لم يكن ليفعلها يوسف بطرس غالي وزير مالية "ما قبل الثورة".. فقد كانت ديون المؤسسات الصحفية القومية أمامه تؤرقه ويحاول البحث لها عن حل أو مخرج آمن لا يعصف بهذه المؤسسات. ولكن الآن فعلها وزير المالية الحالي ممتاز السعيد وهو وزير "ما بعد الثورة" واطلق صيحات غير مطمئنة في وقت غير مناسب علي الاطلاق.. ففي الوقت الذي تعاني منه كافة مؤسسات الدولة والمؤسسات الصحفية القومية بالذات من أزمات مالية عاصفة تهدد تلك الكيانات العملاقة بالإفلاس يعلن "السعيد" ان مديونية هذه الصحف لن تتنازل عنها وزارة المالية مطالباً بسرعة السداد ومهدداً بالحجز علي كامل مستحقات هذه المؤسسات لدي وزارة المالية نظير طباعة الكتاب المدرسي.. وذلك بالرغم من أنه قد استولي علي 50% من هذه المستحقات وفاءً لجزء من الديون المستحقة علي الصحف القومية التي تنتظر وتترقب وتبحث عن كل جنيه اضافي يدخل خزائنها الخاوية لتتمكن من تدبير مرتبات العاملين بها والانفاق علي متطلبات اصدارات مطبوعاتها. ورغم محاولات "السعيد" التخفيف من حدة تصريحاته النارية ضد الصحف القومية عندما قال ان الوزارة قدمت تيسيرات للسداد تمثلت في الموافقة علي تقسيط سداد المتأخرات وإعادة جدولة المديونيات. إلا ان هذا الكلام يعني للصحف القومية كمن يستجير من الرمضاء بالنار "فمن أين تأتي هذه الصحف بأموال لسداد الأقساط وهي أقساط كبيرة لاشك تصل إلي عشرات الملايين من الجنيهات". ووزير المالية عندما يقول ان هذا حق الدولة قانوناً ولا يمكن إعفاء أحد من سداد الضرائب المستحقة إلا بقانون.. فنحن نتفق معه في ذلك ولكن الحقائق تقول أن هذه المديونيات والتي وصلت إلي 3.5 مليار جنيه إلي جانب 7 مليارات جنيه أخري كضرائب مستحقة منذ الستينيات من القرن الماضي.. هي بذلك ديون متراكمة منذ عشرات السنين لم تكن الدولة تطالب بها الصحف القومية وليس من المعقول ان تتذكرها فجأة اليوم وزارة المالية وفي ظل أزمة مالية خانقة لتطالب بها المؤسسات الصحفية دفعة واحدة. وفي ظل هذا التعثر الواضح واصرار السعيد علي المطالبة بمديونيات الصحف القومية.. فإن الأمر يتطلب تدخلاً عاجلاً من رئيس الجمهورية وقد سبق ان طالبت بهذا التدخل في هذا المكان منذ بضعة أسابيع ليجد حلاً ومخرجاً لهذه المشكلة وأن يصدر قراراً جمهورياً بإعفاء الصحف القومية من المديونيات القديمة والتي لا ذنب لقياداتها الحالية فيها.. وهو الوحيد القادر علي اصدار مثل هذا القرار ولا يجب ان يتواني أو يتأخر في إصداره خاصة وانها مشكلة تتعلق بمستقبل أكثر من 35 ألف عامل واداري وصحفي يعملون في تلك المؤسسات الصحفية القومية. ولا يصلح لحل المشكلة ذلك الخطاب الذي أرسله رئيس مجلس الشوري منذ فترة إلي وزارة المالية لاسترداد ماتم استقطاعه من مستحقات الصحف القومية من طباعة الكتاب المدرسي ووقف أي استقطاعات جديدة من مستحقات هذه المؤسسات لحين تحسن الأوضاع المالية. نريد حلاً جذرياً للمشكلة لان وزارة المالية فتحت أبواب جهنم علي مصراعيها وبدأت في المطالبة بمديونياتها لدي الصحف القومية وهي تعلم تماماً ان هذه المؤسسات لا تجد في أحيان كثيرة مرتبات العاملين بها أي الحد الأدني من مستحقات الناس بسبب قلة الموارد المالية نتيجة الظروف غير الطبيعية التي مرت بها البلاد.. وطبقاً لتقرير مرصد حرية الإعلام التابع لمؤسسة عالم جديد للتنمية وحقوق الإنسان.. صدر منذ أيام قليلة يؤكد ان المؤسسات الصحفية القومية تواجه أعباء مالية ضخمة تتحملها مثل تكاليف الطباعة والأجور وزيادة خسائرها السنوية إلي جانب انحسار سوق شراء الصحف وعدم تجاوزه حتي الآن 3 ملايين ونصف المليون قارئ يومياً وذلك نتيجة استخدام الانترنت والفضائيات وقلة اهتمام الشباب من الأجيال الجديدة بقراءة الصحف الورقية. والسؤال الذي يطرح نفسه وأطرحه علي السيد وزير المالية يقول لماذا لا تبحث عن المليارات المهربة خارج مصر ممن سرقوا أموال الشعب في النظام السابق وتحضرها لتحل مشاكلك المالية بدلاً من التهدية والوعيد للصحف القومية؟