* كفاكم الله سبحانه وتعالي شر الفقد.. فقد الشهية وفقد الانتماء وفقد الرجاء والأمل إلا في رحمة الله عز وجل.. السؤال "حُرُم" لأنه بلا جواب.. لا توجد في وطني جملة مفيدة يحسن السكوت عليها.. والمعلن خطير. وما خفي أعظم وأخطر.. أصحاب الفضيلة يخسرون.. وأصحاب الرذيلة يكسبون.. تخاصم أهل النار.. تخاصم بلا حل.. بلا نهاية.. بلا طائل.. الأشرار أفصح لساناً وأقوي حجة.. وأعلي كعباً.. وأعظم بياناً وأكثر قدرة علي الحشد والتعبئة والإقناع.. الأخيار عجزة.. ليس بأيديهم حيلة.. في لسانهم عَيْ وتلعثم.. صاحب الخير والفضيلة مهين. ولا يكاد يبين.. وصاحب الشر والرذيلة يملك ناصية البيان والإعراب.. الإجماع علي باطل وشر.. التعاون علي الإثم والعدوان.. سلَّط الله شرارنا علي خيارنا. ويدعو خيارنا فلا يُستجاب لهم غضباً من الله عز وجل علينا.. ابتلانا الله بالضفادع والجراد والقمل البشرية.. ابتلانا بالسنين ونقص الأموال والأنفس والثمرات.. لكننا بدلاً من الإفاقة نزداد غيبوبة.. نزداد غياً وفجوراً ورفثاً وفسوقاً وعصياناً وجدالاً في الحج وفي غير الحج.. أفرغنا كل شيء من مضمونه.. فليس لنا سوي الخواء والهواء وقبض الريح.. لا نعرف الناس بالحق.. ولكننا نعرف الحق بالناس.. وما معني ذلك؟!.. معناه خطير جداً.. الحق مع الأقوي.. وليس الأقوي مع الحق.. هذا قول حق. لأن فلاناً الكبير أو الغني أو صاحب السلطان قاله.. وهذا كذب. لأن فلاناً الحقير والفقير "والغلبان" قاله.. الحق لا يدلنا علي الناس.. ولكن الناس يدلوننا علي الحق.. لذلك صار الحق بالهوي والمزاج والفلوس.. أحب الناس فأعطيهم الحق.. ولا أحب الحق فأعرف به الناس.. نحترم الناس اتقاءً لشرهم. لا لأنهم يستحقون الاحترام.. الشخص يدلنا علي الحق.. ولا يدلنا الحق علي الشخص.. لذلك نحكم لأصحاب الباطل.. ونحكم علي أصحاب الحق.. لذلك لا نصل أبداً.. ولن نصل أبداً. الفتنة لا تصيب الذين ظلموا خاصة.. والمظلومون أول ضحاياها.. المظلومون وقود الفتنة وحطبها لأنهم ارتضوا الظلم وعشقوه وأدمنوه.. لم أر قوماً في العالم مثلنا.. يحبون أن يكونوا مظلومين.. يشتكون ويبكون "كده وكده".. منعاً ودفعاً للحسد والعين.. هواية أن أبدو مظلوماً وفقيراً ومكسور الجناح.. نحن نصنع لأنفسنا عاهات لنتسول بها. ونشكو بها. ونستدر الدموع والعطف.. أريد أن أري شيئاً حقيقياً في هذا البلد قبل أن أموت.. "إيه القرف ده؟!".. كل شيء.. كل شيء ورب الكعبة مزيف.. التأييد مزيف.. والمعارضة مزيفة.. الحب مزيف.. الوطنية مزيفة.. التدين مزيف.. والمواقف السياسية مزيفة.. الإعلام مزيف.. الصحافة مزيفة.. الحرية مزيفة.. الديمقراطية مزيفة.. الأحكام مزيفة.. والقوانين مزيفة.. المشاعر.. البكاء.. الضحك.. الفرح.. الحزن.. كل شيء مزيف.. لا يصح الصحيح عندنا أبداً.. انتظرنا بصيصاً وطاقة نور ومازلنا نمشي في ظلمات بعضها فوق بعض ولا نري نقطة ضوء.. وإذا بنا نكتشف بعد الفوات أن قلوبنا هي المظلمة. وأن الظلام فينا وليس في الطريق.. وأن دليلنا في الظلماء ليس سوي شيطان رجيم.. وأن الذي ظنناه موسي "طلع فرعون". لكننا أدركنا ذلك بعد خراب مالطا.. بعد أن سبق السيف