على مدار الأسبوعين السابقين كان أحد ملفاتنا الرئيسية فى المجلة (روزاليوسف) بعنوان «الإخوان.. قرن من الخيانة»، صفحات كان الهدف منها التأصيل لخيانة الجماعة الإرهابية منذ لحظة التأسيس، ومن بين ردود الفعل على هذا الملف التى توقفت عندها هو لسائق تاكسى قال: «كل شوية تكلمونا عن الإخوان.. خلاص عرفنا إنهم ولاد... لازم نعدى المرحلة دى بقى ونشوف مصلحتنا». الحقيقة أن أهمية ما قاله هذا الرجل أنه يتردد على لسان الكثيرين، يرون أن خطر الإخوان قد زال، وأن خيانتهم أصبحت «مع وقف التنفيذ» لكن الحقيقة أنه خطر لا يسقط أبدا بالتقادم.. بل إنهم شجرة خبيثة، جذورها الخيانة، وأغصانها العمالة، وثمارها الإرهاب وهدم الأوطان. وكل من يتوهم أن هذه الجرائم «جزء من ماضي» مخطئ فى تقديره، لأن الخط ممدود على استقامته.. والخيانة مستمرة وعابرة للحدود، فقبل أيام قال الإخوانى محمد إلهامى من اسطنبول فى بودكاست نصا: «النظام لو سقط فى مصر، ستجتاح إسرائيل سيناء، وهذا سيكون جيد طبعا»! هذا ما يحدث الآن وليس فى الماضى.. هذه خيانة اليوم التى تعلّموها عبر تاريخ علينا جميعا أن نعرفه.. فالرؤية ليست فقط بيع للقضية الفلسطينية ولكن التنظيم الدولى للإخوان يضع احتلال سيناء «هدفا جيدا».. تخيل! من يقرأ تاريخ جماعة الإخوان المسلمين بتمعن، يدرك سريعًا أن ما نراه اليوم من خيانة وتعاون مع أهداف الاحتلال ليس وليد الصدفة، ولا هو مجرد انحراف عابر لجماعة فقدت بوصلتها، بل هو امتداد طبيعى لمسار طويل من الخيانة والتآمر، يبدأ من لحظة التأسيس فى أواخر عشرينيات القرن الماضي، ويستمر حتى يومنا هذا. التأسيس على الخيانة منذ اللحظة الأولى، لم يكن مشروع الإخوان مشروعًا إصلاحيًا دينيًا بقدر ما كان حركة سياسية تسعى للسلطة تحت غطاء الدين. حسن البنا، مؤسس الجماعة عام 1928، طرح فكرة «الإسلام الشامل» لكن سرعان ما ترجمت إلى طموحات سياسية ورغبة فى الهيمنة على المجتمع والدولة. البنا لم يُخفِ نزوعه لإقامة كيان موازٍ للدولة المصرية: أجهزة سرية، تنظيم مسلح، وشبكات تمويل خارجى. ومنذ البدايات، ارتبط اسم الجماعة بالاغتيالات والتفجيرات؛ من اغتيال القاضى أحمد الخازندار سنة 1948، إلى اغتيال رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى فى نفس العام. هذه الجرائم لم تكن مجرد «حوادث»، بل إعلان صريح أن الجماعة فوق الدولة، وأن دماء الأبرياء رخيصة فى سبيل مشروعها. التنظيم الخاص.. دولة داخل الدولة الذراع العسكرية السرية للإخوان، المعروفة ب«التنظيم الخاص»، جسدت الوجه الحقيقى للجماعة. تنظيم يعمل فى الخفاء، يتلقى الأوامر بعيدًا عن مؤسسات الدولة، ينفذ اغتيالات، ويخزن الأسلحة. هذا التنظيم لم ينتهِ بحل الجماعة فى 1948، بل أعيد إنتاجه بأشكال مختلفة فى كل عقد. ما جرى فى الأربعينيات يتكرر اليوم عبر الميليشيات الإلكترونية والذراع الإعلامية للإخوان، التى تعمل على تقويض استقرار الدول ونشر الفوضى. تحالفات مشبوهة عبر التاريخ الجماعة لم تتردد فى عقد التحالفات مع أى طرف يخدم مصالحها، حتى لو كان عدوًا للوطن. وثائق كثيرة أثبتت أن الإخوان تعاونوا