الأربعاء المقبل.. إطلاق خدمات الجيل الخامس من منطقة الأهرامات    وزارة النقل: مركز تحكم للرقابة على الأتوبيسات الترددية    رسميا.. انطلاق الدوري الجديد 15 أغسطس وينتهي مايو 2026    محمد مصيلحي يستقيل من رئاسة الاتحاد السكندري.. وأعضاء المجلس يتضامنون معه    حبس المتهمين بخطف طفل فى المقطم    الهيئة العامة للأوقاف بالسعودية تطلق حملتها التوعوية لموسم حج 1446    شركة مياه الشرب والصرف الصحى بالمنيا تستعد لاستقبال عيد الأضحى.. تفاصيل    مهرجان روتردام للفيلم العربي يختتم دورته ال 25 بتكريم ليلي علوي    كشف أسرار جديدة بواقعة التنقيب عن الآثار أسفل قصر ثقافة الطفل بالأقصر.. فيديو    عاجل| "أزمة غزة" تصعيد متزايد وموقف بريطاني صارم.. ستارمر يحذر من كارثة إنسانية ولندن تعلّق اتفاقية التجارة مع إسرائيل    وزير التعليم يكشف تعديلات المناهج في العام الدراسي الجديد    السيسي: ضرورة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    ريوس يبرر خسارة وايتكابس الثقيلة أمام كروز أزول    التفاصيل المالية لصفقة انتقال جارسيا إلى برشلونة    بوستيكوجلو يطالب توتنهام بعدم الاكتفاء بلقب الدوري الأوروبي    للمشاركة في المونديال.. الوداد المغربي يطلب التعاقد مع لاعب الزمالك رسميا    رئيس مجلس الشيوخ: التغيرات البيئية أصبحت ملحة ومازلنا مغيبين ونتناول هذا الملف برفاهية    تخريج 100 شركة ناشئة من برنامج «أورانج كورنرز» في دلتا مصر    افتتاح معرض إعادة التدوير لمؤسسة لمسات للفن التشكيلي بحضور وزيرة البيئة    السيسي يستقبل وزير الخارجية الإيراني ومدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية.. صور    وزير الخارجية: مصر أكثر طرف إقليمي ودولي تضرر من التصعيد العسكري في البحر الأحمر    دنيا سامي: مصطفى غريب بيقول عليا إني أوحش بنت شافها في حياته    «واكلين الجو».. 3 أبراج هي الأكثر هيمنة وقوة    دعاء يوم عرفة 2025 مستجاب كما ورد عن النبي.. اغتنم وقت الغفران والعتق من النار    وزير الصحة يشهد احتفال إعلان مصر أول دولة في شرق المتوسط تحقق هدف السيطرة على التهاب الكبد B    زيلينسكي يعرب عن تطلعه إلى "تعاون مثمر" مع الرئيس البولندي المنتخب    برواتب تصل ل350 دينارا أردنيا.. فرص عمل جديدة بالأردن للشباب    مصمم بوستر "في عز الضهر" يكشف كواليس تصميمه    حزب السادات: فكر الإخوان ظلامي.. و30 يونيو ملحمة شعب وجيش أنقذت مصر    لو معاك 200 ألف جنيه.. طريقة حساب العائد من شهادة ادخار البنك الأهلي 2025    وزير الصحة يتسلم شهادة الصحة العالمية بالسيطرة على فيروس B    الشيوخ يبدأ جلسته لمناقشة بعض الملفات المتعلقة بقطاع البيئة    إيران تدرس الرد على المقترح الأمريكي بشأن برنامجها النووي    مصرع عنصر إجرامي شديد الخطورة وضبط 333 كيلو مخدرات| صور    مدير المساحة: افتتاح مشروع حدائق تلال الفسطاط قريبا    "الأونروا": لا أحد أمنا أو بمنأى عن الخطر في قطاع غزة    «تعليم الجيزة» : حرمان 4 طلاب من استكمال امتحانات الشهادة الاعدادية    بى بى سى توقف بث مقابلة مع محمد صلاح خوفا من دعم غزة    التضامن الاجتماعي تطلق معسكرات «أنا وبابا» للشيوخ والكهنة    تحكي تاريخ المحافظة.. «القليوبية والجامعة» تبحثان إنشاء أول حديقة متحفية وجدارية على نهر النيل ببنها    توريد 169 ألفا و864 طنا من محصول القمح لصوامع وشون سوهاج    آن ناصف تكتب: "ريستارت" تجربة كوميدية لتصحيح وعي هوس التريند    أزمة المعادن النادرة تفجّر الهدنة التجارية بين واشنطن وبكين    مصادر طبية فلسطينية: 35 قتيلا بنيران إسرائيلية قرب مراكز المساعدات خلال الساعات ال 24 الأخيرة    ميراث الدم.. تفاصيل صراع أحفاد نوال الدجوى في المحاكم بعد وفاة حفيدها أحمد بطلق ناري    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر مايو الماضي    عيد الأضحى 2025.. ما موقف المضحي إذا لم يعقد النية للتضحية منذ أول ذي الحجة؟    