العذل. لا تستند إلي أحد.. لا تركن إلي أحد. ولو شيئاً قليلاً. لأن كل البشر من حولك "حيطان مايلة"!!.. فليسعك بيتك في زمن الفتن والظلملت التي بعضها فوق بعض.. لا تحسن الظن بأحد. لأن سوء الظن من حسن الفطن.. لا يوجد في وطني حلال بيِّن. ولا حرام بيِّن.. كل الأمور مشتبهات.. "واحنا عمالين نضبش" ونقع في الحمي.. ونقع في محارم الله.. ونظن أننا نحسن صنعاً.. ونحسب أننا بمفازة.. وما نحن بمفازة من النار.. وكلما أردنا أن نخرج منها عدنا فيها. الأخلاق الفاضلة خاسرة.. قال لي صديقي إن معهداً خاصاً يدفع طلابه بالدولار ضبط فيه طالب وطالبة في وضع مخل. فأبلغ من ضبطهما قيادة المعهد. وظن أنه "جاب الديب من ديله". فإذا بالعقاب يقع عليه هو. وقيل له: "وأنت مالك.. دول بيدفعوا الشيء الفلاني.. لو جعلناها مدرسة الأخلاق الحميدة لخسرنا الملايين".. "الكلام ده تروح تعمله في مدرسة حكومية.. في معهد حكومي"!!!... أي والله.. هذا ما حدث.. ورغم ذلك ترانا متمسكين بالترهات والشكليات.. المادة الثانية من الدستور.. إضافة "إلا ما يخالف شرع الله.. أو بما لا يخالف شرع الله" علي حقوق المرأة وحقوق الطفل أو حرية الإبداع.. وأخذ ورد.. واختلاف واتفاق و"خناقات".. "قال يعني هو ده اللي حيخلينا مجتمع المؤمنين".. ما الذي سوف يتغير لو بقيت المادة الثانية من الدستور. أو حذفت؟. وما الذي سيتغير لو أضفنا أو لم نضف "فيما لا يخالف شرع الله"؟. "قال له: علمني الرخامة يابا.. قال له: تعالي في الهايفة أو الفارغة واتصدر".. ونحن في صدارة المشهد عندما يتعلق الأمر بالسفاسف. والتفاهات والترهات.. زحام علي الصغائر و"الهيافات".. وانصراف عن العظائم والملمات.. إذا تطلب الأمر مكلمة تزاحمنا.. وإذا تطلب فعلاً نكصنا علي أعقابنا وهربنا. * * * * الشيخ حسني في فيلم "الكيت كات" ضحك علي الحي كله بلافتة علي محل فارغ وخاو.. وعندما مر علي المحل وهو الرجل الضرير نظر إلي اللافتة وهم يعلقونها وقال: "موش معووجة شوية يا وله؟!".. وضحك الجميع.. فقال لهم الشيخ حسني: "بتضحك علي إيه يا حمار منك له.. له؟!".. فقالوا: "أصلها معووجة فعلاً يا شيخ حسني"!!.. ونحن في مصر كلنا الشيخ حسني.. نمارس السياسة والإعلام والصحافة والقانون علي طريقة الشيخ حسني الكفيف.. لا نريد أن نعترف بأننا عميان ونكابر "ونقاوح" ونقول: "لعلمك.. أنا ما احبش اللي يستعماني".. عميان ونكره "اللي يستعمانا".. و"نقضيها فهلوة.. وهجص".. لسنا معنيين سوي باللافتات علي مضامين فارغة.. لسنا مهتمين إلا بالشعارات التي لا مداليل لها. المادة الثانية من الدستور لافتة علي ماخور.. "فيما لا يخالف شرع الله".. لافتة علي بيت دعارة.. اللافتة علي القبر تقول: "هذا قصر".. ونصدق اللافتة ونكذب القبر وروائح الرمم المنبعثة منه.. اللافتة علي مقلب قمامة أو كوم زبالة تقول: "هذا مشتل زهور".. ونصدق اللافتة ولا نصدق روائح الزبالة.. الدستور كله لافتة جميلة لمجتمع قبيح "معفن".. "مخوخ".. آيل للسقوط.. متداعي الأركان.. فاقد للبوصلة والاتجاه.. الدستور مجرد ورقة تواليت تستخدم مرة واحدة.. ويُلقَي بها في الزبالة.. مجرد ورقة توت لإخفاء