكنها لا تنقض.. مصر مريضة. لكنها لا تموت ولا تبرأ من مرضها.. مصر بلد راقص علي السلم.. بلد البين بين. وغراب البين.. لا هي متقدمة. ولا هي متخلفة.. لا غنية ولا فقيرة.. لا ديمقراطية ولا ديكتاتورية.. "لا ساقطة ولا ناجحة".. لا متدينة ولا كافرة.. لا مستقلة ولا محتلة.. لا فوضوية ولا مستقرة.. لا متجانسة ولا متنافرة.. ليست في حالة حرب. ولا في حالة سلم.. لا معتدلة ولا متطرفة.. مصر مثل نص طلسمي له مليون تفسير. وكلها تفسيرات متناقضة.. مصر ليست سائلة ولا صلبة.. هناك من يقول إن هذه هي عبقرية مصر.. وأنا أقول إنها خيبة قوية "خيبة بالويبة".. إنه وطن منافق.. متذبذب. لا إلي هؤلاء ولا إلي هؤلاء.
يقال إن مصر منذ سنوات فيها حراك سياسي.. والحق أنه ليس حراكاً ولا سياسياً.. إنه عراك علي السلطة.. هو صراع علي "عظمة" نخرة.. عراك علي دستور سيصاغ ويقول له الناس: نعم. ثم يوضع في الأدراج ليكون الهوي هو الإله. وهو الحاكم. وهو الدستور.. هناك عراك غبي حول ما يسمي المادة الثانية من الدستور "الإسلام دين الدولة الرسمي.. أو مبادئ أو أحكام الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي أو المصدر الوحيد أو مصدر "التشريع".. ويذكرني ذلك بعبارة شهيرة كنا نقولها دائماً وهي: أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد. أو الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. "ولازم نقول الوحيد أو والوحيد" ونقول أيضاً: "غني يا وحيد"!!
وأنا أتخيل أن دستورنا تضمن مادة مهمة تقول: مصر دولة عربية. مناخها حار جاف صيفاً.. معتدل ممطر شتاءً.. ويخرج مَن يقول إن الدستور لابد أن ينص علي مناخ مصر. لأن المناخ جزء من السيادة والاستقلال وعدم التبعية للمناخ الأمريكي أو الإسرائيلي.. كما أن أي تغيير في المناخ يعتبر غير دستوري.. ولو تعرضت مصر لزلازل أو براكين أو للإعصار ساندي. فلابد من الطعن علي ذلك أمام المحكمة الدستورية العليا.. باعتباره انتقاصاً للسيادة المصرية. وتدخلاً سافراً في شئونها.
لا تضحكوا أو حتي تبتسموا.. فهذا أمر وارد جداً.. ومصر بلد العجائب. والأعجب أننا لم نعد نتعجب. ولم نعد نندهش.. والذين يتحكمون في المشهد المصري الآن سكاري بالسلطة المفاجئة. لذلك تري المشهد كله مترنحاً ومسطولاً.. ولا تسمع ولا تري إلا الهذيان.. وكل امرئ من متصدري المشهد الآن عيناه حمراوان كالدم. ولسانه ثقيل "ويهلفط" ويقول: "أنا جدع".. "أنا بتاع ربنا.. أنا لومة. ولا يهمني المعلم سلومة.. أنا رئيس جمهورية نفسي".. المتحكمون في المشهد الآن تعجبك أجسامهم. وإن يقولوا تسمع لقولهم.. هم العدو ولكننا لا نحذرهم.. فهم "بتوع الثلاث ورقات.. بينما نري نحن بغبائنا وغفلتنا أنهم "بتوع ربنا".. ونحن وحدنا دون العالم كله الذين يجعلون "لربنا بتوع".. تعالي الله عن ذلك علواً كبيراً..
***
* ومصر ستبقي بلد العجائب. ولكننا لا نعجب ولا نندهش.. ومن أعجب العجائب موقفنا من تلك المادة الثانية من الدستور.. المسيحيون مرتاحون لها. ومرحبون بها بلا خلاف.. لكن الخلاف حولها بين أهلها.. بين المسلمين أنفسهم.. أحكام الشريعة.. أم مبادئ الشريعة.. أم الشريعة فقط؟!.. الخلاف علي المادة الثانية بين المسلمين.. أو بين المتأسلمين.. وفريق شارك في مليونية الشريعة.. وفريق قاطع المليونية.. وستبقي مصر بلد العجائب التي لا يعجب منها أهلها.. المفروض أن أي مادة في الدستور تعد مادة منشئة لوضع لم يكن له وجود قبل الدستور.. لكن النص في الدستور علي وضع قائم بالضرورة يعتبر خيبة. ومن قبيل تحصيل الحاصل. ولزوم ما لا يلزم.. أفهم أن الدستور ينص مثلاً علي أن مصر دولة علمانية لا دينية. باعتبار أن ذلك النص ينشئ وضعاً غير قائم.. أما أن يقال إن الإسلام هو دين الدولة الرسمي. أو أن الشريعة هي مصدر التشريع. فهذا نص لا لزوم له.. أو هو نص نفاقي يشبه النص علي المناخ المصري في الدستور.. فالإسلام دين مصر الرسمي.. والشريعة هي قيم المجتمع المصري سواء نص الدستور علي ذلك أو لم ينص.. لكن المقصود بالنص هنا هو استخدامه بالمزاج. وتفسيره بالهوي.. واستعماله سيفاً علي رقاب العباد.. هذا ضد الشرع. وهذا مع الشرع بزعمهم لا يالحقيقة.. ثم ماذا يعني تطبيق الشريعة؟!.. الشريعة لا يطبقها أحد علي أحد.. ولا فريق علي فريق.. وإنما يطبقها كل امرئ علي نفسه.. تطبيق الشريعة فرض عين علي كل مسلم ومسلمة. وليس أمراً من الحاكم للمحكوم. وكل امرئ بما كسب رهين.. وإذا كان المقصود بتطبيق الشريعة هو تطبيق الحدود. فإن شروط تطبيق الحدود غير متوفرة بالمرة.. لا يوجد شهود عدول.. ونحن في عصر الشبهات الذي ينبغي فيه أن نخطئ في العفو لا أن نخطئ في العقوبة.. والهوي إله معبود. لمن تولوا أمر هذا البلد عبر العصور. ونحن لا نأمنهم علي الحدود.. ولا نثق بهم.. فقد زَني أحدهم. فأعفوه وعذروه.. وضبطوا شاباً مع خطيبته في وضع عادي فقتلوه!!