تعليم دمياط يطلق رابط التقديم للمدارس الرسمية والرسمية لغات    هيئة الشراء الموحد: إطلاق منظومة ذكية لتتبع الدواء من الإنتاج للاستهلاك    وزير الصحة: 74% من الوفيات عالميًا بسبب الإصابة بالأمراض غير المعدية    22 سيارة إسعاف لنقل مصابي حادث طريق الإسماعيلية الدواويس    «من حقك تعرف».. ما إجراءات رد الزوجة خلال فترة عِدة الخُلع؟    تكريم الفائزين بمسابقة «أسرة قرآنية» بأسيوط    لطيفة توجه رسالة مؤثرة لعلي معلول بعد رحيله عن الأهلي    زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب قبالة سواحل هوكايدو شمالي اليابان    الرئيس السيسي يهنئ مسلمي مصر بالخارج بحلول عيد الأضحى المبارك    أمين الفتوى: صلاة الجمعة لا تتعارض مع العيد ونستطيع أن نجمع بينهما    رئيس حزب الوفد في دعوى قضائية يطالب الحكومة برد 658 مليون جنيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السكوت في وطن آيل للسقوط!!
نشر في الجمهورية يوم 11 - 11 - 2012

* شكراً لك من القلب والعقل يا صديقي سعيد الأديب من المحلة الكبري.. وصدقت فيما رويت عن الشاعر الراحل أمل دنقل: إذا سكت مِت.. وإذا قلت مِت.. قُل ومُت.. نموت قائلين كاتبين. خير لنا من أن نموت صامتين.. وصدقت فيما رويت عن الشاعر الراحل نزار قباني: وكيف أهرب منه.. إنه قدري.. هل يملك النهر تغييراً لمجراه؟!.. لكن البشر يا صديقي يملكون تغيير مجري النهر.. وأنت حين تكتب وتقول: لابد من أن تحرس ما تكتب. وتقول: لابد أن تحميه من البتر والتشويه. والقطع والمونتاج.. لابد أن تكون لديك القدرة علي أن يبلغ قولك مأمنه.. ليتني أمتلك وسيلتي لأحقق غايتي.. أخشي بعد الاعتزال والمعاش أن يصل إليكم ما أكتب كسيحاً "برجل واحدة.. أو عين واحدة".. أخشي أن يصل إليكم قولي معاقاً.. وأن تصل رسالتي مشوهة.. علي طريقة "ولا تقربوا الصلاة".. أو علي طريقة: "فويل للمصلين".. لذلك يا أصدقائي المهندس إسماعيل العوضي وحمادة بدران أبودوح من إسنا الأقصر.. ولمياء الجديدة.. والصديق الظريف الذي لم يذكر اسمه.. والنائب السابق محمد فريد زكريا. رئيس حزب أحرار الثورة.. الأمين العام لائتلاف الثوار الأحرار.. لا أحب الظهور في التليفزيون. رغم الدعوات الكريمة التي أتلقاها.. أخاف القطع والمونتاج والاستدراج والتشويه.. الإعلام في مصر ليس أميناً ولا شريفاً ولا نزيهاً مثل كل شيء في هذا البلد.. لابد أن تملك وسيلتك لتبلغ غايتك.. فإذا كانت الوسيلة بيد غيرك فإنك ستبلغ غاية غيرك لا غايتك.. ومن الأفضل ألا تصل أبداً إذا كان وصولك إلي الهدف الخاطئ.. وفي الكتابة أنا مؤمن بمبدأ أو شعار: الكل أو لا شيء.. إذا أردت أن تبتر ما أكتب.. فاحذفه كله.. لسنا وحدنا يا أصدقائي.. هناك زحام وتدافع و"شنكلة.. وعرقلة".. هناك صدور تضيق بالحق.. ولا تطيق الصدق.. وإذا أوتي أصحاب هذه الصدور الضيقة السلطة.. سلطة المنع والمنح. فخير للمصممين علي الحق والصدق أن ينسحبوا أو يبحثوا عن فضاء يملكونه وحدهم ليحلقوا فيه بحرية.. ونحن لا نملك ثمن هذا الفضاء. ولا حتي القدرة المالية علي إصدار صحيفة حائط.. لا نستطيع أن نكتب حتي علي الجدران.. وعلي الأرصفة.. هناك مَن سيمحو أو يكتب تحت ما نكتب.. أو يقاضينا بتهمة تلويث البيئة.
