أيهما هو الذى يتبع الآخر: جهاز أمن الدولة أم الدولة ؟ أيهما فى الحقيقة هو التابع وأيهما هوالخاضع: هل جهاز أمن الدولة تابع وخاضع حقا للدولة ؟ أم أن الدولة بكل سلطاتها ومؤسساتها وأجهزتها خاضعة للجهاز المذكور ؟؟... سؤال كثيرا ما يقفز إلى ذهنى فى مناسبات شتى لعل أهمها هو ذلك المقال الذى كتبه منذ أسابيع طوال رئيس تحرير إحدى الصحف الأسبوعية المستقلة ،.. وخلاصة المقال الذى احتل الصفحة الأولى من الصحيفة المذكورة بالكامل هو أن رجال مباحث أمن الدولة قاموا باختطاف أحد (الدعاة) من المشايخ المشهورين الذين يظهرون فى التليفزيزيون بانتظام وذلك بمجرد وصول الطائرة التى كان يستقلها عائدا من الخليج إلى القاهرة ، وبعد ذلك قاموا بإيداعه زنزانة مظلمة و تجريده من ثيابه وضربه ضربا مبرحا مع العبث بأعضائه التناسلية باستخدام العصيان الكهربائية !!، وقد ظل فى زنزانته عاريا فيما يقول كاتب المقال ثلاثة أيام دون أن يعلم ماهى التهمة الموجهة إليه ولا ما هو السبب الذى تم اختطافه من أجله ، وحين سمح له فى النهاية أن يقابل الضابط المسئول عنه ، أفهمه السبب فيما حاق به، وهو سبب يمكن إجماله ببساطه فى أن الشيخ قد خرق عقد احتكار ضمنى يوجب عليه إذا تكلم فى السياسة ألا ينافق أحدا غير أهل الحكم فى مصر، (فيما عدا هذا فهو حر فى أن يتكلم فى فتاوى النسوان والحريم وبطلان الطهارة وما إلى ذلك)، وبما أنه قد نافق أثناء رحلته الأخيرة فى شهر رمضان المبارك ، بما أنه قد نافق إحدى الأميرات العربيات واصفا بلادها بأنها حارسة الإسلام مخالفا بذلك عقد احتكار النفاق الملتزم به فقد وجب تأديبه وتذكيره أيضا بأن أمن الدولة يمتلك شرائط مسجلة تصوره فى أوضاع مخلة بالآداب يمكن تسريبها إلى الصحف وقت اللزوم!! ، والواقع أن ماورد فى المقال المذكور كان يوجب على السيد النائب العام أن يبدأ فورا فى التحقيق مع كاتبه للتحقق من مدى صحة ما ورد فيه، خاصة وأن كاتب المقال لم يقتصرفى مقاله على هذه الواقعة وحدها ولكنه أضاف إليها العديد من الوقائع المشينة التى تمثل أفعالا جنائية والتى توجب كل منها إذا ما ثبتت صحتها أو إذا ثبتت على الأقل جدية الأدلة والقرائن المستندة إليها توجب تحريك الدعوى الجنائية ضد مرتكبيها دون حاجة إلى تقديم شكوى من المجنى عليهم ، ومن بين هذه الوقائع (أو بالأحرى من بين هذه الجرائم)، تعطيل تنفيذ أحكام قضائية صادرة ضد بعض الدعاة والمشايخ فى قضايا نصب أوفى قضايا تزوير أو فى قضايا زنا والعياذ بالله بالمحارم ، وقيام أمن الدولة بالتستر على أولئك المشايخ و(الدعاة)، وحمايتهم من تنفيذ تلك الأحكام فى مقابل قيام أولئك الأخيرين بتنفيذ ما يطلبه منهم أمن الدولة حرفيا، وإلا فإن الفضائح فى انتظارهم والأحكام القضائية جاهزة للتنفيذ !، ولما كانت الوقائع الواردة فى المقال المذكور هى مما لايمكن السكوت عليه بحال من الأحوال، لما كان ذلك كذلك فقد سارعت حينذاك بأن كتبت مقالا فى جريدة الفجر نوهت فيه بأن السكوت عما ورد فى ذلك المقال الإفتتاحى يعد فى حد ذاته جريمة جديدة تضاف إلى الجرائم الشنيعة التى نسبها المقال إلى بعض السادة المشايخ وإلى أمن الدولة معا ، وأنه يتعين على النائب العام ألا يتوانى لحظة واحدة عن التحقيق مع كاتبه بشأن ما ورد فيه، فإذا كان كاذبا أو مغرضا وجبت مساءلته فورا لأنه يسىء إلى فئة من المواطنين وهى المشايخ والدعاة ويجعل الشبهة تحوم فوق رءوسهم جميعا ، فضلا عن أنه يصور أمن الدولة فى مقاله بأنه جهاز فوق القانون بل وفوق الدولة أيضا ، أما إذا كان صادقا فقد كنا ننتظر من السيد النائب العام ما ينتظره أى مواطن فى أية دولة يفترض فيها أن سلطة الدولة فوق سلطة أمن الدولة ، وأن سلطة القانون فوق الجميع. وقد مرت الأسابيع الطوال بعد نشر مقالى فى الفجر وبعد نشر المقال الإفتتاحى فى الصحيفة سالفة الذكر دون أن يتحرك النائب العام ودون أن يوجه أى سؤال أوأى اتهام على الإطلاق ... لا إلى كاتب المقال ، ولا إلى أى مسئول فى أمن الدولة ، ولا إلى أى داعية من الدعاة التليفزيونيين ،... مرت الأسابيع الطوال دون سؤال أو تعقيب أو اتهام مما يثير العديد من علامات الدهشة والإستفهام .