في عيد التضحية والفداء.. يهفو قلبي إلي أطهر أرض لتأدية أجمل فريضة بين ملايين المسلمين الذين شدوا الرحال ملبين مكبرين ابتغاء مرضاة الخالق سبحانه وتعالي.. يهفو قلبي إلي مشاعر الحب التي توحد كل الأفئدة وتملأ كل النفوس سكينة ورضاً وتسامحاً وقناعة.. تشدني الأحلام إلي الموقف العظيم علي صعيد عرفات.. فأجدني أرفع يدي باكياً إلي الخالق لائذاً برحمته التي تسع الكون كله: يا حليم. يا عظيم. يا كريم. يا وهاب. يا غفور. ياحكم. يا عدل.. أنزل علينا سكينتك.. اشملنا يا حبيبي برحمتك.. خفف عنا غلو أنفسنا واشفنا من غلظة قلوبنا. أسبح في جلال الموقف.. أستشعره وأستحضره.. أذوب فيه وأتوحد مع المتوحدين علي الطاعة والضراعة.. أدعو الخالق العظيم أن يعيد لمصر المحروسة بأمره. المشمولة برحمته. أن يعيد إليها سكينتها.. أن يعيد إليها مكانتها.. أن يلهم أبناءها سبل نهضتها لتعود إلي ريادتها.. أرفع يدي إلي السماء لاهجاً بالدعاء: اللهم طهر قلوبنا من الحقد والحسد والضغينة والقسوة.. اللهم طهر نفوسنا من التشفي ورغبة الانتقام.. اللهم ألهمنا بعضاً من صفاتك وجلال أسمائك: "السلام والمغفرة والحكمة". لو كنت هناك.. في أطهر أرض وأعظم موقف.. لتضرعت إلي الخالق العظيم أن ينجينا من فتاوي التضليل والتكفير.. أن يحمينا من دعاة الفتنة الذين أساءوا ولا يزالون إلي سماحة الدين.. من أصحاب القلوب الغليظة والملامح المتجهمة. ممن تنطق ألسنتهم بنذر شؤم ودعاوي فوضي. لو كنت هناك.. وأدعو الله سبحانه وتعالي أن يهبني هذه النعمة وييسرها لي.. لتضرعت إليه أن يخلصنا من أسباب الخلاف والاختلاف.. ويعيدنا إلي الوفاق والاتفاق حول مصلحة بلادنا ومستقبل أبنائنا.. لتضرعت إليه أن يحفظ لقضائنا هيبته ونزاهته وعدالته.. ولجيشنا العظيم مكانته وقوته.. ولولاة الأمر رشدهم وحكمتهم وإنصافهم.. فلا تغرنهم قوة زائلة. ولا غلبة زائفة.. ولا تتملكهم العزة بالإثم فيتصورون أنهم امتلكوا البلاد والعباد. واحتكروا الحاضر والمستقبل.. من يؤيدهم مؤمن صادق. ومن يخالفهم كافر مارق.. يوزعون صكوك الغفران علي المريدين والمؤيدين. ويحرمون منها المعارضين الرافضين.. متجاوزين حدود اختصاص البشر. لو كنت هناك لاستسلمت لسكينة النفس وضياء الروح.. مقاوماً هواجس ومخاوف واقعنا المؤلم.. حيث أصبح الاختلاف هو القاعدة.. وشهوة الانتقام هي الشعار.. والتردي والفوضي في كل شيء هما السمة الوحيدة لحياتنا. اختلافات علي مسودة الدستور تصل إلي حد التخوين والتشكيك في الإيمان والانتماء.. اختلافات علي تشكيل اللجنة التأسيسية وعلي طريقة عملها. وعلي توجهات عدد لا يستهان به من أعضائها يعلون المصالح الخاصة. ويعملون بإملاءات انتماءاتهم وهيمنة أهوائهم.. يتجاهلون مصالح الوطن.. يختصرون الزمن في حاضر لن يدوم.. ويلقون بظلال ضبابية علي مستقبل هو ملك أبنائنا وأحفادنا. وأجيال أخري ستأتي بعدنا. اختلافات حول دور القضاء وأدائه.. تصل إلي حد التشاجر والتناطح الذي يفتقر إلي أدب الحوار. وصدق المقاصد.. فإن حكم لنا فهو عادل عظيم منصف.. وإن حكم علينا فهو بقايا فلول ومؤسسة فساد.. رأينا ذلك في ما حدث للنائب العام. وفي ردود أفعالنا علي حكم القضاء الإداري في قضية بطلان تشكيل تأسيسية الدستور. وفي أحكام البراءة في موقعة الجمل وفي أحكام بطلان انتخابات مجلس الشعب وانعدامه. ثم في الأحكام التي تلت إعادته بالمخالفة للدستور.. رأيناه في كل أحكام البراءة وأحكام الإدانة.. فلا أحد يعجبه من القضاء غير ما يريد.. ولا أحد يرضي بغير ما تحكم به نفسه. ويوحي به هواه. قرارات صادمة وتراجعات تثير الشكوك وتؤكد المخاوف من أن القادم لن يكون أفضل. إن لم يكن أسوأ.. إظلام القاهرة من العاشرة دون تشاور أو نقاش وبمنطق العنترية التنفيذية.. ثم تراجع.. تسريبات حول ضرائب ورسوم ورفع أسعار خدمات.. تطال كل شيء من الكهرباء إلي الوقود. إلي المكالمات الهاتفية والسجائر.. دون أن تستثني حتي رغيف العيش الذي لا يوجد غيره يسد جوع الملايين من شعب مصر.. ثم تأجيل مريب أو تراجع أو نفي يتفق علي تفسيره الخبثاء مع أصحاب النوايا الحسنة بأن مرجعه قرب استحقاق انتخابي برلماني وشيك لن تكون نتائجه في صالح من يريد تحويل الدولة إلي دولة جباية تثقل كاهل الفقراء. وتُفقر متوسطي الحال.. أي أن الجحيم مؤجل إلي حين الانتهاء من التهام كعكة التشريع!! أحزاب كرتونية عاجزة اكتفت لنفسها بالنضال الفضائي.. وأخري ثورية وليدة ضلت الطريق إلي قري مصر ونجوعها وحواريها وأزقتها. حيث جموع الشعب التي لم تر من أفعال الساسة وحيلهم حتي الآن سوي أكياس السكر والأرز والزيت ودعاوي تكفير الآخر.. أحزاب كرتونية وثورية لا تحمل من الثورة غير اسمها لو استمرت في التعالي علي الشعب بنضال الصالونات. ولن تجني في استحقاق انتخاب البرلمان القادم سوي الفشل الذريع. لو كنت هناك لتضرعت إلي الخالق سبحانه أن يشمل فقراء مصر. وهم سوادها الأعظم برحمته.. فلا يقهرهم العجز عن الحصول علي الحد الأدني من الخدمات الصحية.. ولا يعجزهم حال أبنائهم في مدارس لا تُعلم ولا تُربي. ومدرسين لا يرحمون ولا يعرفون سوي تعليم الدليفري. الذي يوصل الدروس إلي المنازل.. لو كنت هناك لطلبت الغوث موقناً به.. فمَن خلقنا لا يكلنا إلي مَن لا يخافه. ولا يرحمنا.