أيهما أسوأ بالله عليكم: أن يطلب ضابط أمن الدولة من أحد الشيوخ أن يبدى رأيا معينا فى مداخلة تليفزيونية، أم أن ترجع القناة التليفزيونية إلى مباحث أمن الدولة لتستأذنها فى استضافة الشخصيات العامة؟ يقول الأستاذ فهمي هويدي الكاتب والمفكر الإسلامي المصري في مقاله اليوم الاثنين بجريدة الشروق المصرية إن هذا السؤال خطر لى حين قرأت مقال زميلنا الأستاذ إبراهيم عيسى على الصفحة الأولى من صحيفة الدستور يوم الخميس الماضى 12/8، وقال فيه إن أحد المذيعين روى له القصة التالية: إبراهيم عيسى: أمن الدولة يختار المداخلات الهاتفية في البرامج رتب أحد المذيعين لقاء مع معارض أطلق سراحه بعد اتهامه بالعمل ضد مصر بالخارج، وقامت إدارة المحطة باستئذان جهاز أمن الدولة كالمعتاد، فوافق الضابط المختص مشترطا أن تتخلل البرنامج مداخلتان هاتفيتان من أحد الصحفيين وأحد الدعاة. وحين اتصل المذيع بالشيخ أبلغه الأخير بأنه تلقى اتصالا من أمن الدولة وسجل النقاط التى طلب منه التركيز عليها. كما أنهم قالوا له ادخل بآيتين من القرآن، ومعهما ""شوية كلام من إياهم". وقد تحقق إبراهيم عيسى من ذلك حين تابع البرنامج، ووجد أن الشيخ نفذ التعليمات كاملة! هويدي: المحطات تستأذن أمن الدولة فى مشاركة الضيف فى البرنامج ويتابع هويدي: لم أجد فى القصة أى مفاجأة، لأن الكاتب أورد فيها بعض وليس كل ما نعرفه ويعرفه هو قبلنا منذ زمن. لكننى لم أفهم لماذا أبدى دهشته من أن الشيخ نفذ توجيهات ضابط أمن الدولة فى حين لم يستوقفه أن الضابط المذكور كان قد طلب ترتيب مداخلة من جانب أحد الصحفيين، الذى لا أشك فى أنه قام بدوره باللازم، تماما كما طلب منه.ثم إنه لم يتوقف أمام القضية الأساسية المتمثلة فى الاتصال الذى قامت به إدارة المحطة لاستئذان أمن الدولة فى مشاركة الضيف فى البرنامج. التليفزيون الرسمي تحت قبضة أمن الدولة ويتابع هويدي في مقاله قائلا ومع ذلك فأهمية القصة تكمن فى دلالتها الكاشفة، التى تشير بوضوح إلى أن أصابع جهاز أمن الدولة القابضة على قنوات التليفزيون الرسمى. مخترقة أيضا لكل المحطات التليفزيونية الأخرى. وأنه ما من ضيف يظهر فى برامج الحوار والرأى إلا بعد الموافقة المسبقة على ظهوره من جانب جهاز أمن الدولة. وحكاية المداخلتين اللتين طلبتا من الشيخ والصحفى تتكرر فى كل الحالات المماثلة. البرادعي وتعليمات بمنعه من الظهور وقال الكاتب المرموق لقد أشرت قبلا إلى صدور تعليمات بمنع ظهور الدكتور محمد البرادعى فى المحطات والقنوات التليفزيونية المصرية. وذكرت أن أحد أبرز الشخصيات العامة فى مصر ألحت عليه إحدى القنوات لاستضافته حتى وافق أخيرا. وقبل يومين من موعد تسجيل البرنامج، تلقى اعتذارا من المعد عن عدم إتمام اللقاء. ويعلم المشتغلون فى المجال الإعلامى أن ثمة قائمة بأسماء شخصيات مستقلة ومعارضة موزعة على المسئولين فى المحطات التليفزيونية، ومحظور عليهم الظهور فى أى برنامج تليفزيونى، على الأقل حتى الانتخابات الرئاسية القادمة. في أحد البرامج المذيع تلقى الأسئلة ليحرجني ويورطني ويواصل هويدي ويقول "قد علمت قبل أسابيع قليلة أنه حين أجرى أحد مقدمى البرامج الحوارية المسائية حوارا معى ذات يوم، فإن مجموعة صغيرة من الضباط كانت تتابع الحوار فى جهاز أمن الدولة، وأن المذيع كان يتلقى منهم أسئلة بذاتها قصد بها الإحراج أو التوريط". أمن الدولة له كلمة فى تعيين رؤساء تحرير الصحف غنى عن البيان أن الحاصل فى مجال التليفزيون، متكرر بذات القدر فى المجال الصحفى، خصوصا الصحف القومية، التى لمباحث أمن الدولة كلمة فى تعيين رؤساء تحريرها. وللعلم فإن اختراق الصحف من جانب أجهزة الأمن أسبق بكثير من اختراق الأجهزة لقنوات التليفزيون، باعتبار أن الأولى أقدم بكثير من الثانية. وليس سرا أن الأجهزة الأمنية تتدخل لإضافة أو حظر الكتاب فى الصحف القومية. وقد منع ثلاثة من المثقفين من الكتابة مؤخرا فى إحدى الصحف القومية الكبرى بتعليمات قال رئيس التحرير صراحة إنها "توصيات أمنية". المسئول الأمني يضغط على الزر ويواصل هويدي هجومه قائلا بهذه المناسبة فقد سمعت القصة التالية من أحد القياديين الفلسطينيين. التقى صاحبنا مسئولا أمنيا كبيرا. وحين تبسطا فى الحديث فإن صاحبنا القيادى الفلسطينى أبدى استغرابه من موقف الإعلام المصرى الذى يهاجمهم حينا ثم يسكت أو يرضى عنهم فى حين آخر. ثم قال: كأن هناك "زر" يتم الضغط عليه فى كل حين لكى تنطلق قذائف الإعلام فى الاتجاه المطلوب. حينئذ ضحك المسئول الأمنى وقال: أنا الذى اضغط على "الزر"! نظام بوليسى يزداد تغولا ويختتم مقاله قائلا: إننا إذا نظرنا فى عمق الصورة فسوف نكتشف أن الحضور الأمنى القوى فى وسائل الإعلام هو مجرد واجهة لحقيقة أكبر هى أن أصابع الأمن وأعينها أصبحت مبثوثة فى كل مكان، وأن أجهزتها لم تعد أحد أذرع الدولة، وإنما أصبحت الآلة التى تدير الدولة، وأن قانون الطوارئ ليس المشكلة، ولكن المشكلة الحقيقية أننا أصبحنا نعيش فى ظل نظام بوليسى يزداد تغولا حينا بعد حين.