مصر بلد العجائب. ولكننا لا نعجب ولا نندهش.. لقد بلغ بنا الفساد حد الفساد بالدين نفسه. والفساد بالقانون.. والفساد بالدستور.. والفساد عندنا رسمي وشعبي.. هو فساد التناقض بين القول والعمل.. الكذب فساد والوعود "الفشنك" فساد.. وخصخصة الوطن لصالح مجموعة فساد.. وحبس الدين في ثياب وأفعال ومعاملة ووعظ النساء فساد.. وتوزيع لقب شهيد بالهوي والمزاج فساد وكفر وعصيان وفسوق. وجرأة علي الله عز وجل.. وتسمية الأفعال القبيحة بأسماء جميلة فساد.. وسرقة الثورة فساد.. والهوس الأمني فساد وإسهال التصريحات فساد.. وإضاعة سيناء فساد.. والزج بالشرطة في حرب غير متكافئة مع الإرهاب فساد.. والكلمة التي يقولها المرء لا يلقيَ لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً.. لأنها فساد.. والكيل بمكيالين فساد.. مصر بلد العجائب التي لا يعجب منها أحد.. وتلك والله مصيبة.. فالناس بخير ما تعجبوا من العجب.. وقد استوقفتني يوماً صديقة محامية وقالت لي: لي عتاب عليك. وهو أنك أحياناً تستخدم جملاً وألفاظاً تشعرني بالحرج.. وسمعتها طويلاً لأنها تحدثت في أكثر من موضوع.. ولم أعلق علي عتابها.. لكنني الآن أقول لها وليتها تقرأ: يا صديقتي.. مصر بلد العجائب التي لا يعجب منها أحد.. لا أحد يندهش. وإنني أقصد استخدام الألفاظ التي تحرجك لأنني أريد أن أصدم الناس ليفيقوا.. أتمني لو أصدمهم وأذهلهم.. تخيلي امرأ نائماً كالقتيل. تنادينه وتربتين عليه برفق. لكنه لا يصحو.. لا حل إذن سوي "جردل ميه ساقعة.. تدلقيه عليه في عز الشتاء".. سينهض مفزوعاً.. وقد يضربك.. لكن لابد أن يصحو. وأنا أقول للناس: "اصحوا" واضربوني عقاباً لي علي ألفاظي الصادمة.. "اصحوا".. فقد ضاق صدري.. وضاع صبري.. فما حيلتي؟!.. وما وسيلتي؟!.. أين أغرس فسيلتي؟!.. "الكلام خلص.. والسكوت أيضاً خلص".. فهل يجدي السكوت في وطن آيل للسقوط؟!!
نظرة
لا آمن أحداً من نجوم المشهد المسطول علي تطبيق الشريعة.. الناس في بلدي ينطقون كُفراً. ويسكتون نفاقاً.. الشيطان يسكن المليونيات.. ويدير الندوات.. ويكتب الدساتير.. ويسن القوانين.. الشيطان يعظ.. الشيطان في بلدي مثقف.. في لسانه حلاوة وطلاوة.. مظهره مثمر. ومخبره مجدب.. عشرات بل مئات خلبوا ألباب الناس بالباطل و"الغلوشة".. مئات كانوا ومازالوا مثل ابن مهدية. ذلك الذي ادعي الفقه علي عهد الخليفة العباسي الواثق. وخدع الناس فتبعه منهم المئات.. وقد جلس يوماً للفتوي في مجلس علم وقال: تزوجوا فإن الأعزب شيطان رجيم.. وهناك قراءة لا يعرفها أحد للآية الكريمة "الأعراب أشد كفراً ونفاقاً".. والقراءة التي أدلكم عليها تقول: "الأعزاب أشد كفراً ونفاقاً".. الأعزب أو العَزَب يا قوم فاسق وكافر. وإن صام وصلي!!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.