الإعلام امرأة لعوب. أو زوجة خائنة. تعطيها عمرك فتوليك دُبرها وظهرها. وتشتري غيرك بعمرك أنت ومالك أنت.. تطارد وتلاحق من يطرُدها.. وتطرد وترفض وترفس من يطاردها ويلاحقها.. تحقق لها أحلامها. فتتركك وتترك لك الكوابيس.. وأخشي أن يكون الوطن كله امرأة خائنة.. فإعلام أي وطن مرآة له. وتعبير عنه.. ولم يحدث أن أنصفت مصر مَن أحبها. ولم يحدث أن أكرمت مَن أكرمها.. لقد أهانت مَن أكرمها.. وكرهت مَن أحبها.. ووضعت مَن رفعها.. ورفعت مَن وضعها.
.. كل شيء في هذا البلد يبدو غير منطقي وغير مفهوم.. يستعصي علي التفسير والشرح.. مصر من زمان بلد اللامنطق. واللامعقول.. بلد "هو كده".. ليست فيه إجابة لسؤال: لماذا غير إجابة "هو كده.. إن كان عاجبك.. ولو مش عاجبك.. عُض في الأرض".. وقد تخلعت أسنان الباحثين عن منطق من كثرة عضهم في الأرض.. وتحطمت رءوسهم من كثرة ضربها في الحائط.. وانفجرت بطونهم من كثرة شربهم من البحر.. المبدعون في هذا الوطن صعاليك. والمدعون ملوك وزعماء وساسة ونجوم.. الفقراء لا يستحقون الفقر. والأغنياء لا يستحقون الغني "مافيش طوبة في مكانها الصحيح".. لذلك يبدو الوطن دائماً آيلاً للسقوط.. لا ينقض فنقيمه.. ولا يعتدل فنفرح.. مصر في كل عصورها آيلة للسقوط "مائلة".. لذلك فإننا في حالة قلق.. لا يزورنا النوم خوفاً من أن "تتطربق علي دماغنا".. وتمر الأيام ولا "تتطربق".. ويأتي مَن يقول إن جمالها في ميلها مثل برج "بيزا المائل".. معجزتها أنها مائلة ولا تسقط.. لذلك صارت مصر من عجائب الدنيا.. لكن ميلها يزعج مَن يحبونها. وهي تكره مَن يحبونها. وتحب مَن يكرهونها.. ضحكوا عليها وقالوا إن جمالها في ميلها.. وعظمتها في أنها آيلة للسقوط ولا تسقط.. وقالوا: إنها تمرض ولا تموت.. وقلت: إنها تمرض ولا تموت. ولا تشفَي أيضاً "حلاوتها في مرضها".. مصر مثل دساتيرها ترفضها كلها أو تقبلها كلها.. والمرفوض فيها أضعاف المقبول. ولكنك مطالب بنعم أو لا.. نعم حتي للمرفوض. أو لا حتي للمقبول.. المصريون يخترعون دساتير ليخالفوها.. ويخترعون قوانين ليخرقوها.. في مصر تستطيع وأنت مرتاح البال أن تقول إن الدستور غير دستوري. والقانون غير قانوني.. الدساتير والقوانين عندنا "معمولة" لتفصل بين فريقين من الناس.. فريق فوقها. وفريق تحتها "ناس فوق القانون والدستور. وناس تحتهما".. وكل الناس في بلدي مجرمون وجُناة.. لكن لا أدلة ضد فريق من المجرمين.. بينما يوجد ألف دليل ضد الفريق الآخر.. وكل متهم لا يقول لك إنه بريء. ولكنه يقول لك: "لو جدع امسك عليَّ حاجة".. ورق اللصوص والفسدة سليم.. وورق الأبرياء مزور. ويدينهم.. القانون لا يحمي السُذَّج والمغفلين.. لكنه يحمي عباقرة الشر ومحترفي الفساد والإجرام.