مع الاستخبارات البريطانية فى الأربعينيات والخمسينيات، ثم تواصلوا مع المخابرات الأمريكية فى الستينيات، وصولًا إلى تحالفات مباشرة مع تركيا وقطر فى العقد الأخير. إن ثنائية «الخطاب الديني» للاستهلاك المحلي، و«الصفقات السياسية» مع القوى الخارجية، باتت سمة ثابتة فى تاريخ الجماعة. الخيانة لم تكن خيارًا استثنائيًا، بل قاعدة تحكم تحركاتهم. من عبدالناصر إلى 2011 حين حاولت الدولة المصرية فى عهد جمال عبدالناصر احتواء الجماعة، واجهت مؤامرات متتالية. مؤامرة 1954 لاغتيال ناصر فى المنشية، واحدة من أكثر الوقائع وضوحًا على طبيعة الجماعة. ومع أن السادات أطلق سراح الكثير من عناصرها فى السبعينيات، ظنًا أنه يستعملهم ككارت ضد اليسار، إلا أن النتيجة كانت اغتياله على أيدى فصائل خرجت من رحم الفكر الإخوانى. مبارك بدوره جرّب سياسة الاحتواء، ففتح لهم المجال فى النقابات والجامعات، لكنهم استغلوا هذه المساحات لبناء نفوذ موازٍ، حتى أصبحت الجماعة «دولة داخل الدولة». ما زرعه الإخوان فى مصر، سرعان ما امتد إلى العالم العربى. الجماعات المتطرفة فى سوريا والعراق وليبيا وتونس، كلها استلهمت فكر الإخوان أو خرجت من عباءتهم. القاعدة وداعش وغيرهما ليسوا إلا فروعًا متطرفة لشجرة الإخوان الأم. فالفكر الذى يبرر التكفير، ويمنح الشرعية للعنف باسم الدين، هو نفس الفكر الذى زرعه حسن البنا وسيد قطب، والذى تغذّت عليه تلك الجماعات. الوجه العارى ثورة يناير فتحت نافذة للإخوان كى يظهروا بوجههم الحقيقى. حين وصلوا إلى الحكم، ظهر بوضوح مشروع «الأخونة» الذى سعى للسيطرة على مؤسسات الدولة، وتحويل مصر إلى نسخة مشوهة من «دولة المرشد». لكن الشعب أدرك سريعًا أن هذه الثمار فاسدة، فخرج بالملايين فى 30 يونيو 2013 ليقتلع الشجرة من جذورها. ومع ذلك، لم تتوقف الجماعة عن محاولات التخريب، فانتقلت إلى العنف المسلح فى سيناء، وإلى التحريض عبر الإعلام والإنترنت. خيانة الأمس واليوم إن جرائم الإخوان ليست مجرد وقائع تاريخية تُروى فى كتب، بل هى جروح ما زالت تنزف. دماء النقراشى والخازندار لا تختلف عن دماء شهداء الجيش والشرطة فى سيناء. محاولات الاغتيال فى الأربعينيات هى ذاتها محاولات التفجير فى العقد الأخير. خيانة الأمس تشبه خيانة اليوم؛ نفس العقلية، نفس الأدوات، وإن تغيرت الوجوه. حين نتأمل تاريخ الإخوان، نرى خيطًا متصلًا.. من حسن البنا، إلى سيد قطب، إلى محمد بديع، وصولًا إلى أجيال «الإرهاب الإلكتروني» و«الإعلام المأجور». كلها حلقات فى سلسلة واحدة. الجماعة لا تؤمن بالدولة الوطنية، ولا تعترف بالحدود، بل ترى نفسها كيانًا عالميًا يتجاوز الانتماء للوطن. وهذا بالضبط هو أصل الخيانة، أن تنزع عن نفسك هوية الانتماء، لتضع الولاء لجماعة سرية فوق أى اعتبار. رسالة إلى المستقبل حين نقول إن «جرائم الإخوان لا تسقط بالتقادم»، فإننا لا نتحدث فقط عن الماضي، بل نحذر من المستقبل. فالفكر الذى لم تتم محاسبته، يمكن أن يعيد إنتاج نفسه فى أى لحظة. لذلك، فإن الوعى الشعبي، والمواجهة الأمنية، والحصار الفكري، كلها ضرورات حتى لا نقع فى فخ السموم القديمة.