العورات.. لكنها لا تخفي شيئاً. زمان قلت لكم.. أو رويت لكم حكاية المؤرخ والمستشرق البريطاني إدوارد وليم لين. الذي عاش في مصر طويلاً وعرفها أكثر من أهلها.. رويت لكم أنه قال إنه مر يوماً علي ترعة أو قناة. ورأي امرأة أو فتاة تستحم في الماء.. وعندما فرغت خرجت من الترعة وفوجئت وهي عارية تماماً بالمؤرخ والمستشرق الإنجليزي.. فإذا بها بحركة مصرية خالصة وتلقائية تضع يديها علي وجهها لإخفاء شخصيتها.. ويقول إدوارد وليم لين: كان الأحري أن تخفي عورتها لا وجهها.. لكن هذا السلوك مصري صميم.. نفعل ما نريد من أفعال قبيحة ومذمومة. والمهم ألا يتعرف علينا أحد.. لا نقلع عن أفعالنا الذميمة. ولكننا نحرص علي ألا يتعرف علينا أحد!! هذا هو الستر في مفهوم المصريين.. "ربنا يستر وما حدش يشوفنا".. ولا نقول: "ربنا يستر وما نقعش في الغلط".. لا.. نقع في الغلط كما يحلو لنا.. لكن "ربنا يستر وماحدش يكشفنا".. لذلك نخفي وجوهنا ولا نخفي عوراتنا.. نسرق ونزني ونخون ونقول: "ربنا يستر وما حدش يعرفنا".. نطلب أن يعيننا الله علي الذنب والإثم والرذيلة والسرقة والسطو والكذب والبهتان والإفك وصياغة الدستور الفشنك.. "ربنا معانا وما حدش يفضح خيانتنا".. "الحمد لله.. ربنا وفقني.. ومثلت دور الإغراء والعري بإتقان ونُلت إعجاب الجماهير.. ده توفيق من ربنا.. وربنا إن شاء الله حيوفقني وألاقي دور إغراء زي ده".. في كل أمورنا نخفي وجوهنا ولا نخفي عوراتنا.. "ما فيش حد زينا في العالم".. حياتنا كلها لافتات وشعارات بلا مضامين.. مثل لافتة الدستور والمعركة الدائرة حوله.. إنها جنازة حارة والميت كلب. و"تأسيسية رايحة وتأسيسية جاية.. ولجنة صياغة ولجنة صياعة.. "وتاكسي رايح وتاكسي جاي".. كل هذا من أجل لافتة علي كوم زبالة.. "شوية مواد" بين دفتي كتاب لا تساوي المداد الذي كتبت به.. لا أحد في مصر يعرف الدستور ولا المادة الثانية ولا "فيما لا يخالف شرع الله".. وهؤلاء الذين لا يعرفون. يتم استفتاؤهم علي ما يجهلون.. أي أننا جميعاً "شهود ما شافوش حاجة".. كلنا مثل الشيخ حسني. عُميان ونُدلي بأصواتنا بطريقة "كُلوا بامية".. وبطريقة "اليافطة موش معووجة شوية يا وله؟!".. "وتطلع معووجة فعلاً"!!! * * * * كيف عرف الشيخ حسني الأعمي أن اللافتة معووجة؟!.. هل عرف ذلك ببصيرته وهو فاقد للبصر؟!.. لا.. ولكن الحقيقة المرة أن الأصل في كل لافتات مصر "أنها معووجة"!!.. فالشيخ حسني تحدث عن الأصل والوضع الطبيعي. لذلك بدا كأنه عرف ذلك ببصيرته.. والصواب أنه لا توجد في مصر لافتة "معدولة".. كل لافتات وشعارات مصر كلمات حق يراد بها باطل.. وكلما طغت ثقافة اللافتات عرفت أن الوطن "تُودع" منه.. وأن الفراعين في كل موقع يستخفوننا باللافتات والشعارات. فنطيعهم لأننا قوم فاسقون.. مثل لافتة: "أليس لي مُلك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي"؟!.. ولافتة: "أم أنا خير من ذلك الذي هو مهين ولا يكاد يبين"؟!.. ولافتة: "ما أريكم إلا ما أري. وما أهديكم إلا سبيل الرشاد".. ولافتة: "إن هؤلاء لشرذمة قليلون".. ولافتة: "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية".. ولافتة: "مبادئ ثورة يوليو الستة".. ولافتات: "الميثاق وورقة أكتوبر ومشروع النهضة ومشروع الصحوة الكبري.. وبرنامج الألف يوم. وبرنامج المائة يوم".. ولافتة: "الحلاقة غداً مجاناً. والغد لا يأتي أبداً"!!! مصر مصنع لافتات ضخم.. أكبر مصنع لافتات وشعارات في العالم.. اللحي لافتات.. والجلابيب لافتات.. والنقاب والحجاب والخمار لافتات.. والمليونيات لافتات.. والثورة لافتات.. والانتخابات لافتات.. وكل المؤسسات عندنا فارغة من كل مضمون. لكن عليها لافتات "تخُض".. ترعب.. مثل "المجلس القومي لحقوق الإنسان".. عندنا مجلس.. وعندنا قومي. ولكن ليس عندنا حقوق. وليس عندنا إنسان!!.. و"المجلس القومي للأمومة والطفولة".. "ولا عندنا أمومة. ولا عندنا طفولة".. عندنا مهرجانات تسد عين الشمس.. وعندنا جوائز ودروع بعدد النجوم.. وعندنا قلادات وأوسمة تكفي العالم كله وتفيض للتصدير إلي الكواكب الأخري.. وكله "باللافتات".. جائزة أحسن ممثل. وأحسن مخرج.. وأحسن مقدم شاي وقهوة.. وأحسن خطبة.. وأحسن زغرودة.. بلدنا بلد "الضلالية".. الضلالي عندنا في العلالي.. وأراهن أن يخرج إنسان واحد ليقول إنه لم يحصل علي جائزة من أي مهرجان.. وفي هوجة اللافتات لا نعرف مَن علي صواب. ومَن علي خطأ؟!.. لذلك أرح نفسك وتعامل مع الجميع علي أنهم أهل باطل. وأن تخاصمهم هو تخاصم أهل النار. مصر يا أصدقائي المهندس اسماعيل العوضي وحمادة بدران أبودوح ووليد يحيي لا تريد أن تنصفنا.. ولا تريد أن تخيب ظننا.. لا تريد أن "تطلعنا غلطانين".. "نفسي أطلع غلطان.. ومفترياً ومتجنياً.. نفسي يُطبَّق عليّ حد الرجم لأنني قذفت مصر المحصنة البريئة الغافلة".. لكن يبدو أنني سأظل أكسب الرهان.. ولن أخسره أبداً.. الأخيار في أسفل سافلين.. والأشرار في القمة ويحظون بالنجومية.. والضلالي في العلالي.. والدستور عندنا لافتات حق يراد بها باطل.. ولا خير في بقاء المادة الثانية أو إلغائها.. لا ضير في بقاء لافتة "فيما لا يخالف شرع الله" ولا في إلغائها.. "ما تفرقش".. طولها زي عرضها.. وقلت لكم أن أحمد زي الحاج أحمد.. والحكاية كلها لا تساوي تعب القلب.. فنحن لا نجد الفتات. وتقتات باللافتات!!... و"أبوك السقامات"!! نظرة * المصري عندما يستبعد حدوث أمر ما يتحداك بقوله: "أحلق شنبي لو ده حصل".. وغاية الدين أن نحفو شواربنا.. يا أمة ضحكت من جهلها الأمم.. والشارب عندنا مقدس حتي أننا نحلف به فيقول قائلنا: "وحياة شنبي".. ولا نجد فرقاً بين الرجل والمرأة سوي أن الرجل بشنب والمرأة "من غير شنب.. من غير شنب".. لكن رجالاً كثيرين الآن "من غير شنب.. من غير شنب".. ونساء كثيرات الآن "بشنب".. أما الذقون أو اللحي فهي ليست مقدسة مثل "الشنب".. بل هي عرضة في أدبياتنا للسخرية والاستهزاء.. فأنت تضحك علي ذقني.. وأنا أضحك علي ذقنك.. و"بوس الإيدين. ضحك علي الدقون".. كما نقول.. وقد تساءلت بيني وبين نفسي عن الأسباب التي أدت إلي كثرة ضحكنا هذه الأيام وأدت إلي أن تكون "فشتنا عايمة". فاكتشفت أن السبب في كثرة الضحك "عمال علي بطال". هي كثرة وانتشار الذقون.. وأننا مطحونون بين شقي "اللحي".. الشق الإخواني والشق السلفي!!!