***
* في مصر.. الفساد مشموم فقط.. لا تعرفه إلا بحاسة الشم.. في كل مؤسسة وهيئة تشم رائحة الفساد بكل ركن.. لكن حاسة الشم لا تصلح دليلاً.. في النهاية.. الأوراق سليمة.. وقضايا الفساد في مصر مقرونة بهوي ومزاج النظام الحاكم في كل عهد.. إذا أراد للصالح أن يكون فاسداً. كان له ما أراد.. وإذا أراد للفاسد أن يكون صالحاً وقديساً. فلتكن مشيئته.. إفقار الناس في عهد سابق ظلم.. وإفقارهم في عهد لاحق عدل.. استرجاع سيناء المحتلة في عهد سابق عمالة وخيانة.. وضياعها في عهد لاحق عمل عروبي وواجب إسلامي ديني نحو الأشقاء.. مصر بلد اللامنطق.. بلد المضحكات. ولكنه ضحك كالبكاء.
لم يعد المصريون يعرفون ولن يعرفوا أبداً ما هي الوطنية. ومَن هو الوطني.. وما هي الخيانة. ومَن هو الخائن.. ومَن هو الشهيد. ومَن هو "الميت فطيس"؟!!.. خمسة وسبعون في المائة من موتانا الآن شهداء.. الجنة لم يعد فيها سوي مصريين الآن.. ولم يجرؤ أحد من الزاعقين الناعقين باسم الإسلام علي أن يخرج ليقول كلمة حق.. ليقول: تأدبوا مع الله.. الحكم علي أي ميت بأنه شهيد. أو ميت عادي "فطيس" ليس شأنكم.. هذا حكم الله وحده.. من العصيان الذي يبلغ حد الكفر أن يشارك المرء الله في حكمه وعلمه.. ويقول: هذا شهيد.. وهذا غير شهيد.. الشهادة في مصر صارت سبوبة.. ومصدر رزق.. كل أسرة تصارع من أجل أن يكون فقيدها من الشهداء لتقبض الثمن!!.. ولا أحد من الناعقين الزاعقين باسم الدين يقول: عيب.. حرام.. خذوا ما شئتم من النقود والتكريم. لكن ليس شأننا ولا شأنكم أن نقول: هذا شهيد وهذا غير شهيد.
مصر بلد العجائب. واللامنطق.. مصر آيلة للسقوط. لكنها لا تنقض.. مصر مريضة. لكنها لا تموت ولا تبرأ من مرضها.. مصر بلد راقص علي السلم.. بلد البين بين. وغراب البين.. لا هي متقدمة. ولا هي متخلفة.. لا غنية ولا فقيرة.. لا ديمقراطية ولا ديكتاتورية.. "لا ساقطة ولا ناجحة".. لا متدينة ولا كافرة.. لا مستقلة ولا محتلة.. لا فوضوية ولا مستقرة.. لا متجانسة ولا متنافرة.. ليست في حالة حرب. ولا في حالة سلم.. لا معتدلة ولا متطرفة.. مصر مثل نص طلسمي له مليون تفسير. وكلها تفسيرات متناقضة.. مصر ليست سائلة ولا صلبة.. هناك من يقول إن هذه هي عبقرية مصر.. وأنا أقول إنها خيبة قوية "خيبة بالويبة".. إنه وطن منافق.. متذبذب. لا إلي هؤلاء ولا إلي هؤلاء.
يقال إن مصر منذ سنوات فيها حراك سياسي.. والحق أنه ليس حراكاً ولا سياسياً.. إنه عراك علي السلطة.. هو صراع علي "عظمة" نخرة.. عراك علي دستور سيصاغ ويقول له الناس: نعم. ثم يوضع في الأدراج ليكون الهوي هو الإله. وهو الحاكم. وهو الدستور.. هناك عراك غبي حول ما يسمي المادة الثانية من الدستور "الإسلام دين الدولة الرسمي.. أو مبادئ أو أحكام الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي أو المصدر الوحيد أو مصدر "التشريع".. ويذكرني ذلك بعبارة شهيرة كنا نقولها دائماً وهي: أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد. أو الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. "ولازم نقول الوحيد أو والوحيد" ونقول أيضاً: "غني يا وحيد"!!
وأنا أتخيل أن دستورنا تضمن مادة مهمة تقول: مصر دولة عربية. مناخها حار جاف صيفاً.. معتدل ممطر شتاءً.. ويخرج مَن يقول إن الدستور لابد أن ينص علي مناخ مصر. لأن المناخ جزء من السيادة والاستقلال وعدم التبعية للمناخ الأمريكي أو الإسرائيلي.. كما أن أي تغيير في المناخ يعتبر غير دستوري.. ولو تعرضت مصر لزلازل أو براكين أو للإعصار ساندي. فلابد من الطعن علي ذلك أمام المحكمة الدستورية العليا.. باعتباره انتقاصاً للسيادة المصرية. وتدخلاً سافراً في شئونها.
لا تضحكوا أو حتي تبتسموا.. فهذا أمر وارد جداً.. ومصر بلد العجائب. والأعجب أننا لم نعد نتعجب. ولم نعد نندهش.. والذين يتحكمون في المشهد المصري الآن سكاري بالسلطة المفاجئة. لذلك تري المشهد كله مترنحاً ومسطولاً.. ولا تسمع ولا تري إلا الهذيان.. وكل امرئ من متصدري المشهد الآن عيناه حمراوان كالدم. ولسانه ثقيل "ويهلفط" ويقول: "أنا جدع".. "أنا بتاع ربنا.. أنا لومة. ولا يهمني المعلم سلومة.. أنا رئيس جمهورية نفسي".. المتحكمون في المشهد الآن تعجبك أجسامهم. وإن يقولوا تسمع لقولهم.. هم العدو ولكننا لا نحذرهم.. فهم "بتوع الثلاث ورقات.. بينما نري نحن بغبائنا وغفلتنا أنهم "بتوع ربنا".. ونحن وحدنا دون العالم كله الذين يجعلون "لربنا بتوع".. تعالي الله عن ذلك علواً كبيراً..
***
* ومصر ستبقي بلد العجائب. ولكننا لا نعجب ولا نندهش.. ومن أعجب العجائب موقفنا من تلك المادة الثانية من الدستور.. المسيحيون مرتاحون لها. ومرحبون بها بلا خلاف.. لكن الخلاف حولها بين أهلها.. بين المسلمين أنفسهم.. أحكام الشريعة.. أم مبادئ الشريعة.. أم الشريعة فقط؟!.. الخلاف علي المادة الثانية بين المسلمين.. أو بين المتأسلمين.. وفريق شارك في مليونية الشريعة.. وفريق قاطع المليونية.. وستبقي مصر بلد العجائب التي لا يعجب منها أهلها.. المفروض أن أي مادة في الدستور تعد مادة منشئة لوضع لم يكن له وجود قبل الدستور.. لكن النص في الدستور علي وضع قائم بالضرورة يعتبر خيبة. ومن قبيل تحصيل الحاصل. ولزوم ما لا يلزم.. أفهم أن الدستور ينص مثلاً علي أن مصر دولة علمانية لا دينية. باعتبار أن ذلك النص ينشئ وضعاً غير قائم.. أما أن يقال إن الإسلام هو دين الدولة الرسمي. أو أن الشريعة هي مصدر التشريع. فهذا نص لا لزوم له.. أو هو نص نفاقي يشبه النص علي المناخ المصري في الدستور.. فالإسلام دين مصر الرسمي.. والشريعة هي قيم المجتمع المصري سواء نص الدستور علي ذلك أو لم ينص.. لكن المقصود بالنص هنا هو استخدامه بالمزاج. وتفسيره بالهوي.. واستعماله سيفاً علي رقاب العباد.. هذا ضد الشرع. وهذا مع الشرع بزعمهم لا يالحقيقة.. ثم ماذا يعني تطبيق الشريعة؟!.. الشريعة لا يطبقها أحد علي أحد.. ولا فريق علي فريق.. وإنما يطبقها كل امرئ علي نفسه.. تطبيق الشريعة فرض عين علي كل مسلم ومسلمة. وليس أمراً من الحاكم للمحكوم. وكل امرئ بما كسب رهين.. وإذا كان المقصود بتطبيق الشريعة هو تطبيق الحدود. فإن شروط تطبيق الحدود غير متوفرة بالمرة.. لا يوجد شهود عدول.. ونحن في عصر الشبهات الذي ينبغي فيه أن نخطئ في العفو لا أن نخطئ في العقوبة.. والهوي إله معبود. لمن تولوا أمر هذا البلد عبر العصور. ونحن لا نأمنهم علي الحدود.. ولا نثق بهم.. فقد زَني أحدهم. فأعفوه وعذروه.. وضبطوا شاباً مع خطيبته في وضع عادي فقتلوه!!
مصر بلد العجائب. ولكننا لا نعجب ولا نندهش.. لقد بلغ بنا الفساد حد الفساد بالدين نفسه. والفساد بالقانون.. والفساد بالدستور.. والفساد عندنا رسمي وشعبي.. هو فساد التناقض بين القول والعمل.. الكذب فساد والوعود "الفشنك" فساد.. وخصخصة الوطن لصالح مجموعة فساد.. وحبس الدين في ثياب وأفعال ومعاملة ووعظ النساء فساد.. وتوزيع لقب شهيد بالهوي والمزاج فساد وكفر وعصيان وفسوق. وجرأة علي الله عز وجل.. وتسمية الأفعال القبيحة بأسماء جميلة فساد.. وسرقة الثورة فساد.. والهوس الأمني فساد وإسهال التصريحات فساد.. وإضاعة سيناء فساد.. والزج بالشرطة في حرب غير متكافئة مع الإرهاب فساد.. والكلمة التي يقولها المرء لا يلقيَ لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً.. لأنها فساد.. والكيل بمكيالين فساد.. مصر بلد العجائب التي لا يعجب منها أحد.. وتلك والله مصيبة.. فالناس بخير ما تعجبوا من العجب.. وقد استوقفتني يوماً صديقة محامية وقالت لي: لي عتاب عليك. وهو أنك أحياناً تستخدم جملاً وألفاظاً تشعرني بالحرج.. وسمعتها طويلاً لأنها تحدثت في أكثر من موضوع.. ولم أعلق علي عتابها.. لكنني الآن أقول لها وليتها تقرأ: يا صديقتي.. مصر بلد العجائب التي لا يعجب منها أحد.. لا أحد يندهش. وإنني أقصد استخدام الألفاظ التي تحرجك لأنني أريد أن أصدم الناس ليفيقوا.. أتمني لو أصدمهم وأذهلهم.. تخيلي امرأ نائماً كالقتيل. تنادينه وتربتين عليه برفق. لكنه لا يصحو.. لا حل إذن سوي "جردل ميه ساقعة.. تدلقيه عليه في عز الشتاء".. سينهض مفزوعاً.. وقد يضربك.. لكن لابد أن يصحو. وأنا أقول للناس: "اصحوا" واضربوني عقاباً لي علي ألفاظي الصادمة.. "اصحوا".. فقد ضاق صدري.. وضاع صبري.. فما حيلتي؟!.. وما وسيلتي؟!.. أين أغرس فسيلتي؟!.. "الكلام خلص.. والسكوت أيضاً خلص".. فهل يجدي السكوت في وطن آيل للسقوط؟!!
نظرة
لا آمن أحداً من نجوم المشهد المسطول علي تطبيق الشريعة.. الناس في بلدي ينطقون كُفراً. ويسكتون نفاقاً.. الشيطان يسكن المليونيات.. ويدير الندوات.. ويكتب الدساتير.. ويسن القوانين.. الشيطان يعظ.. الشيطان في بلدي مثقف.. في لسانه حلاوة وطلاوة.. مظهره مثمر. ومخبره مجدب.. عشرات بل مئات خلبوا ألباب الناس بالباطل و"الغلوشة".. مئات كانوا ومازالوا مثل ابن مهدية. ذلك الذي ادعي الفقه علي عهد الخليفة العباسي الواثق. وخدع الناس فتبعه منهم المئات.. وقد جلس يوماً للفتوي في مجلس علم وقال: تزوجوا فإن الأعزب شيطان رجيم.. وهناك قراءة لا يعرفها أحد للآية الكريمة "الأعراب أشد كفراً ونفاقاً".. والقراءة التي أدلكم عليها تقول: "الأعزاب أشد كفراً ونفاقاً".. الأعزب أو العَزَب يا قوم فاسق وكافر. وإن صام وصلي!!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.